"الحرب لن تحقق شيئا"
ثمة ما هو مهم ان ننقب في عمق التاريخ و التاريخ القريب عن صحة هذه المقولة بالمفهوم الخاص و العام لتحرر الشعوب و نهضتهم و نيل استقلالهم و سيادتهم ، و لن ابحث في هذا المقال عن ما جاء في لقاء السنوار مع الصحفية الايطالية و نشر في يديعوت احرانوت و كما يقال مترجم و هذا ما قالته المصادر الرسمية سواءا من الصحفية نفسها او من مكتب قائد حماس في غزة ، و لكن اثارتني هذه العبارة المعنون بها هذا المقال و ابعادها السياسية و التاريخية و التي قد تضحد في تجارب الشعوب .
السيد السنوار قائد حماس في غزة لم يتحدث في هذا اللقاء كقائد فلسطيني لفصيل فلسطيني ولا يمثل الكل الفلسطيني بل له ايضا مرجعيات لدى فصيله ، تحدث السنوار كقائد وطني يمثل الكل الوطني و تاره اخرى يتحدث باسم حركة التحرر الوطني الفلسطيني ، و هنا ايضا ليس اعتراضا على قدراته او مركزه او تاريخه بالقدر ان حركة التحرر الوطني الفلسطيني لها تاريخ و جذور و تمثل الكل الفلسطيني ولا يمثلها جزء من الكل ، و لذلك ما تحدث به الأخ السنوار كان يحتاج بما اثاره من بعد استراتيجي و تكتيكي ايضا الى اجماع وطني و على الاقل الفصائل المختلفة و المستقلين و الوطنيين و جزء كبير من ابناء حركة فتح الذين لهم مواقف واضحة عن سياسة التيار الرسمي في حركة فتح و منظمة التحرير الفلسطينية و لهم مواقف من اوسلو و استمرارية العمل بها بلا مقابل استراتيجي يحقق انجازا وطنيا فعليا تجاه اهداف شعبنا .
و نعود لعنونة هذا المقال و الذي يحمل في طياته انقلابا حقيقيا على كل معايير التجربة الفلسطينية بل انقلابا على تجارب الشعوب الاخرى التي حققت سيادتها و كرامتها و استقلالها ، و من هنا فالنتمحص في تلك العبارة التي دونت في اللقاء " من يريد حقاً أن يواجه قوى عظمى نووية بمقلاع؟ الحرب لن تحقق شيئ " !
بلا شك نحن مع فك الحصار عن غزة و لكن كيف يمكن فك هذا الحصار هذا هو المهم هل بدفع ثمن غالي استراتيجيا كما دفع السابقون ! و هل نالت الشعوب استقلالها و حريتها بدون تضحيات على طبق من ذهب او فضة او على طبق من الحديد و النار و الارواح ، الشعب الفلسطيني يضحي يوميا في كل مناطق الاحتلال و بكافة انواع التضحية سواءا في الضفة الغربية او في غزة من خلل مسيرات العودة او في ارضنا المحتلة عام 1948 و لكن غزة ايضا تعاني من ظروف خاصة جدا اتت بفعل الاحتلال و بفعل غياب برنامج وطني متفق عليه و عدم تسمية الاسماء بمسمياتها و عدم تسمية المرحلة بمسمياتها ايضا بل حالة من التيه و اللف و الدوران ، المهم اذا كان فك الحصار و بعض المشاريع الانسانية تأتي بناءا على برنامج مدروس لا نقدم فيه خسارة اسراتيجية فهذا جائز ، اما ان نضع مبررات غير منطقية لتنازلات كبرى تحت شعار فك الحصار و من خلال تحديد ممرات و خيارات لغزة تعني تدويل كل شيء فيها و في المحصل اذا دولت غزة تحت المشاريع الانسانية فلن يحصل احد الطرفين شيئا لا استقلال و لا ما يحزنون بل و بشكل "step by step" و متدرج زمنيا سيتم خناق و العمل على تلاشي كل من يرفعون لواء المقاومة و هذا هو الواقع الذي قد تفتح ابوابه بعنوان هذا المقال و ما اتى بهذه العبارة .
