اليسار واليمين ... وازمة الحركة الوطنية !!!!

بقلم: وفيق زنداح

بداية لا بد من الاشارة الى ان اليسار الفلسطيني ومنذ بداياته التاريخية قوة لا يستهان بها وامتلك من التأثير والفعل على مجريات الاحداث السياسية الداخلية ... الا ان قوى اليسار والتي فشلت في توحيد نفسها كما قوى اليمين الديني قد جعل من القوتين ذات تأثير ما بين مد وجزر ودون استقرار في رؤيتهم وبرامجهم واليات فعلهم .
الحركة السياسية الداخلية وقد انتابها الكثير من الاخطاء مع قلة الانجازات في برامجها واهدافها والتي لا يمكن لأي فصيل ان يتحدث عن انجازاته وفق برامجه المعلنة .
مقياس الحكم على القوى السياسية ... بقدر انجازاتها على واقع الارض ... وما يمكن ان تحدثه من وعي وطني وديمقراطي ومعرفي يمكن ان يساهم في بناء مجتمع ديمقراطي ... مجتمع قادر على العمل والعطاء وفي ذات الوقت مجتمع قادر على تنظيم علاقاته الداخلية برؤية وطنية وبمحددات واضحة تؤكد على الحقوق والواجبات ولا تجعلهم بحالة اختلاط وتضارب .
تاريخ اليسار قديم بقدم تاريخ اليمين ... وفي الحالتين كان الابرز فيهم الحزب الشيوعي الفلسطيني .. وتنظيم الاخوان المسلمين ومع مسيرة العمل النضالي الفلسطيني ما قبل تأسيس منظمة التحرير وما قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة كان لليسار ممثلا بالحزب الشيوعي والقوى القومية والبعثية والوطنية حضورا أكبر في مجابهة ما يعترض الشعب الفلسطيني من مؤامرات ودسائس كان ابرزها مشروع التوطين والتدويل ولم يكن في تلك الحقبة الزمنية للإخوان المسلمين أي حضور فاعل في ظل المزاج الشعبي الذي كان يميل لليسار وللحركة القومية والوطنية ولم يكن هناك من ميل شعبي لتنظيم الاخوان المسلمين رقم قدمه وارضية اتساعه والتي كانت مقيدة بحكم ظروف ذاتية وموضوعية لم تسعف حملة هذا الفكر من تطوير قدراتهم واتساع قاعدتهم الجماهيرية .
ليس هذا كان حال الاخوان .. لكنه كان حال الشيوعيين وما كانوا يواجهونه وربما كان للقوميين والبعثيين فرصة اكبر للتحرك والفعل على صعيد الشارع الفلسطيني .
مقدمة مختصرة لما كان عليه اليسار واليمين والذي يدلل على تعثر مسيرتهم ... وعدم استكمال متطلبات عملهم وفي نهاية الامر أزمة وبدرجات متفاوتة اوصلت الى ما تمثله قوى اليسار من احزاب وجبهات ما بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية وتأسيس منظمة التحرير قبل ذلك ... وما أسفر عن تنظيم الاخوان من قوى يمينية دينية تمثل تيار الاسلام السياسي .
قوى اليسار واليمين ... وقد اجتمعت ولأسباب مختلفة ... ومنطلقات متناقضة على مواجهة الحركة الوطنية ذات الطابع الشعبي والوطني ... مجابهة فكرية ... سياسية .... ايدلوجية .. في ظل قيادة الحركة الوطنية لمنظمة التحرير ومؤسساتها مما أشعر قوى اليسار واليمين الديني أن القوى الوطنية قد تملكت زمام الامور بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها المجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية ... وان هناك عائقا في اعطاء قوى اليسار واليمين الديني مجالا للتواجد والحضور بما ينسجم وقاعدتهم الشعبية .... وتاريخهم النضالي عبر التاريخ الفلسطيني الحديث .
بكل الاحوال أزمة اليسار الفلسطيني تعبر عن نفسها كما ازمة اليمين الديني تعبر عن ذاتها والاثنين معا يعبران عن ازمة الحركة الوطنية بمجملها ... ولهذا اسباب عديدة لها علاقة بداية :-
اولا :- عدم القدرة على ايجاد صيغ للعلاقات الداخلية محكومة بمحددات واليات تعطي المجال للتحرك وفق اصول وطنية .
ثانيا :- ثقافة اليسار وتناقضها مع ثقافة اليمين الديني واجتماعهم على مناهضة الحركة الوطنية التي تقود منظمة التحرير لم يعطيهم القوة المطلوبة لأنه كان تحالفا هشا وغير قائم على اسس ثابتة ومحددة .
