هي حماس، تلك الحركة التي كانت وما زالت تتخبط في سياساتها وتتناقض في برامجها ايضا ،لا فرق عند قياداتها ومنذ انطلاقة هذه الحركة ما بين الاستراتيجية والتكتيك، ولا قدرة استيعاب لمن يلتف حولها بان الشعارات التي تطرحها لا معنى لها ولا افق في ظل عالم احادي الجانب ،ودول عربية متآكلة، وتحالفات كرتونية لا شكلا لها ولا مضمون الا عناوين أصبحت بالية وقد تجاوزتها الاقدام من جانب، وفي ظل ما يعيشه الشعب الفلسطيني أيضا من الام وماسي من جانب اخر وكأن قيادات تلك الحركة لا تعيش بين هذا الشعب ،ولا تعلم بان قدرته بالعيش في ظل واقعه الأليم لم تعد تحتمل الصبر ،ذلك الصبر الذي فاق ما تحمله أيوب نفسه ،فما الذي تريده حركة حماس؟،والى اين يدفع قادتها هذا الشعب وباي اتجاه؟ ، هل هي تبحث عن سلطة لتحكم، ولذلك هي في حالة عداء مع منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح؟، ام انها تريد مقاومة لتحرر، وهي لذلك في حالة خلاف مع رئيس الشرعيات الفلسطينية؟ ، ام انها تريد الاثنتان معا؟ ، وإذا ما ارادت المقاومة فكيف لها ان تعمل بإصرار من اجل الاستمرار بالتحكم بهذا الشعب وبمقدراته وبمفاصل حياته في الوقت الذي تريد فيه من السلطة الفلسطينية ان تتحمل الانفاق على من يتحكم في هذه الحياة وتلك المقدرات دون أي افق لتحسين واقع هذا الشعب حكما ومقاومة، او حتى بمجرد امل بقفزة نوعية به نحو حياة تتوافر فيها ولو بالحد الأدنى مقومات وجودها.
كثيرة هي تلك الأسئلة التي نعجز بالوصول الى اجاباتها وفقا لما نلمسه من حركة حماس فعلا وقولا، وكثيرة هي ايضا تلك الماسي الذي يعيشها الشعب في ظل عجز حركة حماس نفسها من الإجابة على تلك الأسئلة، بل والتهرب من الوقوف ولو للحظة مع الذات للتمعن فيها، لان الاجابة على تلك الأسئلة هي بمثابة الخطوة الأولى بالاتجاه في تلك الحركة نحو الوطنية الفلسطينية ان ارادت ذلك ،حيث ان عملية البحث من اجل الإجابة عليها ستدفعهم حتما وبكل قوة نحو التفكير بكل ما يطرحه المواطن ويبحث عن تحقيقه ، وهذا ما يضعها في اطار التفكير نحو الغاء التناقض في الحركة فكرا وعنوانا ،والاتجاه بها نحو المستقبل على قواعد يساهم المواطن الفلسطيني نفسه في ارسائها ،مما يساهم ذلك في الوصول الى تحديد القواسم المشتركة مع قوى وفصائل العمل الوطني بعيدا عن امال وتطلعات حركة الاخوان المسلمين التي ما زالت في دائرة البحث عن هوية وجودها ،فكيف لحركة حماس ان تحقق هوية للشعب الفلسطيني او وجود من خلال حركة الاخوان التي تتبع لها في الوقت لا يوجد لهذه الحركة هوية او افق في ظل ما يعيشه قادة الاخوان المسلمين انفسهم من تناقض في الأهداف والبرامج، وفي ظل ما تعيشه اجنحة الاخوان أيضا على مستوى العالم العربي من صدام ما بين اقطابها حول هوية وجودها واذا ما كانت وسطية او معاصرة ،او انها أصولية وبان تحقيق تلك الأصولية يتطلب منها تكتيكا ولو بشكل مؤقت التأرجح ما بين الوسطية والمعاصرة؟.
