مابين خاشقجي ومارينوفا...قصة بوجهين والنتيجة واحدة ...

بقلم: اماني القرم

جمال خاشقجي وفيكتوريا مارينوفا الاسمان الأكثر شهرة في الساعات السابقة والقادمة ما لم يطرأ حدث يغطي عليهما ..الأول للكاتب السعودي المرموق والمثقف اللامع الذي دخل القنصلية السعودية في تركيا ولم يخرج منها وغالباً لن يفعل ! والثاني للصحفية البلغارية الجريئة التي اغتصبت وقتلت ببشاعة ووجدت جثتها في إحدى الحدائق العامة..
تبدو المسافة بعيدة جداً ما بين قصتي خاشقجي ومارينوفا،  لكن الحقيقة أنها قصة واحدة لها وجهين: المال والسياسة. وهدفها واحد هو تكميم الأفواه وإرهاب الصحافيين، لكن الأساليب تتنوع  بين اختفاء/ قتل / اعتقال .. برأيي لا فارق  مادامت تؤدي لنفس النتيجة .. المثير  أن القصتين حدثتا في أوروبا وفي نفس الأسبوع!! 
خاشقجي الذي يصنف كمنتقد لنهج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وليس كمعارض لنظام الحكم في السعودية، والفرق شاسع بين الاثنين، ترك السعودية طوعاً في العام 2017 بعد تحول  بارز في السياسة السعودية العليا إثر التغيير في هرم الأسرة الحاكمة .. وكما هو معلوم أن التغيير لا يطال القمم فقط بل يصل الى جميع مراكز القوى القديمة من كتاب وصحفيين ومفكرين ورجال أعمال لتحل محلها أخرى جديدة. وما أشد حساسية الجديد إذا تم انتقاده من أحصنة العهد القديم . عندها اختر ماشئت من المصطلحات التي تعبر عن سياسة التغيير إصلاح أو مكافحة ارهاب أو محاربة الفساد ...إلخ لإسكات من يتمرد من الأحصنة القديمة..
أما فيكتوريا مارينوفا فهي قصة الوجه الآخر للسلطة: مافيا المال. وهي ليست الأولى في أوروبا بل ثالث صحفية تقتل خلال عام واحد والسبب واحد،إجراء تحقيقات تتعلق بالفساد وبسوء استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لصالح شركات كبرى يملكها سياسيون ورجال أعمال تجسيداً للظاهرة الأبرز التي تتمثل في تزاوج المال والسلطة، وقد سبقها في الاغتيال صحفية من مالطا وصحفي في سلوفاكيا.  وبالمناسبة تعد بلغاريا الدولة الأكثر فساداً في أوروبا .
اختفاء الصحفيين قسراً هو أمر ليس بجديد، بل هي سمة أنظمة الحكم الشمولية في  العالم كله. وإجراء التحقيقات المزعومة لا تأتي بالفاعل. وغالباً ما يلف الغموض والالتباس القضية،وتمضي سنوات طويلة دون أن يعلن تفسير منطقي لماحدث وتُطوى المسألة  في ذاكرة النسيان .. أسماء كثيرة شهيرة اختفت ولم تعد تذكر إلا في حالات نادرة :
مثلاً لم ير أحد الصحفي المصري رضا هلال منذ كان واقفاً ينتظر مصعد العمارة التي يسكنها لتفقد آثاره في ثوان معدوده. وهلال لم يصل شقته حتى اليوم منذ 15 عاما!!بشار القدومي ومهيب النواتي صحفيان فلسطينيان اختفيا في سوريا منذ سنين،  ولا أحد يعلم عنهما شيئا.. والقائمة تطول..
ولكن يجب أن أذكر  أن ارتدادات كل قضية صحفي مختفي أو معتقل أو مقتول لا تأخذ المنحى نفسه. وفضلاً عن أننا نعيش عصر التكنولوجيا والفضاءات الواسعة الذي يساهم بجدارة في نشر الأخبار  بسرعة تفوق الصاروخ ويؤثر بشكل ما على منحى السياسة، فإن الوزن النسبي للصحفي وعلاقاته الواسعة أيضا لها تأثير على الاهتمام العالمي بقضيته. جمال خاشقجي كان مقرباً من رجال كثيرين في الحكم في السعودية وعلاقاته جد واسعة بأقطاب بنوك التفكير العالمية ولهذا فصدى اختفائه لن يكون بالامر الهين ولا ارتداداته ستهدأ بسهولة.
بقلم/ د. أماني القرم