ثالثا :- الحركة الوطنية والمقصود بقيادة منظمة التحرير والتي تمثلها حركة فتح كبرى الفصائل الفلسطينية وبكل تاريخها النضالي ومسيرتها الكفاحية قد تم اقحامها بالعملية السياسية والاتفاقيات الموقعة وتأسيس السلطة الوطنية ... مما سهل على قوى اليسار واليمين انتقادهم وتصويب سهامهم .
رابعا :- قوى اليسار واليمين الديني وقد عملوا على ارضية النقد دون العمل .... على ارضية النقد دون المشاركة .. على ارضية النقد للنتائج المعروفة مسبقا بحكم احتلال وعدو عنصري لا يؤمن بالسلام ولا يعمل على انجاز التسوية ... وهذا لا يعبر عن صحة موقف قوى اليسار ولا صحة موقف اليمين الديني وكأنهم قد عملوا بمواقفهم على رؤية شاملة ودراية كاملة بأن الفشل سيكون حليف التجربة وبالتالي يسهل عليهم ممارسة نقدهم وتسليط الضوء على الاخفاقات دون اشارتهم لأي انجاز يمكن ان يكون ان تحقق في ظل عدم محاسبتهم لأنفسهم وعدم انجازهم لأي هدف تم الاعلان عنه من قبلهم .
بكل الاحوال واذا ما تم الاقرار والاعتراف بأن الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها تعيش ازمة عميقة ومتجذرة بحكم قوى سياسية لا زالت محكومة بشخوصها ... ولا زالت محكومة بمعتقداتها ... ولا زالت اسيرة تعبئتها التنظيمية وما شابه ذلك من تعصب أعمى أضر بالعلاقات الوطنية الداخلية ... وجعل من الحركة الوطنية الفلسطينية أحزاب وحركات وجبهات .. لا تجتمع على موقف بل تتصارع بداخلها ومن حولها بالفكر والموقف وخيارات النضال ... مما اضعف من مخرجات الحركة الوطنية وجعل منها اسم غير قادر على الفعل والتأثير نتيجة لتشتت المواقف وعدم وحدتها .
الحركة الوطنية الفلسطينية بيسارها ويمينها الديني .... وبكل القوى الوطنية والقومية ... يجب ان تعيد صياغة حاضرها ووحدة فكرها الوطني حتى مع احتفاظ كلا منهم بأيدولوجياته ومعتقداته الا انهم يجب ان يشكلوا جبهة عريضة تستوعب كافة القوى والشخصيات والمستقلين لاجل استنهاض الطاقات والامكانيات الوطنية وحتى يتم بلورة خطاب سياسي واعلامي غير قابل للانقاص ... والمزايدات ... وهذا ياتي في الاطار الجامع منظمة التحرير الفلسطينية ممثلنا الشرعي والوحيد ومشاركة الجميع بها دو اشتراطات مسبقة ... والنضال من داخلها لاصلاحها وبناء ما تراكم من انجازات مكتسبة بفعل نضال عقود طويلة .
ناصية الحقيقة وامتلاكها والعمل على انجازها وتطويرها مهمة وطنية شاملة ... وليست مختصرة ومختزلة لا باليسار ولا باليمين الديني ولا حتى بالحركة الوطنية بل الجميع يجب ان يتشارك ... وان يتوحد ... وان يعمل في السياق الوطني لاجل اهداف وطنية ثابتة ... اهداف واضحة لا ضبابية فيها ... ولا خيال يحكمها ... ولا مزايدات تتحكم بها .
الشعب الفلسطيني وعبر مسيرته النضالية الطويلة وقد افرز الكثير بحكم تضحيات جسام وتجربة غنية قادرة على رسم معالم الطريق وابراز ما نمتلك من قوى يسارية حية ومن يمين ديني وطني ... ومن حركة وطنية قادرة على استيعاب الجميع وتطوير قدراتهم وتسهيل مهامهم لأجل اهداف تخدم الشعب الفلسطيني وقضيته وليس خدمة لفكر او فصيل ولا حتى لأجندات خارجية .
المرحلة التي نعيش فيها ... فيها من قادم التحديات ... وواقع المؤامرات ما يجعلنا أكثر حكمة ودراية ومعرفة بما يجري وحتى نوحد من جهودنا ونستنهض طاقاتنا وان نخرج من عباءة المزايدات والتصيد .... وادعاءوامتلاك الحقيقة ... وكأنها ملك شخصي او فصائلي لكن الحقيقة ان من يمتلكها هو الشعب الفلسطيني الذي دفع من دماء ابناءه وممتلكاته وعبر تاريخ طويل وحتى يومنا هذا اغلى ما يملك من اجل الحقيقة الوطنية والدفاع عنها واعادتها الى اصحابها الشرعيين .
الكاتب : وفيق زنداح