لماذا نخشى الدولة؟

بقلم: أسامه الفرا

منذ إعلان الرئيس ياسر عرفات استقلال دولة فلسطين في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني الاستثنائية في الجزائر عام 1988 سارعت دول العالم بالاعتراف بدولة فلسطين، وفي فبراير 1989 وصل عدد الدول التي تعترف بدولة فلسطين إلى 94 دولة، وبدأ العدد يزداد تباعاً إلى أن صوتت 138 دولة لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2012 الذي منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، وبذلك بات بإستطاعة دولة فلسطين أن تنضم إلى كل المنظمات التابعة للأمم المتحدة أسوة بباقي دول العالم، ، وبذلك وضع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حداً للبس القائم حول دولة فلسطين منذ إعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ومنحها صفة المراقب في الأمم المتحدة، وهو ما جاء في قرار رئيس بروتوكول الأمم المتحدة بأن تستخدم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية، سبق ذلك أن حصلت دولة فلسطين على عضوية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز.

الصفة التي تتمتع بها فلسطين في المحافل الدولية هي صفة دولة كاملة غير منقوصة، الاستقبال الذي يحظى به الرئيس في دول العالم استقبال رئيس دولة، وسفراء فلسطين في غالبية دول العالم يتقدمون بإعتماد أوراقهم أسوة بسفراء الدول الأخرى، وقناصل الدول تتقدم لرئيس دولة فلسطين بالشيء ذاته قبل أن يبدأ ممارسة مهامة في فلسطين، والمؤتمرات الدولية التي تتواجد فيها فلسطين تحظى بمشاركة لا تختلف البتة عن مشاركة أي دولة، حتى المشاركة الرياضية لفلسطين في المحافل الرياضية الدولية تحمل صفة الدولة، الواضح أن العالم تحلل من الإلتباس في مفهوم دولة فلسطين الذي سيطر عليه لعقود عدة، إلا أنه بالمقابل ما زلنا نعاني نحن من حالة الالتباس في الممارسة بين الدولة التي أقرتها الأمم المتحدة والسلطة التي التي أفرزتها اتفاقية اوسلو، ما الذي يمنعنا من الانتقال من حالة السلطة إلى حالة الدولة بكل ما تعنيه الدولة من مفاهيم؟، لماذا نخشى هذا الإرتقاء في الصفة رغم أنه يحظى بمباركة واسعة من دول العالم ويحصنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة؟.

لطالما لوحت حكومة الاحتلال ومن خلفها الإدارة الأمريكية بعقوبات ستفرضها على السلطة الفلسطينية إن هي أقدمت على الانضمام لمنظمات دولية، وسبق للإدارة الأمريكية أن هددت بوقف التمويل عن منظمات دولية في حال قبولها بعضوية دولة فلسطين، ونجحت في بعض الأحيان وأخفقت في أحيان أخرى، وكثيراً ما قبلت القيادة الفلسطينية بنظام الصفقة بتراجعها مقابل تعهدات أمريكية لا تلبث أن تتبخر، ومؤكد أن حكومة الاحتلال ومن خلفها الإدارة الأمريكية لن تصمت في حال الاعلان عن فلسطين دولة تحت الاحتلال، ولكن هل التهديات الاسرائيلية والأمريكية هي فقط من يقف وراء عدم الانتقال من سلطة إلى دولة؟، المؤكد أن الحالة الغير الصحية للنظام السياسي الفلسطيني تقف هي الأخرى حجر عثرة أمام ذلك، حالة الانشطار في النظام السياسي الفلسطيني وتغليب الحاضر الخاص على المستقبل العام خلقت بيئة غير ملائمة لخطوات كبيرة في التعاطي مع المشروع الوطني، قيادة السلطة في رام الله تدرك حجم الضغوطات التي يمكن أن تمارسها حكومة الاحتلال في حال الانتقال من السلطة إلى الدولة، ويأتي في مقدمة هذه الضغوطات وقف تحويل مبالغ المقاصة التي تشكل القيمة الأكبر في ميزانية السلطة، مما يعني بأن السلطة لن تتمكن من دفع رواتب موظفيها في الشهر الأول من عمر الدولة، وقد تذهب إلى تصعيد عسكري يقود إلى اجتياحات لمدن وبلدات في الضفة الغربية، ليس هذا فقط ما تخشاه قيادة السلطة بل أنها تخشى بموازاة ذلك أن تدخل الضفة الغربية في حالة من الوهن والضعف وربما الفوضى والذي قد يدفع حماس للإنقضاض على السلطة كما فعلت في غزة، وفي المقابل تضع حركة حماس على رأس سلم أولوياتها فك الحصار عن غزة، ولا يمكن لعاقل يتسلح بقليل من الوطنية أن يقف في خانة المعارضة لذلك، سيما وأن الوضع الإنساني في قطاع غزة لم يعد قابل للحياة، وحركة حماس تعي أن فك الحصار عن غزة يعمل على تثبيت حكمها للقطاع وهذا ما تخشاه سلطة رام الله.

لذلك ليس بالهين الانتقال من السلطة إلى الدولة دون توفير بيئة حاضنة لذلك، هذه البيئة تتطلب بالمقام الأول إنهاء حالة التوجس من الآخر، والبدء بوضع خارطة طريق ننتقل بها إلى دولة تحت الاحتلال يشارك الكل في صياغتها ويتحمل مسؤولياته، خارطة طريق لبناء دولة تكون مؤسساتها صاحبة الصلاحية الكاملة والقول الفصل وأن يكون لديها جيش وطني يلتحق به الجميع يأتمر بقيادة الدولة، ما يحاك من تدابير تهدف إلى إنهاء فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة يتطلب قرارات بحجم هذه التحديات، ومن العبث الذي يقود للتفريط بالقضية أن يسعى كل منا للحفاظ على مربعه الصغير المرتبط بحبل سري بالاحتلال.

بقلم/ د. أسامه الفرا