بركان الدم في “بركان“ السموم

بقلم: جبريل عودة

وتعود الضفة بالرصاص لتذكر بالحق الفلسطيني, فهذا العالم لا يلتفت لصوت المستضعفين الخافت تحت بساطير القمع وذرائع الإستجداء بالسلمية , فالحقوق تنتزع بالقوة وتسترد بقانونها , والثورة سبيل الأحرار للدفاع عن الديار المغتصبة, والمقاومة سبيل الوطنيين في ردع الإحتلال وكسر عنجهيته وإفشال مخططاته , تأتي عملية "بركان" في الذكرى الثالثة لإندلاع إنتفاضة القدس , والتي كانت بواكيرها عملية إيتمار وعملية الطعن في القدس المحتلة , ومخطئ من يظن أن لهيب الثأر والفعل المقاوم الفلسطيني ينطفئ , في ظل تصاعد الهجمة الصهيوأمريكية ضد القضية وثوابتها .
في مستوطنة " بركان " جنوب نابلس والمقامة على أراضي القرى الفلسطينية المجاورة , كان القرار مقاومة وكانت الطلقات صرخة حق فلسطينية بإمتياز , في وجه الباطل المتضخم سموماً قاتلة ومواد كيميائية خطيرة , تنفث في باطن الأرض الفلسطينية من مصانع الصهاينة في مستوطنة " بركان" , لتنشر الأمراض في الأبدان والمزروعات والأشجار الفلسطينية على حد سواء , وكما يتم تلويث المياة في جوف الأرض بسوائل وسموم المصانع الكيميائية في مستوطنة "بركان" ، التي تنذر بانتشار الأوبئة والأمراض السرطانية في الفلسطينيين المقيمين في القرى المجاورة , كما تتسبب بتلوث الهواء من عملية حرق النفايات الصلبة التي ينتج عنها روائح كريهة وأدخنة سوداء تتصاعد في الأجواء يعاني منها سكان المنطقة, بهذا الوصف تكون مستوطنة "بركان" وصفة صهيونية للقتل , وعملية عدوانية من أجل نشر الموت ومن أجل إبادة الحياة الفلسطينية بالتدريج على هذه الأرض المحتلة .
عملية "بركان " , طلقات في رأس الإستيطان الصهيوني في الضفة الفلسطينية المحتلة , وهي بمثابة فتح لملف الإستيطان السرطاني في جسد الضفة المحتلة , من أجل محاربته وإنهاء أثاره بكافة الوسائل والإمكانيات, مستوطنة " بركان " الإقتصادية في الضفة تعمل خارج قوانين السلامة للعامل وللمكان حيث وفرة الأيدي العاملة وقلة الأجرة , فإن هذه المصانع حسب التقارير المنشورة تعمل خارج القواعد والقوانين التي تلتزم بها المصانع داخل الأراضي المحتلة عام 1948 م , وهذا بحد ذاته يشكل عدوانا إرهابيا يستهدف كما قلنا الأرض والإنسان الفلسطيني بعملية قتل بطيئة وإعدام مغلف بحجج توفير فرص العمل داخل المستوطنات الصهيونية .
عملية " بركان " تعني أهمية عدم شعور المستوطن الصهيوني بالأمن في داخل الضفة المحتلة , وأن محاربة الإستيطان لن يكون بتوفير الأمن للمستوطن في دخوله وخروجه وعربدته في أراضي الضفة المحتلة , بل يكون عبر ضربات المقاومة التي تربك المستوطنين وتبدد الأمن الوهمي الذي يسمح لهم بمحاولة الإستقرار والتمركز في التجمعات الإستيطانية , والتغول على الأرض والمواطن الفلسطيني , بعربدة غير مسبوقة بعد غياب الرادع المقاوم , الذي يلجم العدوان المتأصل في عقيدة المستوطنين الإرهابية المتطرفة .
عملية " بركان " إفشالاً لمشروع دمج الفلسطيني في منظومة حركة إقتصاد المستوطنات الصهيونية , لصبغ الصورة الذهنية على الفلسطيني بأنه أجير في هذه الأرض , ويعمل تحت أمرة سيده الصهيوني , في عملية برمجة للعقل الفلسطيني في ظل القمع الأمني الصهيوني المتواصل ليلاً نهارا في الضفة المحتلة , وكأن الخلاص للشباب الفلسطيني من القمع والإعتقال, هو العمل في المستوطنات الصهيونية في الضفة المحتلة , لذا فإن من الطبيعي أن تنتشر مقرات المخابرات الصهيونية داخل هذه المستوطنات وتعد مستنقع للإسقاط في براثن المخابرات الصهيونية , حيث تقوم المستوطنات بدورها المعد لها ضمن الوظيفة الأمنية الصهيونية .
عملية " بركان " تعبر عن وحدة الهم الفلسطيني والجرح الوطني الممتد من غزة إلى القدس , لا مكان للفرقة والتشرذم أمام العدو الواحد الذي يتربص بالكل الفلسطيني , ويحاول طمس قضيتنا ومحو هويتنا , وأن الطريق الأقصر لوحدة الصف الوطني هو بقتال العدو في كافة أماكن تواجده على هذه الأرض المحتلة , لذا تعتبر عملية " بركان " ثأراً للشهداء في غزة ورداً على جريمة إستهداف التجمعات السكانية الفلسطينية في الخان الأحمر .
يحاول العدو الصهيوني قدر الإمكان إستبعاد العامل القومي لأي هجوم فدائي , ويعمل تصوير الأمر وكأنه في سياق الجرائم الجنائية , التي لا يكون لها الأثر القوي في نفوس الصهاينة كما هو تأثير العمليات الفدائية التي تذكرهم بحقيقة وجودهم الإحتلالي على هذه الأرض , وأن هناك شعباً يطلب حقه بكل ما يملك من أدوات قوة شعبية , ويقاوم الإحتلال وأثاره في إطار الحق المكفول قانونياً وأممياً ووطنياً في النضال من أجل الإنعتاق من الإحتلال ونيل الحرية والإستقلال.

بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
7/10/2018م