ثمة عدة سلوكيات تدعو للإستغرب و الإستهجان لإصرار عباس على المضي قدما بالتوجه الى الكيانات السياسية و المدنية الإسرائيلية بدلا من التوجه الى الداخل الفلسطيني و القوى الفلسطينية لتمكين البيت الفلسطيني و اعادة صياغته الوطنية على ضوء استحداثات كثيرة طرأت على الصراع مع الإحتلال و توجهاته و القرارات الأمريكية المتتالية التي تستهدف جذور و اساسيات الصراع و هي قضية اللاجئين و القدس و من ثم تشتيت الحالة الوطنية الفلسطينية في كيانيات لا تملك من امرها شيئا بل وجود لها مرتبط بالتصور الاقليمي و العمق الاقليمي الأمني و الاقتصادي ، و بهذا ان لم يكن عباس يلتفت الى الداخل الفلسطيني و الانتباه على ان تلك المرحلة التي يتفق عليها الجميع بأنها اخطر المراحل على القضية الفلسطينية فإن ذلك يعني انه مصر على نهج ثبت فشله بل يصل الى حد وضع كثير من علامات الاستفهام و الاتهمات و لأنه هو المسؤول عن رأس الهرم للنظام السياسي سواءا في منظمة التحرير او السلطة او فتح التي ان صحت ستصح الحالة الوطنية بكاملها.
منذ أكثر من شهرين الرئيس عباس يستقبل وفود اسرائيلية من احزاب المعارضة و الصحافة و مؤسسات المجتمع المدني ليكرر نفس الاسطوانة بأنه طالب للسلام و رجل سلام ان هناك تعنتا من ناتنياهو شخصيا و خلافه فقط مع ناتنياهو ! ، و هنا قد يجد المتابع لكلام الرئيس عباس و مواقفه بأنها اهدار للوقت وسوء تصنيف ان تعمد وضع المغالطات في ماهية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي و المكون الاسرائيلي السياسي و العسكري و الامني .
ربما من أهم الدوافع للقاء الأحزاب الاسرائيلية من قبل الرئيس عباس هو اعطاء شرعية له كرئيس بدلا من التوجه من شرعية الشعب الفلسطيني و مؤسساته و احزابه و فصائله و هنا ندخل في مشكلة الرضى الاسرائيلي عن محمود عباس باعتبار ان اسرائيل وقواها و احزابها هي شريك في وضع السلطة ووجود محمود عباس بحد ذاته ؟
عمد الرئيس محمود عباس على لقاء اولمرت و لقاء ليفني رئيسة المعارضة الاسرائيلية و رئيسة الحزب الصهيوني ليأخذ من اولمرت الاشادة و التأكيد على انه هو الرئيس الذي يمكن ان يبرم اي اتفاقية سلام مع الاسرائيليين ، اما ليفني فلقد اشادت بدور محمود عباس في التنسيق الأمني و اكدت انها مع حل الدولتين دولة فلسطينية منزوعة السلاح ، ما هي الاشارة السياسية لهذين اللقائين قبل عدة ساعات من القاء كلمة محمود عباس في الجمعية العامة ، ليفني قالت لمحمود عباس لا اشجع ان تعلن دولة من طرف واحد .
من المهم ان نفهم ان الاسرائيليون ميعا متفقون على انهم و يهودية ما يسمى دولتهم و يجب ان لا ننسى و ان نسي الرئيس عباس ان جميع المذابح و الانتهاكات اللانسانية بحق الفلسطينييين تمت على ايدي من يجتمع معهم عباس مثل اولمرت و ليفني و ليس ببعيد ما حدث لقطاع غزة عام 2008 ابان رئاسة اولمرت لرئاسة الوزراء و الشيء الاهم ايضا لماذا لم يعطي اولمرت و ليفني دولة لمحمود عباس ابان حكمها على رأس قيادة النظام السياسي الاسرائيلي و الاهم ايضا ان محمود عباس قد قبل بتبادلية الاراضي و قوات دولية و التفاهم حول المستوطنات الكبرى و القدس و اللاجئين التي يمكن البت فيهما بعد اعطاء الدولة و ليس قبلها .
كان يمكن للرئيس عباس ان يتوجه للشعب الفلسطيني و القوى الفلسطينية ليذهب للأمم المتحدة متسلح بشعبه و بمصالحة حقيقية تنهي اكثر من عقد من الالام و المآسي و التفسخ الجغرافي و الانهيار الوطني نتيجة تعنته بما هو مرفوض و غير واقعي في ظل التطورات التي حدثت على مفهوم حل الدولتين و قانون القومية الاسرائيلي و التوسع المجنون في الاستيطان و قرارات ترامب بخصوص القدس و اللاجئين و المساعدات للشعب الفلسطيني و الانروا مما يحتم النظر بجدية و بعين اخرى لطبيعة الحوار و اللقاءات حول المصالحة ، فالقصة الان تتجاوز قصة التمكين ما فوق الارض و تحت الارض كما يقول ، بل من المهم الان التوافق الوطني ووضع حكومة وحدة في مقمة المطالب و الضروريات ، تنهي مأساة الانقسام و تمكن حكومة الوحدة نفسها على كل من غزة و الضفة و من ثم عقد مجلس و طني فلسطيني عاجل و طارئ و تجديد الشرعيات الفلسطينية سواءا في منظمة التحرير او السلطة .
