اعتدنا في كل عام أن ننتظر قنبلة رئاسية تصر أن لا تنفجر في مقر الأمم المتحدة, وككل عام يخاطب رئيسنا أكفا تصفق تكفيرا عن جريمتها التي تواصل فعلها على قاعدة لا تنظر لعيون الصياد وانظر إلى ما فعلت يداه فالعالم الذي يواصل التصفيق هو نفسه العالم الذي يواصل إدارة الظهر لقضيتنا والارتماء بأحضان القتلة جميعا وهذا يعني أن لا بريء ما دام الجميع يصمت عن جريمة بريطانيا وأمريكا وفرنسا والمجرم المأجور إسرائيل فكل ما نفعله بخطاباتنا أمام الأمم المتحدة في كل عام أننا نعطي شهادة براءة للعالم من جريمته بحقنا وليس أكثر وان واصلنا فعلنا على هذا النحو فستواصل جريمة سرقة بلادنا وتهويدها النجاح تلو النجاح بانتظار انتهاء صوتنا.
كفلسطين وباقي الدول العربية خضعت سوريا للاستعمار بعد الحرب الاستعمارية الأولى وظل حالها كغيرها حتى العام 1946 حين عقد مجلس الأمن الدولي جلسة للنظر بشكوى سوريا للأمم المتحدة المطالبة بجلاء فرنسا عن سوريا وببساطة حضر مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة آنذاك فارس الخوري قبيل الوعد المحدد للجلسة وتوجه فورا إلى مقعد فرنسا وجلس فيه منتظرا حضور المندوب الفرنسي الذي فقد أعصابه من المنظر مطالبا الخوري بالذهاب إلى مقعده وظل الخوري يشير للمندوب الفرنسي بأنه لا يفهم ما يقول والآخر يتوجه لرئيس وأعضاء مجلس الأمن بالشكوى مطالبا إياهم بإلزام الخوري بمغادرة مقعد فرنسا والتوجه إلى المقعد المخصص لسوريا وفي هذه الأثناء وقف الخوري مخاطبا مندوب فرنسا والحضور وبلغة فرنسية واضحة " عجيب أمركم أيها الفرنسيون فأنت لم تتحمل جلوسي في مقعدك لمدة خمس دقائق فقط بينما انتم وفي نفس الوقت تحتلون بلادنا سوريا منذ خمسة وعشرون سنة وترفضون الجلاء عنها ".
في تلك الجلسة قرر مجلس الأمن الدولي جلاء فرنسا عن سوريا وقد لا يكون للخطاب العملي الذي قدمه مندوب سوريا في مجلس الأمن أثرا في ذلك من الناحية السياسية إلا انه بالتأكيد قدم نموذجا للطرق المختلفة التي يمكن فعلها لإحراج دول العالم بهذا الشكل أو ذاك ولو انه اكتفى بتقديم تظلمات عادية لما التفت احد إلى حقيقة ما يجري فعادة حينما تسد في وجهك كل المنافذ فلا يجوز لك " مع الانحناء لقامة غسان كنفاني " ان تواصل قرع الخزان لان الوقت يمر بل عليك أن تخترق الجدار فمواصلة القرع لا يمكن أن تجدي إذا كان الذين يسمعونك محتجزين معك ومن في الخارج لا يسمعون أصلا فلا بد لك إذن من أن تبتكر طرقا أخرى للخروج وإلا فان انتظار إسماع من لا يسمع ولا يريد أن يسمع مهمة تشبه فقط مهمة الانتحار البطيء دون جدوى.
حين أعلن الجنرال الفرنسي " غورو " أن فرنسا جاءت إلى سوريا لحماية مسيحيي الشرق توجه فارس الخوري إلى المسجد الأموي في دمشق فورا وأعلن من على منبر المسجد رده على جنرال الاحتلال الفرنسي قائلا " من هنا، من الجامع الأموي الكبير أقول . . فرنسا تدّعي أنها هنا لحماية المسيحيين، وأنا أقول لفرنسا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ولتخرج فرنسا " ضاربا درسا للجميع في معنى الوحدة الوطنية في مواجهة المحتلين والأعداء لم يرق لمستواه احد في العالم العربي جميعه حتى اليوم وقد نكون نحن الفلسطينيين أحوج ما نكون لفارس الخوري هذه الأيام حين نجد أنفسنا ننزع شرعيات بعض ونسمع الاحتلال يتحدث بكل صلافة أن لا احد يجمع حوله الشعب الفلسطيني ونواصل جميعا الصلف والتعنت في نفي صفة الشرعية عن بعضنا كل من جهته.
فارس الخوري رد على جنرال فرنسا في سوريا بإعلان إسلامه ليقول للمحتل أن لا خلاف ولا اختلاف بين السوريين على سوريا وفي سوريا في حين لا زلنا ندير حوارا أبديا لإنهاء خلاف لا معنى له وصل بنا إلى تقسيم الوطن المحتل تحت عين وبصر المحتلين ونقلنا هذا الخلاف لكل العالم دون أن نحاول الانتصار عليه عملا لا قولا ولم يعلن حمساوي واحد أنه فتحاري أو العكس حين يتعلق الأمر بوحدة الوطن والشعب, وفارس الخوري احتل مقعد المحتل الفرنسي في مجلس الأمن ليقول للعالم عمليا أن الاحتلال بغيض أيا كان صاحبه ونحن لا زلنا نخاطب العالم بلغة كلنا ثقة انه لا يريد أن يفهمها فهو لا يعنيه أبدا سوى وقتا اكبر من صراخنا نحن المحتجزين في خزان الاحتلال برعاية العالم أجمع لعل الموت يطالنا خنقا ونصبح محض ذكرى يرددها العالم كما نردد نحن صرخة أبطال رواية الشهيد غسان كنفاني.
بقلم/ عدنان الصباح