ان غياب تلك الأسئلة عن حركة حماس ،والتعمد بعدم الإجابة عليها، مع رفض محاولة قادتها الوقوف مع انفسهم للتمعن فيها في ظل حالة التردي التي يعيشها الشعب ،وفي ظل ما وصلت اليه قضيتنا الفلسطينية من انحدار يجعل من حركة حماس نفسها تبدو وكأنها حركة فوضوية ،لا فكر لها ولا وضوح لما تريد ،حتى ان تلك المقاومة التي تتغنى بها والتي تعتبر بان سلاحها هو عنوان وجودها، ولولاها ايضا لما كان في استمرارية وجودها ضرورة أصبحت بالنسبة الى قادتها وكأنه خيارها الأخير التي ستضطر الى ممارسته ان ارغمتها الوقائع والاحداث على ذلك في حال رفض الشعب استمرار تحكمها في قطاع غزة، وفي حال ما اذا رفضت دول الإقليم ايضا تسهيل هذا التحكم لها وتعزيز أدوات الحكم فيها ،وذلك وفقا لما يأتي في ايحاءات ما تصدره لنا من بيانات وتصريحات ،ولعل تصريحات حركة حماس الأخيرة حول إصرار قادتها على الذهاب نحو التهدئة بعيدا عن المصالحة في الوقت الذي تصاعدت فيه التصريحات بان منظمة التحرير لا قيمة لها ولا شرعية لوجودها ما يؤكد على ان حركة حماس ما زالت تعيش حالة من الفوضوية الفكرية ،فكيف لها ان تستجدي التهدئة مع الاحتلال الذي كان سببا في وجودها من اجل محاربته وزواله في الوقت الذي تعمل فيه نحو التصعيد والصدام مع منظمة التحرير الفلسطينية لإسقاط شرعية تمثيلها دوليا بعد ان نجحت في اسقاط تلك الشرعية عسكريا ولو نسبيا في غزة؟.
انا لا استغرب هذا التصعيد الذي تقوم به حركة حماس لان ذلك مجرد خطوة من سلسلة خطوات متصلة ومتلاحقة كانت وما زالت تشرع حركة حماس في اتخاذها وذلك في اطار اسقاط منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ،وهي محاولة أيضا من ضمن المحاولات المتكررة التي تقوم بها من اجل انهاء الشرعيات الفلسطينية وخلق التصادم فيما بينها، وهذا ما يجعلنا نعيد ذاكرتنا الى الوراء من اجل الوقوف على تساؤل ملح ومطروح وهو لماذا يعمل الجميع الان على اطالة حكم حركة حماس لغزة في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل ومعها معظم دول العالم قد اتجهت نحو لبنان عام 1982وهي دولة أخرى وبقوة قوامها مائة وعشرون الف جندي وبغطاء بحري وجوي من اجل ان تقضي على الثورة الفلسطينية؟.
كما على ان أتساءل هنا أيضا ، وهذا من حقي كمواطن فلسطيني، وهو إذا ما كانت حماس حركة وطنية وفلسطينية حقا ،وما زالت كما تقول تتبنى الجهاد والمقاومة كاستراتيجية لها ،فلماذا لا تعمل اذا على الإعلان عن قيام سلطة مقاومة بديلا عن سلطة اوسلو ، فهل تجرؤ كتلتها البرلمانية الإعلان عن ذلك غدا داخل المجلس التشريعي وهو احد مؤسسات سلطة اوسلو بدلا من الإعلان عن اسقاط شرعية الرئيس والتشكيك بتمثيل منظمة التحرير ؟ .
إذا ما امتلكت حركة حماس فعلا تلك الجرأة وقامت بإعلان سلطة المقاومة بديلا عن سلطة أوسلو فهي حقا بذلك حركة مقاومة وحينها يصبح الذي بينها وما بين منظمة التحرير مجرد خلاف برامج، وإذا ما اكتفت حركة حماس غدا بالتلويح بعدم شرعية الرئيس في الوقت الذي يعتلي به المنصة الدولية دون اعلان انهاء مؤسسات سلطة اوسلو في غزة فهي حتما بذلك حركة مقاولة وبان ما بينها وما بين منظمة التحرير هي حالة من العداء وكانت هذه الحالة هس السبب في انطلاقة حركة حماس نفسها وفقا لمعطيات الحالية واستقراء الماضي.
غدا سنستمع لإجابة حماس نفسها على تلك التساؤلات من خلال ما ستقوم به من افعال ،وان كنت اعلم ماهية تلك الاجابة منذ عقود ،وذلك منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه محاكمة الشيخ احمد ياسين الأولى والذي أعلن بأولى جلساتها بان ما يجمعه من سلاح ليس لإسرائيل ،وانما لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا ما يؤكد بان ما تفعله حركة حماس اليوم ليس لخلاف على برامج، وانما هو نتيجة حالة من العداء ,ولذلك كان الدم في عام 2007 قد سال، فمن هو المستفيد؟ .
بقلم/ ماجد هديب