كشفت جولات الحراك السياسي الواسع على هامش اجتماع الامم المتحدة السنوي الكثير عن مجمل التوجه الدولي المركزي تجاه الصراع وكشفت كلمات الزعماء سلبية مفرطة في الانحياز مع حل الدولتين والوقوف في وجه امريكا وكشفت ان الصراع يتعمق ويتعقد بفعل الانحياز الامريكي الكامل لإسرائيل الذي يوظف كل علاقات واشنطن مع دول العالم والاقليم لصالح اسرائيل وحدها ولصالح المشروع اليهودي الذي يستثمر كل الفرص ويوظف كل العناصر المطلوبة ليستمر ويكتمل على حساب الحقوق الفلسطينية التاريخية التي تتعرض لخطة تذويب ومحي كامل وبهدوء خطير على مراي ومسمع الامة العربية وهذا ليس له الا معني واحد ان الجميع بات يتحرك بالأصبع الامريكي سلبا او ايجابا فلو افترضنا ان العرب تحركوا بقوة باتجاه رفض الانحياز الامريكي واستخدموا نخوتهم فقط في هذا الاطار لما تجرأ ترامب ان يعلن من على منصة الامم المتحدة ان ادارته اتخذت خطوة مهمة من خلال اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها من تل ابيب الى عاصمة الدولة اليهودية , وقال ترامب ان الولايات المتحدة الامريكية لن تقع رهينة لأي عقليات او روايات فيما يتعلق بالقدس أي ان امريكا لا تؤمن الا بالرواية الاسرائيلية فقط .
لم يتحدث ترامب كثيرا عن السلام او عن أي مرجعيات او خطط للسلام ولم يذكر شيئا عن حل الدولتين كحل يرضي الفلسطينيين والعرب ولا حتي شيئا عن "صفقة القرن" او موعد الاعلان عنها لكنه قال بشكل عام ان الولايات المتحدة وملتزمة بالسلام بالشرق الاوسط بما فيه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين , وهذا وحده يدلل على ان قضية حل الصراع على اساس حل الدولتين قد اخرجت خارج اهتمام ادارة البيت الابيض لان الحل يأتي من خلال حل اقليمي يتفق عليه ترامب والعرب ومن يرغب من الفلسطينيين الانخراط في هذا الحل عليه ان ينتظر الاموال والمشاريع التي تحل الازمات وليس الصراع , ولعل اولويات الادارة الامريكية اليوم اصبحت كيف يرسم ترامب خارطة التطبيع العربي الاسرائيلي وكيف يجني هو واسرائيل اموال العرب مقابل الحماية التي يوفرها لهم عبر اساطيله وجيوشه التي تحتل العمق العربي وبحاره .
لم يتحدث الكثير عن حل الدولتين سوي بعض الدول العربية وتركيا وفرنسا الذي ركز رئيسها ماكرون على ان "لا بديل عن حل الدولتين ولا بديل عن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس ولا يمكن غض الطرف عن حقوق الشعب الفلسطينيين" دون أي اقتراحات او تبني أي مبادرات او الاعلان عن أي مؤتمرات دولية ذات صلاحية لفرض خطة سلام تلبي احتياجات الفلسطينيين السياسية والاقتصادية والامنية . خلت قاعة الامم المتحدة من ضجيج المبادرات التي تحقق حل الدولتين ولم يطلب احد عودة امريكا عن خطتها سوي ما قاله ابو مازن بانه لن يعتبر الولايات المتحدة راعية وحيدة لعملية السلام بالشرق الاوسط ورفض تلاعب الولايات المتحدة بالألفاظ لتكون عاصمة الفلسطينيين في القدس وهنا دعا ترامب لإلغاء قراراته بشأن القدس واللاجئين لإنقاذ عملية السلام وتحقيق الامن والاستقرار . هذا يدلل على ان ابو مازن نفسه يعرف ان حل الدولتين مات اكلينيكيا ولا يمكن اعادة الحياة له الا بإلغاء قرارات ترامب التي تسير نحو التطبيق بغطاء اقليمي وبأسلوب ناعم وهادئ دون تشويش او جلبة اعلامية .
الاجتماع التشاوري الذي عقدته فلسطين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والسبعين في نيويورك جاء لمحاولة القول للعالم والاربعين دولة التي شاركت في اللقاء ان حل الدولتين مات إكلينيكيا ويجب إنقاذه والدفاع عن مكانة النظام والقانون الدولي الذي استمرأته ادارة ترامب وناقش الجميع اهم المعيقات التي تحول دون تطبيق حل الدولتين وإبقائه على الاقل علي قيد الحياة واهمها الممارسات والجرائم الاسرائيلية وعلى راسها جريمة الاستيطان التي باتت تحت الحماية الامريكية بالكامل فلا محكمة جنايات ولا امم متحدة قادرة على وقف غول الاستيطان الاسرائيلي الذي يلتهم اراضي العام 1967 بما فيها اراضي العاصة الفلسطينية القدس الشرقية واخرها ما تحاول اسرائيل فرضة من واقع لفصل الضفة الغربية شمالا وجنوبا ووضع المدن الفلسطينيية بين كماشة الاستيطان من خلال هدم الخان الاحمر . وزير الخارجية الفلسطيني السيد رياض المالكي استغل هذا اللقاء لتسويق مبادرة الرئيس ابو مازن التي عرضها على مجلس الامن مارس الماضي لعقد مؤتمر دولي برعاية دولية كامل الصلاحيات من خلال توظيف جهد دولي مشترك لإيجاد آلية دولية متعددة الاطراف لأطلاق عملية سياسية ومفاوضات محسومة بجدول زمني , هذا كان اقتراح فلسطيني يحترم لكن دون تجرأ الدول المشاركة والصديقة ان توفر الدعم المطلوب لمبادرة الرئيس ابو مازن بسبب الهيمنة الامريكية على رعاية عملية السلام . لا اعتقد ان العالم بات يمتلك قوة تعيد الحياة الى حل الدولتين وجعله ممكنا ولا اعتقد ان العالم بات قادرا على التقدم بمشروع قرار للأمم المتحدة لتفعيل قرار مجلس الامن 2334 القاضي بوقف الاستيطان واعتباره غير شرعي .
لا يمكن اعادة الحياة الى حل الدولتين بصيغته الحقيقية بعيداً عن التأويل والتفسير الاسرائيلي والامريكي لاعتبار دولة غزة المزمع اقامتها ودعمها بمليارات الدولارات هي تطبيق فعلي لحل الدولتين والذي اتفق عليه العالم وبالتالي يتم تصفية القضية على هذا الاساس المغلوط وعلى اساس الهيمنة الامريكية والصفقة التي اعدها فريق ترامب اليهودي لحل الصراع , اخشي ان اية آليات دولية او حشد دولي لن يكتب لها النجاح او يتجرأ بالإعلان عن عقد مؤتمر دولي متعدد الاطراف لبحث حل الدولتين وايجاد اليات لتطبيقه على كامل حدود العام 1967من خلال اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية فأمريكا ضمنت العرب الى جانبها ادار العرب ظهرهم للفلسطينيين بسبب الاهتمام العربي بأزماته والتهديدات المخيفة للمنطقة والتي معظمها صناعية امريكية خبيثة ليبقي العرب في الحض الامريكي الذي يوفر الحماية مدفوعة الاجر يؤمنوا بما يؤمن ويقبلوا ما يطرح من حلول مختزلة لحل الدولتين .
د.هاني العقاد
[email protected]