و لكن اريد ان اذكر بكل ما نسي التاريخ او تغاضى عنه او قفز عنه او استهان بتجارب الشعوب الاخرى ، اريد ان اقول ان اسرائيل كانت دولة نووية عندما انطلقت الثورة الفلسطينية في عام 1965 و عندما جسدت الكفاح المسلح بعد عام 67 و هزيمة جيوش عربية و ادعاء مقولة الجيش الذي لا يقهر انطلقت الثورة الفلسطينية و التجربة الفلسطينية و هي تعلم تماما ان اسرائيل دولة من ضمن مجموعة الدول العظمى نوويا و الثورة الفلسطينية لم تيأس وواجهت الكيان الصهيوني و حققت انتصارات لم يحافظ عليها بانتهاج سياسة الواقعية عام 1974 و الدخول في نطاق الحل السياسي الذي يكرس كيان اسرائيلي على غالبية الارض الفلسطينية و هذا كان خطأ بل خطيئة استراتيجية في حين ان في هذا الوقت الذي انتهجت فيه القيادة الفلسطينية طريق الحلول السلمية كانت هناك شعوب حققت استقلالها و سيادتها و طردت الاستيطان من اراضيها و اذكر هنا :
1 – الشعب الفيتنامي و حركة التحرر الفيتنامية التي دفعت الكثير من ابناء الشعب الفيتنامي و كانت امريكا دولة نووية الاولى في العالم و استخدمت كل ادوات البطش و العدوان فقام الشعب الشعب الفيتنامي بتحرير سايجون عام 73 و نيل السيادة و الاستقلال عام 75 اي بعد انتهاج قيادة منظمة التحرير الحل المرحلي بعام واحد فقط .
2 – الثورة الجزائرية و التي تعرضت للاستيطان و الاستعمار منذ عام 1830 و نالت استقلالها عام 1962 و حافظت على مبادئها و اهدافها و انتصرت و كان الاستعمار الجزائري استعمار استيطاني و كانت الجزائر جزء من فرنسا .
3 – كفاح الشعب الهندي الذي طرد الاستعمار الاستيطاني البريطاني و استخدم فيه الشعب الهندي كل ادوات النضال و نال حريته و استقلاله على اراضيه بقيادة غاندي .
4 – نضال شعب جنوب افريقيا ايضا هو استعمار استيطاني و استخدم فيه الافارقة كل ادوات النضال بقيادة مانديلا .
5 – ثورة انغولا على الاستعمار البرتغالي و حققت انغولا سيادتها على اراضيها .
تلك الامثلة جاءت كمثال فقط لتجارب الشعوب وليس تحديدا بل هناك تجارب اخرى و كثيرة قادتها الشعوب في ظل قيادات قادرة على التفكير العلمي و النضالي المرتبط بالثقافة الوطنية و لكن هل العيب و الخطأ في الشعب الفلسطيني ام الخطأ و العيب في القيادة التي لم تستغل هذا الشعب في تحقيق الانجازات ، ام الخطأ في ثقافة هذا الشعب ؟!!
في حين ان التجربة تقول ان الشعب الفلسطيني شعب مضحي و قادر على التضحية في اي وقت و اي مرحلة ، ايعني ان المقلاع لا يحرر شعب امام الدولة النووية اذا و كيف الشعوب الاخرى حررت اراضيها من دول عظمى مسلحة نوويا و تكنولوجيا ، نؤيد الاخ السنوار في فك الحصار عن غزة و لكن ضمن برنامج وطني لا يتيح فرصة لحلول اجبارية تهدد المشرع الوطني و تجسيد حالة انفصال غزة عن الضفة تلك الضفة التي تتعرض لابشع عمليات التهويد حيث اصبح وجود النظام السياسي فيها و الوطني في خبر كان و محكوم عليه زمنيا بالتلاشي امام مشاريع كما يقال صفقة القرن التي اتت نتيجة تراكمات و خلل في الاداء الوطني للقيادة الوطنية و هل تصح مقولة ناتنياهو ان امن اسرائيل من غرب نهر الاردن الى البحر ماعدا غزة .!!
ملاحظة : سقط مشروع حل الدولتين لاسباب كثيرة ، اذا لماذا نقف على ان المقلاع لا يحرر ارض فلماذا لا نطالب بالدولة الواحدة كخيار اخر ولماذا لا نطالب بتنفيذ قرار 194 و ما يترتب على هذه المطالبة من برامج فعلية على المستوى الشعبي و السياسي و السلوكي ايضا فيمكن للمقلاع ان يحرر ارضا و يمكن ان يجلب السيادة فالننظر للانتفاضة الاولى و ماكانت يمكن ان تجني لولا حصارها و احتواءها ، نتمنى ان ماقاله السنوار لا يتعدى مناورة و تفكيرا مرحليا قصيرا على قاعدة تحضير برنامج وطني نضالي شعبي يستطيع ان يقاوم الاحتلال و يستطيع ان يغير المعادلة الذاتية بيننا و بين الاقليم و مع المجتمع الدولي .
بقلم/ سميح خلف