أثار هجوم الأحواز المسلح الذي حدث قبل عدة أيام في ايران وخلّف وراءه كثيراً من الدماء، مخاوف إقليمية وعالمية لدلالات زمانه ومكانه.. فمنذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، نشهد الزمن الأكثر توتراً في مسار العلاقات بين إيران من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين من جهة أخرى،إذ تتبادل الأطراف سلسلة غير منتهية من الاتهامات والملاسنات السياسية التي توحي بتصعيد متلاحق للأحداث في ظل سريالية الصورة الاقليمية لاسيما في سوريا واليمن وامتداداتهما..فضلاً على رمزية الحفل الذي استهدفه الهجوم:ذكرى الحرب العراقية الايرانية..
أما المكان فهو ذو دلالة أكثر عمقاً ــــ برأيي ـــــ لأن من يعرف تاريخ الأحواز أو إمارة "عربستان" كما كان يطلق عليها قبل احتلالها من قبل شاه ايران 1925 وضمها لتصبح الأحواز عاصمة إقليم خوزستان أحد أقاليم الامبراطورية الايرانية، فإنه سيعي أنها نقطة ضعف استراتيجية في الخاصرة الايرانية..فالضم لم يفلح في محو تاريخ يضرب بجذوره في العمق العربي، ولم يخف آثار سياسات ايرانية تمييزية على مدار عقود طويلة لتغيير التركيبة الديموغرافية لصالح الفرس على حساب القبائل العربية التي تسكنها،للدرجة التي تصل بالبعض إعتبار الأحواز قضية العرب المنسية..
ورغم التعتيم الايراني والقبضة الحديدية للسيطرة المطلقة على ما يحدث في الأحواز، فإن المنطقة تشهد على الدوام تظاهرات وعمليات تمرد عنيفة تُقمع بالقوة المفرطة، كان آخرها في ابريل من العام 2011 إثر تسريب وثيقة تخطط لسياسات تدعم مزيداً من التغيير الديموغرافي لتحويل العرب قاطنيها الأصليين إلى أقلية، وقتل في هذه الاحتجاجات وأعدم سراً وعلانية مالايقل عن عشرين عربياً، ولحقتها حملة تهجير واعتقالات غير مسبوقة.. وبالمناسبة يوجد في الأحواز أحد أغنى حقول النفط في العالم، حيث يتمركز أكثر من 70 % من النفط والغاز الإيراني في المنطقة، الأمر الذي يزيد من قلق النظام الايراني ومن تصميمه على السيطرة المطلقة في تلك الأنحاء.
خلاصة الكلام إذا أردت أن تحدث إختراق في أي دولة حديدية، فابحث عن الأقلية المهمشة في النقطة الجغرافية التي يسهل النفاذ اليها..
من فعلها ؟ ليس المهم بل المهم من وراءها؟ فقد تناثرت الاتهامات الايرانية شمالاً ويميناً بعد دقائق من الهجوم، بدءاً من أمريكا وحتى اسرائيل مروراً بالسعودية والامارات. فاللاعبون كثر في المنطقة، والجبهات المفتوحة متعددة براً وبحراً، ومصالح الفرقاء تلتقي في السياسة!!
هل سترد إيران؟ يمكن ولكن ليس الآن،هل ستنزلق الأمور الى حرب اقليمية مباشرة ؟ لا أعتقد فتاريخ سياسة الملالي مع الشيطان الأكبر والأصغر (أمريكا واسرائيل) يتميز بخطوط عريضة:
أولها: أنه على مدار 40 عاما من الخبرة التاريخية للعلاقة ما بين العدوين طهران وواشنطن، اتسمت بالتوترات الظاهرية وأوحت بالوصول الى الهاوية، كان الخفاء يجمع بينهما ببراجماتية واضحة فإيران ليست خصما لا عقلانيا بل خطواتها وسياساتها محسوبة عكس تماما شعاراتها الرنانة ( ايران كونترا جيت 1985- المساندة الخفية للولايات المتحدة في غزو العراق 2003 وقبله التنسيق المشترك لغزو أفغانستان).
ثانيها: لا يمكن مقارنة ايران بأي دولة في المنطقة، فالانزلاق للمواجهة المباشرة معها ليس بالأمر الهين وله محاذير كثيرة ، بسبب امتلاكها من أوراق اللعب التي تستطيع بها قلب الاقليم رأسا على عقب. وهو مالا تريده امريكا بعد تجربتها في العراق ولا تريده إيران فتخسر قدراتها العسكرية بعد انهيارها الاقتصادي المتواصل.
أما ثالثها: براعة النظام الايراني تكمن في قدرته على تحويل خلافاته مع العالم الى قضايا قومية ووطنية فيستطيع بذلك حشد الجموع المنهكة خلفه. وقد برز هذا الأمر في معظم الأزمات التي تواجهها ايران والتي أبرزها ازمة الملف النووي الايراني التي يعدها الشعب قضية كرامة وطنية..
ستسعى ايران دائما الى تجنب الحروب المباشرة معها، ولكن هل يعني هذا أن الحرب ستأتي من الداخل وتصبح الأحواز الثغرة القادمة ؟؟ سنرى كم يمكن أن يصمد نظام الملالي !!
بقلم/ د. أماني القرم