حين نسمع الخطابات التي يلقيها الزعماء، العرب منهم والأجانب، يتبادر إلى الذهن أسئلة حول من يكتبها؟هل هم من يفعل أم أن هناك شخص خفي يقف وراء هذه الكلمات؟ وكيف يستطيع أن يترجم هذا الشخص أفكار الزعيم الى جمل وعبارات تغير مسار التاريخ أحياناً وتلهم شعوباً وأمماً!
حفظت أجيال عديدة خطابات شهيرة لزعماء عالميين أعطوا الكلمات روحاً وكاريزما، فخرجت لتخلّد في ذاكرة الملايين وتصنع تاريخاً بقوة البلاغة .. وقد جاء وقع معظم هذه الخطابات الرائعة بسبب قوة القضية وشدة الأزمة التي تتحدث عنها، وكانت تدور في فلك: إما نكون أو لا نكون !
أيّ مهتم بالتاريخ يمكن أن ينسى كلمات ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني في خطابه الشهير إبان الحرب العالمية الثانية بعد نكسة البريطانيين: "سندافع مهما كان الثمن.. لن نستسلم"
وهل من عروبي لا يستذكر خطاب جمال عبد الناصر الذي أعلن فيه تأميم قناة السويس وإخراجها من القبضة الاستعمارية ؟ أو هل من متحسر على مواقف العرب لا يعلم بخطاب الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود الأخير الذي دعا فيه قائلاً: "القدس الشريف يناديكم ويستغيثكم لتنقذوه من محنته ومما ابتلي به.."
وهل يوجد فلسطيني على وجه الأرض صغيراً كان أم كبيراًلا يحفظ كلماتياسر عرفات في الأمم المتحدة الذي وضع فيه رؤية استراتيجية في جملة واحدة : "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"...
لاشك أن وراء كل زعيم مجموعة من المستشارين والكتاب الذين يصيغون الخطابات الحاسمة .. قلة منهم تعرف هوياتهم للعامة كمحمد حسنين هيكل الذي كان يكتب خطابات جمال عبد الناصر، وموسى صبرى الذي كتب العديد من خطابات السادات، ومحمود درويش الذي ساهم في كتابة خطابات ياسر عرفات، بينما يبقى المعظم مجهولين خاصة في العالم العربي.. إلا بعد رحيل الزعيم بسبب إلهي أو آخر.. إلهي أيضاً !!
يقول نيك مورجان أحد كتّاب الخطابات السياسية المشهورين في الولايات المتحدة حين سئل عن الشخص الذي كتب خطاب أوباما : " إنه سؤال خاطئ .. الرئيس هو المسئول عن كل كلمة ينطقها .. ليس مهماً من كتبها لأن الرئيس اختاره وهو يعلم جيداً انه الأقدر على ترجمة افكاره وسياساته.." ورغم أن هذا كلام في جانب كبير منه صحيح،باعتبار أن ترامب مثلاً اختار ستيفن ميللر اليهودي من أقصى اليمين كمستشار سياسي وكاتب لمعظم خطاباته العالمية. ولكن هل ينفي ذلك بالمطلق تأثير كاتب الخطاب ورؤيته على روح الخطاب نفسها؟ أعتقد لا..ولهذا يأمل الناس دوما ان يختار الزعماء مستشارين أهل للخبرة والكفاءة والرؤية الصائبة..
تحية لمن نصح الوزيرة النمساوية "كارين كنايسل"أن تلقي مستهل كلمتها باللغة العربية لتخطف الأضواء وتضيئ ببلاغة العربية على أحزان ومعاناة أهلها ... فيبقى خطابها الأكثر تأثيرا وانتشاراً في دورة الأمم المتحدة الثالثة والسبعين ..
بقلم/ د. أماني القرم