لمرات عديدة به القيادي محمد دحلان و التيار الاصلاحي بخطورة ان يدير عباس ظهره لكل المقترحات و الاطروحات و المبادرات التي تسعى للوحدة الوطنية و انهاء الانقسام بل نراه منجذبا متمددا نحو الانفتاح على الاحزاب الاسرائيلية التي تجتمع جميعها على مفهوم دولة اسرائيل و يهوديتها ووضع الفلسطينيين بين واقع الدولة و اللادولة .
من المهم ان نذكر هنا البيان الصادر عن التيار الاصلاحي لحركة فتح الذي يضع محددات لكي يكون الرئيس محمود عباس ممثلا للشعب الفلسطيني بكامله في الجمعية العامة و هنا كان سنتلافى القرارات التي اتخذها نواب حماس في المجلس التشريعي برفع الثقة و الشرعية عن محمود عباس ربما هذا مؤلما و ما من احد فلسطيني يوافق ان يذهب ما يسمى رئيس دولة او سلطة او ممثل للشعب الفلسطيني و الكيانية الفلسطينية مهتكة كل يشكك في الاخر في حين ان الشرعيات في الساحة الفلسطينية جميعها منتهية و تعتمد في المفهوم على شرعيات اقليمية و دولية و امتدادات اقليمية و وضع اليد بدون اللجوء الى العامل الديمقراطي لكي يقول الشعب الفلسطيني كلمته .
من المهم ان نذكر هنا ايضا و للتاريخ ما طرحه التيار الاصلاحي من اصلاحات لاعادة الوحدة الوطنية و اعادة فتح لقوتها ووحدتها و اعادة الحالة الوطنية الى حالتها التي تسطيع من خلالها المجابهة مع استقراءاتي الشخصية ان النائب و القائد لوطني محمد دحلان و التيار الاصلاحي لا يريد ان يزج بنفسه في مرحلة تفقد القوى الفلسطينية الاخرى فيها البوصلة و التي سيحاسبوا عليها تاريخيا و شعبيا و لكن يف وجهة نظري ان التيار الاصلاحي قام بما هو واجب عليه في دعم صمود اهلنا في غزة و الشتات و قدم المبادرة تلو الاخرى لانهاء كل الخلافات في الساحة الفلسطينية و سنجمل ماجاء في هذا الموقف ما اتى به البيان الاخير للتيار الاصلاحي :
1. الدعوة إلى شراكة سياسية كاملة تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية وتمر عبر خطوات جدية نحو المصالحة، وتنتهي بعقد مجلس وطني جامع يضم كل قوى الشعب الفلسطيني وكفاءاته في الوطن والشتات
2. الغاء العقوبات الجائرة بحق قطاع غزة فوراً، واعادة الحقوق المسلوبة من الأهل في غزة بأثر رجعي
3. دعوة الكل الفلسطيني إلى طاولة حوار استراتيجي لتحديد أولويات شعبنا الكفاحية وأولويات التدخل الوطني في مختلف الملفات
4. التنفيذ الفوري لقرارات المجلس المركزي الخاصة بتحديد العلاقة مع الاحتلال ووقف التنسيق الأمني، الذي يقدم خدمات أمنية مجانية للاحتلال دون مقابلز
كان الأحرى بالأخ أبو مازن أن يوحد ويستنهض الموقف الفلسطيني العام من أجل بلورة موقف وطني شامل وملزم قبل سفره إلى نيويورك لا أن يطلب من الشعب وقواه الوطنية منحه تأييداً مسبقاً بغض النظر عما سيعلنه، ولقد عودتنا تجاربنا السابقة أن نحكم ونحتكم إلى القرارات الواضحة وآليات تنفيذها وفقاً لجداول زمنية ملزمة بدلاً من التلميحات والتسريبات المبهمة.
يذهب أبو مازن إلى نيويورك وهو ملزم بإعلان تنفيذ حزمتي قرارات دورتين من دورات المجلس المركزي الفلسطيني والتي تسبب هو بتعطيل تنفيذها، ومع ذلك، فإن كان جدياً وصادقاً فما عليه إلا الإعلان من نيويورك عن انطلاق التنفيذ الفوري لتلك القرارات بشقيها الوطني والداخلي وسيجد الجميع في الموقف الذي يجب أن يكونوا فيه، أما إن اختار المناورة والتعطيل بإعادة احالة ما هو محسوم ومقرر إلى دورة جديدة أو نقاش جديد، فسيثير ذلك شكوك وقلق الكل الوطني."
بقلم/ سميح خلف