استمعت لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس كاملاً ودققت في كل ما جاء فيه ، لا بل دققت بلغة الجسد الهزيلة التي لم تخفي أكاذيبه ومحاولاته البائسة لتمرير ما يصبو إليه من الإستمرار بدغدغة المشاعر ، حتى يُبقي بوصلة عمله في سياق سياسة حرق الوقت بدون أن يكلفه ذلك عناء تنفيذ أي مما يقول أو يعد !، وهذه السياسة هي التي نجح بها بإمتياز طوال سنوات حكمه ، لا بل هي السياسة التي إستطاع أن يسخرها بجدارة لخدمة ضمان بقائه في الحكم رغماً من إنتهاء فترته وفقدانه مشروعية إستمراره في هذا المنصب.
محمود الذي كاد أن يسقط على الأرض إما مغشياً عليه أو عير ذلك !، وهو يقاوم وضعه الصحي المترهل!، عمد إلى الخروج عن النص المكتوب عدة مرات حتى يظهر قوياً ومتناسكاً بعد أن تلعثم عدة مرات في بداية خطابه ، ومع ذلك لم يحالفه الحظ عندما أخطأ بعدد الدول التي اعترفت بفلسطين كدولة وقال عنها 939 دولة في دلالة على أنه لم يعد متماسكاً في أدائه الجسدي الا من خلال مقويات لها عمر زمني محدد ، ولربما يكون لها مضاعفات أو آثار جانبية في المستقبل القريب.
محمود عباس حاول أن يدغدغ مشاعر أبناء الشعب الفلسطيني من خلال ذكره ثلاث أمور مهمة خلال خطابه المذكور، أولها تركيزه على موضوع القدس وثانيها الشهداء وثالثها الأسرى ، حيث أنه يدرك تماماً حساسية وأهمية هذه الأمور الثلاث لدى الشعب الفلسطيني ، ولكنه بالمقابل دس السم في العسل وهو يتوعد قطاع غزة بمزيد من العقوبات ، متجاهلاً بذلك معاناة مليوني إنسان فلسطيني ، في حين أنه تحدث عن الإنسانية من وجهة نظره ، وكأنه بذلك يعتبر أهل قطاع غزة بأنهم لا ينتمون إلى فئة البشر أو أن لديهم حقوق إنسانية يجب إحترامها وعدم المساس بها تحت أي ظرف من الظروف.
محمود عباس في خطابه هذا كان قد حرص على إستجداء المفاوضات في أي مكان أو حتى زمان أرادهما الطرف الآخر ، لا بل شدد على أنه مسالم ويحارب ويشارك في محاربة الإرهاب في جميع أنحاء العالم بما فيه الإرهاب الذي تتبناه غزة كما أشار إلى ذلك صراحة وبطريقة تحريضية وضيعة وغير مسبوقة.
محمود عباس حرص بذلك على التحريض على قطاع غزة حتى يفتح الباب واسعاً أمام شن حرب على أهله ، تحظى بمبررات أمام المجتمع الدولي وبهذا سجل سابقة خطيرة في أن يقوم رئيس دولة بالدعوة الصريحة والفاجرة لمعاقبة أبناء شعبه أو حتى قتلهم تحت أي ذريعةٍ كانت.
خلاصة الأمر ، خطاب محمود عباس في الأمم المتحدة لم يرتقي لتطلعات الشعب الفلسطيني ولا حتى للحد الأدنى المرجو منه ، وكان ملغماً برسائل تحريضية ضد شعبه وإن كان إحتوى على بعض النقاط الإيجابية التي حاول من خلالها التغطية على رسائله هذه، ولربما ذهب أبعد من ذلك وهو حاجته المُلِحَة لتبرئة نفسه من التواطؤ بتمرير صفقة القرن بكل جوانبها التي تم الإجتهاد من بعض الجهات غير الرسمية بالإعلان عنها سواء السلبية أو الإيجابية وتسهيل تمرير ذلك من خلال حصار وتجويع وإذلال أهل قطاع غزة .
هذا بالإضافة إلى التفريط المفضوح بكل ما شهدناه خلال السنوات الماضية وآخرها القدس ، ويبقى المشهد اليوم أمام ما ستؤول إليه الأمور على الساحة الفلسطينية الداخلية حيث أن أتباع محمود عباس لم يستطيعوا هذه المرة أن يقنعوا الشارع الفلسطيني بما ذهب إليه رئيسهم!.
المتوقع من محمود عباس خلال الأيام القادمة هو التالي :
اولاً : التهديد والوعيد لقطاع غزة ولربما البدء بإجراءات شدي القسوة منها إغلاق البنوك وقطع الكهرباء ووقف الرواتب بالكامل للدفع بإتجاه خلق فوضى عارمة في غزة او ثورة جياع او لربما الدفع بالإعلان عن إنفصال قطاع غزة .
ثانياً : لتنفيذ ذلك سيبدأ بتوجيه تهم جديدة للنائب محمد دحلان ودعوة جهاز الإنتربول لملاحقته وذلك لحرف الأنظار عن ما سيقوم بفعله ضد قطاع غزة وتشتيت الجهود لضمان عدم التصدي لخطواته هذه.
يبقى الأمر يتعلق بأيام أو أسابيع لنرى أين سيذهب محمود عباس بالحالة الفلسطينية.
م . زهير الشاعر