“الخان الأحمر“ .. الجبهة الأمامية في التصدي للسياسة التوسعية الإسرائيلية

بقلم: وسام زغبر

يطبق الاحتلال سياسة الهدم على أملاك المقدسيين بحجة أنهم يخضعون للقانون المدني الإسرائيلي، ويطبقها اليوم على المنطقة «E1» في الضفة وكأنها غدت خاضعة للقانون ذاته!

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي (23/9/2018) وللمرة الثانية قرية «الخان الأحمر» المهددة بالإخلاء والهدم شرقي القدس المحتلة، وهددت سكانها بوجوب هدم منازلهم بأيديهم وإخلاء القرية حتى تاريخ أقصاه الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، وإلا سيهدم الجيش الإسرائيلي القرية ويخلي السكان بالقوة.

وحاصرت قوة خاصة من جيش الاحتلال خيمة الاعتصام في «الخان الأحمر»، وسلمت الأهالي والمعتصمين أمراً بـ«ـالهدم الذاتي» والإخلاء حتى الأول من تشرين الأول / أكتوبر. وتواصل قوات الاحتلال الدفع بتعزيزات عسكرية ونصب الحواجز لمنع المواطنين والنشطاء من الوصول إلى القرية.

و يهدد القرار عشرات العائلات الفلسطينية بالتهجير ، وآلاف الدونمات في طريقها بالمصادرة، والمنازل والبركسات والمدرسة بالهدم. هذا ما يخطط الاحتلال في قرية «الخان الأحمر» شرقي القدس.

ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في الخامس من الشهر الجاري التماساً لأهالي «الخان الأحمر» ضد قرار إخلائهم وتهجيرهم وهدم القرية، وأقرت هدمها خلال أسبوع. وكانت سلطات الاحتلال قررت هدم «الخان الأحمر» في العام 2010 بحجة البناء دون ترخيص، وأعلنت في عام 2012 عن نيتها نقل سكان القرية إلى شمالي أريحا، وفي أيلول /سبتمبر 2017 أخطرت أهالي الخان الأحمر بأن خيارهم الوحيد هو الانتقال إلى منطقة عرب الجهالين بالقرب من مكب نفايات أبو ديس.

إضراب شامل

ودعت القوى الوطنية والإسلامية في محافظة رام الله والبيرة (24/9/2018) إلى الالتزام بالإعلان عن الإضراب التجاري الشامل يوم الأول من أكتوبر القادم، في أراضي الـ 48 والضفة الفلسطينية وقطاع غزة وفي كل مخيمات اللجوء والشتات، وشددت على ضرورة التصدي لتهديدات الاحتلال بهدم «الخان الأحمر»، من أجل البناء والتوسع الاستيطاني في هذه المنطقة لتقطيع الضفة والحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية.

ويقطن في قرية الخان الأحمر البدوية المكونة من أكواخ معدنية وخشبية، التي تقع على تل صحراوي في منطقة حساسة تربط بين شرق القدس والضفة الفلسطينية نحو 200 فلسطيني، 53% منهم أطفال، و95% منهم لاجئون مسجلون لدى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

ويحيط بـ«الخان الأحمر» مستوطنتا معاليه أدوميم وكفار أدوميم، وتسعى إسرائيل لتوسيعهما وتنفيذ مشروعها الاستيطاني المسمى « E1» والاستيلاء على 12 ألف دونم، تمتد من أراضي القدس الشرقية حتى البحر الميت، بهدف تفريغ المنطقة من أي تواجد فلسطيني، كجزء من مشروع لعزل القدس عن الضفة الفلسطينية وفصل جنوب الضفة عن شمالها.

«الهدم الذاتي» يتمدد

بدأت سياسة «الهدم الذاتي» في أراضي 48 منذ سبعة عقود، واستكملت في القدس المحتلة منذ احتلالها عام 1967، وها هي تتمدد في محافظات الضفة الفلسطينية، حيث تجبر سلطات الاحتلال أصحاب المساكن والمنشآت على هدم منشآتهم بأيديهم تحت وطأة التهديد والوعيد بالمزيد من الغرامات والمخالفات والمصادرات والحبس، والتي قاموا ببنائها بدون ترخيص لانعدام أملهم في الحصول على رخصة بناء.

لكن بالمقابل أصبح صاحب المنشأة على مفترق طرق بين أن يهدم منشأته بيده، أو أن يخسر منشأته ويضيف لذلك غرامة هدم الاحتلال للمنشأة والتي تتجاوز تكاليفه، حيث سيدفع للجيش والحراس والعمال ومقاول الهدم وكلب الحراسة، وعليه أن يقوم بعد ذلك بإزالة الركام وإلا سيتغرم مجدداً.

وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف منشآت المواطنين ومساكنهم في القدس الشرقية والمناطق المصنفة «ج» حسب اتفاق أوسلو، والتي تشكل 64% من مساحة الضفة، حيث يمنع الفلسطيني من البناء والتوسع عليها ما يضطرهم لإقامة مساكنهم على أراضيهم دون تراخيص. هذه السياسة التي طبقها الاحتلال على الفلسطينيين المقدسيين بحجة أنهم يخضعون للقانون المدني الإسرائيلي، ها هم اليوم يطبقونها على أراضي الضفة في المنطقة «E1» وكأنها غدت خاضعة للقانون الإسرائيلي!

وتقوم بلدية الاحتلال بهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية في القدس والضفة تحت ذرائع شتى، منها عدم الترخيص أو البناء على مناطق غير منظمة أو قربها من جدار الفصل العنصري. حيث وثق مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية، خلال الأعوام من 2000 -2017 هدم الاحتلال 1706 مساكن بمساحة 170935 م2 وتشريد 9422 فرداً منهم 5163 طفل في القدس.

هذا وقد أصدرت قوات الاحتلال أمر الهدم هذا بموجب قانون الطوارئ البريطاني خلال فترة الانتداب على فلسطين، وفقاً للمادة (119) لسنة 1945، التي تطرقت لـ «هدم ومصادرة»، فهذا يعني أنه لا يمكن للفلسطيني إعادة بناء منشأته المهدمة. كما تحرص سلطات الاحتلال على تمديد العمل بقانون الطوارئ بشكل سنوي لاستخدامه ضد الفلسطينيين. فيما المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1948، تحظر هدم المنازل وتعتبره جريمة دولية يجب محاكمة مقترفيها ومعاقبتهم.

لم تكلّف إسرائيل نفسها شقّ شارع لخدمة سكّان الخان الأحمر الذين يقطنون هناك منذ عشرات السنين؛ ولا هي كلّفت نفسها ربط هذه التجمّعات بشبكتَي الماء والكهرباء بل ومنعتهم من استخدام وسائل بديلة؛ فكان بالحريّ أن تكلّف نفسها إعداد خرائط هيكلية لهم تمكّنهم من السّكن في منازل غير مخالفة للقانون. هذا كلّه كان جزءًا من مساعي إسرائيل لتنغيص عيش السكان وإنشاء بيئة غير صالحة للعيش بحيث تدفع السكان إلى الرحيل وكأنما بمحض إرادتهم.

إزاء هذا الواقع وليس رغبة في مخالفة القانون اضطرّ السكّان إلى البناء دون ترخيص. وفقط عندئذٍ تتذكّرهم سلطات الاحتلال وتسارع إلى استصدار أوامر الهدم. غير أنّ أيًّا من الأوامر العسكريّة أو الأحكام القضائيّة لا يمكنه أن يضفي على تهجير هؤلاء السكّان صبغة قانونيّة أو أخلاقيّة.

بقلم/ وسام زغبر