كاتب المقال يقترب من نهاية العقد السادس ولد وترعرع بأحياء غزة ....وتنقل ما بين أزقتها وأحيائها القديمة ....وعاش فيها ولا زال يتنفس هوائها ويأكل من زرعها ...... ويعيش على ترابها حاله حال مئات الالاف ممن سكنوا هذا الشريط الساحلي ...وما تميز به من قيم وثقافة ...عادات وتقاليد وموروث ثقافي لا زلنا نعتز به....ونتمسك بجذوره ...ونربي أبنائنا عليه بزحمة الشعارات والثقافات وما يأتينا من الشرق والغرب ..... من مفاهيم وثقافات لا تعبر عن حقيقة ما يجيش بالصدر ....وما سكن العقول والضمائر ..... وما ترسخ بالسلوكيات .
مقدمة لابد منها ..... وان كانت لا تعبر عن مقاصد المقال ....وما يريد الكاتب ايصاله بمضمون مقاله ...... والذي سيحاول ان يقوم بمسح جغرافي وديمغرافي لهذا القطاع .... وساكنيه والقاطنين بأحيائه ..... والذين لا زالوا على موروثهم وقيمهم ومبادئهم ولا يتخلوا عنها ولن يتخلوا عنها ....لأنها جذورهم التاريخية ...وثقافتهم الوطنية ....وعاداتهم وتقاليدهم التي توارثوها عبر الاجداد والاباء .
غزة ما قبل عقود قليلة كانت تعيش الطمأنينة والاستقرار ..... كما كانت تنعم بالازدهار والاقتصاد ...... كما كانت تتسم بالزراعة وما اشتهر به القطاع من أشجار الحمضيات والزيتون والنخيل .....وما امتاز به القطاع من رمال صفراء ....وشاطئ بحر يعتبر الأجمل بشواطئ البحر المتوسط برماله المتميزة ..... ونقاء ماء البحر ....وعدم وجود تلوث بيئي باعتبار أن القطاع منطقة زراعية .... وليس فيها من الصناعات التحويلية والبترولية بل كانت الصناعة بمجملها واغلبيتها صناعات يدوية ..... تعتمد على المهارات الفردية .
غزة كانت تعيش التكافل والتضامن بين اهلها وعائلاتها ..... وكانت تتسم بأواصر العلاقات القوية والمتميزة ما بين أحيائها وعائلاتها ...... ولم يسجل عبر تاريخ غزة ما يمكن ان يشكل ظاهرة سلبية يمكن ان تسجل على هذا القطاع وأهله .....بل كانت غزة وعبر تاريخها ..... بنقاء سمائها .....وبطهارة أرضها ..... وبجمال رمالها .
نعتز ونفخر بأننا من مواليد هذه الأرض والتي عشنا عليها أطفالا وشبابا ورجالا حتى بلغنا من العمر الكثير ..... ونحن نزداد اعتزازا وفخرا وثقة بهذا المجتمع الغزي الذي يشكل جزءا من المجتمع الفلسطيني بكل ثقافته واعتزازنا به .
غزة الجميلة ..... التي كانت ترحب وتضحك لكل زائر لها ....والتي كانت تثلج صدور اهلها .... وتسعدهم ببساطتها .....وسهولة الحياة فيها .... وما فيها وما يميزها ......أصبحت في هذا الزمن تشكل مشهدا معقدا .... ذات ثقافات متنافرة متصارعة ...... ومتناقضة ....تعيش سوء أحوالها ...كما تعيش سوء علاقاتها ..... ومصاعب حياتها ....وما يتداخلها ويحيطها من ازمات وكوارث بفعل ما طرأ عليها واستجد بداخلها من انقسام أسود لا فائدة مرجوه منه ..... ولا مبرر لاستمراره مهما تعددت المزاعم والاسباب .
انقسام لا مبرر له ..... ويضر بقضيتنا الوطنية وبشرعيتنا الفلسطينية كما يضر بكافة القوي السياسية الوطنية والاسلامية .....ومع ذلك لازلنا نعيش اثاره وانعكاساته ونصعب على أنفسنا .... ونماطل في قرارنا ونتجادل بمصالحنا ....وأولوياتنا ..... كما ونضيق على الشقيق الاكبر مصر بمحاولة كل منا لتحقيق ما يعتقد أنها مكاسب اضافية يمكن اكتسابها ....وهي بالحقيقة خسائر محققة .
غزة التي نعيش على أرضها باهلها وعائلاتها ومسيرة نضالها الطويل لا يجب استفزازها ....كما لا يجب الاستخفاف بها والي درجة ما يمكن أن يطرحه البعض حول بيعها بالمزاد .... وكأنها بضاعة في سوق تجاري ..... وهذا على عكس الحقيقة لمن يعرف غزة وأهلها ومسيرتها ...... وقد أخطأ القائل بالتقدير حول بيعها بالمزاد ....كما يمكن أن يخطئ كل من يحاول المساومة عليها والتلاعب بها....كما التلاعب على أرضها .....وعلى مصالح أهلها .
غزة الجزء الجنوبي من الوطن لا تغرد بمفردها ..... لكنها جزء من الكل وفي اطار شرعية واحدة .... وممثل شرعي ووحيد منظمة التحرير الفلسطينية وفي اطار سلطة وطنية .
غزة لا تخرج من ثوبها ..... ولا يمكن أن تخرج عن اطارها وشرعيتها ....ولا يمكن أن تركع لأزماتها وكوارثها .
غزة تاريخ عريق ....لنضال طويل ....ولتضحيات جسام ..... تشهد عليها الأحياء والأزقة .... وكافة المتابعين والمحللين والعاملين بالمجال السياسي .
غزة لا تقبل باهانتها في كبريائها وعزتها وشموخها ولا تقبل بانقاصها حقها .... أو التلاعب بها ......أو حتى الاستخفاف بها لأنها ستبقي غزة هاشم ....غزة العزة والكرامة والكبرياء الوطني ....غزة اساس العمل الفدائي وأساس جيش التحرير الفلسطيني ومنظمة التحرير وهي بالأساس تجسيد لأول سلطة وطنية فلسطينية ....وهي تستكمل تاريخها باعتبارها مفجرة الانتفاضة الاكبر بتاريخ النضال الفلسطيني ....هذه هي غزة التي لا يستطيع احد شرائها ....وهي ليست مطروحة للبيع لا بالماضي ولا بالحاضر ....ولا حتى بالمستقبل ....وهي لا تقبل بالمزايدات السياسية من أحد لأنها غزة للجميع .....ولأجل الجميع ....ولأجل الوطن الواحد ...والشعب الواحد.
الكاتب : وفيق زنداح