عملية "بركان" بالقرب من نابلس التي استهدفت ثلاثة مستوطنين، واستخدم فيها المنفذ السلاح الناري، تُقدم للاحتلال الإسرائيلي رسالة تحذيرية قوية لما يمكن أن يُفضي إليه الوضع، في حال استمرت حكومة نتنياهو في تنفيذ مخططاتها التوسعية، واعتداءاتها العنصرية.
الحديث يدور عن شاب لم يكمل دراسته الجامعية إن كان يجلس على مقاعد الدراسة، وتمكن من الانسحاب بسلام بعد تنفيذ عمليته، بالرغم من استمرار التنسيق الأمني فكيف حين تنفذ السلطة والمنظمة قرارات المجلسين الوطني والمركزي؟
الرسالة التي تصدر عن هذه الواقعة، تنطوي على تحذير من أن الأسابيع أو الأشهر، ان تأخر تنفيذ قرارات المركزي، ستشهد توسعاً في عمليات المواجهة، وتترك الجيش الإسرائيلي أمام ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية. تعرف إسرائيل ذلك، ولكنها على الأرجح، مستعدة لأن تدفع ثمن الانتقال بمخططاتها وسياساتها إلى مرحلة إسرائيل الكبرى.
الولايات المتحدة ماضية في سبيلها نحو شن الحرب على الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية، وحقوقه، وتسبق إسرائيل في اتخاذ المزيد من القرارات والإجراءات الحربية.
وبعد أن أوقفت كل مساعداتها ومساهماتها، للسلطة، والمجتمع المدني ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وما تقدمه للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، بعد ذلك تعود وتتخذ قرارا بوقف المساعدة المالية التي تقدمها للأجهزة الأمنية الفلسطينية. لم يبق في جعبة الولايات المتحدة، من الأسلحة ما يمكنها من مواصلة الضغط وابتزاز الموقف الفلسطيني من صفقة القرن، علماً بأن ما قامت به حتى الآن تجاوز هدف ممارسة الضغط إلى ممارسة الحرب.
البيت الأبيض، لا يقيم حساباته على ما يمكن للولايات المتحدة أن تخسره، بالرغم من أن إسرائيل هي التي تخسر لأنها هي التي تدفع الثمن. هي السياسة ذاتها التي تصرّ عليها الإدارة الأميركية، التي تتجه نحو شن حروب بالوكالة، يدفع ثمنها الآخرون، ودون أن تدفع دولاراً واحداً.
بعد هذه الإجراءات التي تذكّرنا بسياسة أميركية سابقة خلال عقد ثمانينيات القرن الماضي حين أعلن مستشار الأمن القومي حينذاك زبغيو بريجنسكي، تجفيف موارد منظمة التحرير. هذه الإدارة تتصور أن تجفيف موارد منظمة التحرير لا يستهدف الضغط من أجل إضفاء شيء من الاعتدال على سياسة المنظمة، أدت في ذلك الحين، إلى الموافقة على الشروط الأميركية لمجرد قبول الحوار معها. هذه المرة تستهدف عملية التجفيف، تجفيف الموارد وتجفيف الحقوق الفلسطينية، إلى أن يرفع الفلسطينيون رايات الاستسلام لصفقة القرن، في الزمن السابق أدت سياسة ابتزاز المنظمة إلى انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، الذي مهد الطريق أمام مفاوضات، وتوقيع اتفاقيات أوسلو، التي انقسم عليها الفلسطينيون. أما اليوم فإن الأمر مختلف تماماً، فإذا كانت أوسلو محاولة، لتحقيق بعض الحقوق الفلسطينية، فإن السياسة الأميركية اليوم، لا تبقي للفلسطينيين ما يتأملون تحقيقه سوى الطعام والشراب، والخضوع لسياسات ومخططات الاحتلال.
واضح أن القرار الإسرائيلي بهدم قرية الخان الأحمر، يشكل البداية العملية، والمؤشر الأساسي، للانتقال نحو تصعيد عمليات مصادرة الأراضي وتهويدها، وفرض المزيد من الوقائع على الأرض، التي تحضر لمرحلة إعلان السيادة الإسرائيلية على الجزء الأكبر من الضفة الغربية. في الواقع فإن التحالف الأميركي الإسرائيلي قد أعلن وباشر حرباً على الفلسطينيين وحقوقهم ووجودهم، غير أن الفلسطينيين حتى الآن لم يحسموا أمورهم باتجاه خوض هذه الحرب.
ما تم اتخاذه من مواقف وقرارات، برسم التنفيذ، وهو ما ننتظره من المجلس المركزي الفلسطيني الذي سينعقد في 26 الجاري، لا يكفي للتعبير عن حالة التعبئة العامة لخوض المجابهة المفروضة على الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، لا بدّ من الاعتراف بأهمية التحرك السياسي والدبلوماسي الفلسطيني على الساحة الدولية، والذي يشير إلى أن الولايات المتحدة قد دخلت في عزلة متدرّجة جنباً إلى جنب مع إسرائيل. قرار الإدارة الأميركية، الهروب من محكمة العدل الدولية، التي يشتكي إليها الفلسطينيون خرق من الولايات المتحدة للقانون الدولي، هذا الهروب لم يكن الأول فلقد سبق أن هربت من المجلس العالمي لحقوق الإنسان، ومن "اليونسكو" ومن "الجنائية الدولية"، وهي في سبيلها إلى الهروب من عديد المؤسسات الدولية.
واضح أن السياسة الأميركية تمضي في سبيل تغيير طبيعة العلاقات والمرجعيات الدولية، والتخلي عن التزاماتها الدولية، ما يجعلها كشريكتها إسرائيل خارجة عن القانون، وفي مجابهة المجتمع الدولي.
القضية الفلسطينية تشكل مدخلاً استفزازياً للولايات المتحدة باتجاه مواصلة العمل على تقويض المنظومة الدولية، وتعميق عزلة الولايات المتحدة وإسرائيل.
عملية "بركان" التي جاءت في ظل تحذيرات أمنية من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية، تشكل منعطفاً في الجبهات التي تحظى بالأولوية بالنسبة للجيش الإسرائيلي. كل الوقت يجري تركيز إسرائيل على الجنوب (غزة) والشمال (لبنان وسورية)، لكن هذه العملية ستفرض على صانع القرار الإسرائيلي أن يُدرج الضفة الغربية ضمن الجبهات الخطرة التي تحظى بأولوية.
ولكن مثلما تتجنّد الولايات المتحدة بكل طاقتها لدعم إسرائيل ومخططاتها ولا تلتفت إلى الخلف حين تتخذ قراراتها الحربية ضد الفلسطينيين وحقوقهم فإن على الفلسطينيين هم، أيضاً، أن يُعيدوا صياغة أوضاعهم الذاتية كاستحقاق لا بديل عنه استعداداً لخوض التحدّي. في هذا السياق لم تعد حسابات المحاصصة على السلطة ذات قيمة، انطلاقاً من أن الأمر يتعلق بحسابات الوجود والحقوق، ولذلك من المقبول أن يؤجل المجلس المركزي تنفيذ قراراته، إلى أن تتم المصالحة، والتي ينبغي أن تتمّ بأسرع وقت.
بقلم/ طلال عوكل