لغز التحول الاسرائيلي اتجاه غزة..؟

بقلم: هاني العقاد

اسرائيل دولة الحرب والقتل والتدمير الشامل والدولة الوحيدة بهذا العالم التي لا تعترف باي من القوانين الدولية ولا قوانين حماية الانسان تحت الاحتلال , وهي الدولة الوحيدة التي تمارس العنصرية والتميز على اساس القومية دون اكتراث لأي لوم دولي وتجلي هذا في قانون القومية الذي سن مؤخرا ليحول المواطنين العرب في اسرائيل الى مواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة بلا حقوق سياسية او مدنية ودون مساواة مع المواطن اليهودي .  لم ينسي احد قساوة حروب اسرائيل الثلاثة على غزة وخاصة الحرب الاخيرة  عام 2014 ولم ينسي احد كل اجراءات اسرائيل العقابية لسكان غزة ومنع اكثر من 1000 صنف من البضائع من الدخول الى غزة من ضمنها الإسمنت وحديد البناء وكل مستلزمات الاعمار لفترة طويلة ولا اعرف ان كان البعض نسي هذا اليوم بعدما باتت اسرائيل تغزل بنعومة مع حركة حماس ليس خوفا منها على ما اعتقد او خشية من ان تهاجم المقاومة الفلسطينية والبلدات والمستوطنات الاسرائيلية على حواف غزة وتحتلها وتأخذ المستوطنين الإسرائيليين اسري, لكن يبدوا ان شيئا ما في راس اسرائيل غير طريقتها بالتعامل مع المقاومة الفلسطينية هناك ولي راسها حركة حماس.

لا اعتقد ولا احبذ ان يعتقد أي احد ان اسرائيل تحولت الى دولة انسانية بين ليلة وضحاها و وندمت على ما فعلت بغزة والمذابح التي ارتكبتها  التي اوصلها الى هذه المرحلة بل ان اسرائيل تنفذ خطة دقيقة جدا تتفادي فيها مواجهة مدمرة مع المقاومة بغزة وفي ذات الوقت تحقق لها هذه الخطة اكثر ما يمكن ان تحققه بالحرب مع بقاء خيار الحرب الخيار الثاني , اسرائيل لا تريد الكثير في البداية بل على العكس اسرائيل تريد ان تتوقف حماس عن الزج بالمدنيين الفلسطينيين الى الحدود وبالتالي وقف كامل لنضال السلمي وكل ما يتعلق بمسيرات العودة وكسر الحصار وستقدم اسرائيل عبر قطر او الامارات بعض التسهيلات لغزة ما يوحي لحماس ان الحصار في طريقه للانتهاء والتلاشي  وان غزة  ستتحول الى فندق خمس نجوم   بل يمكن ان  تكون سنغافورة الجديدة . في البداية سيشعر المواطن العادي بالتحسن في الكهرباء والمياه والمشاريع التي قد تستوعب الالاف من العاطلين عن العمل , في المقابل علينا ان ندرك ان هناك خطة  لن تنفذها اسرائيل رزمة واحدة بل على مراحل تبدأ المرحلة الاولي من خلال الممول القطري والذي بات يدفع الاموال لهدف ابعد من الهدف الانساني وتدفع هذه الاموال عبر اشكال عدة اهمها تغطية فاتورة موظفي غزة بحوالات مالية عبر اسرائيل  وارسال الوقود لمحطة توليد الكهرباء دون موافقة السلطة الفلسطينية .

لا اعتقد ان هناك تحول مفاجئ في سياسية اسرائيل اتجاه غزة بل اجزم ان الطرفان حماس واسرائيل تسيران باتجاه الهدنة طويلة الامد بعيدا عن موافقة السلطة الفلسطينية ودون مصالحة فلسطينية واجزم ان هذه الهدنة تسير الان بشكل هادئ وتدريجي حتي لا تحدث جلبة في الاوساط الفلسطينية او تتساءل الناس وباقي الفصائل الفلسطينية في غزة عن الثمن السياسي , ولعل هدف اسرائيل الكبير هو ليس انعاش غزة ورفع الحصار لتنتعش المقاومة هناك بل انها تعرف ان خطتها هذه ستقود في النهاية الى مشروع اكبر وهو غزة الدويلة  البديلة وتحقق بذلك اجهاض لمشروع فتح الذي يسعي لإقامه دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس وتحقيق حل عادل لقضية اللاجئين على اساس قرارات الشرعية الدولية , واخشي ان لا تستثني  خطة اسرائيل  ايجاد آلية  لتخزين سلاح المقاومة الثقيل وعدم اخراجه تحت أي ظرف كان والا فان اسرائيل ستوقف تنفيذ خطتها كما وستقود خطتها الي ردم انفاقها الهجومية اذا ما تم تقديم كل ما تريده حماس السلطة الفعلية في غزة لتبقي الحاكم الشرعي والذي يعترف به المجتمع الدولي ويتعامل معه  كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية .

ما يجري ليس بمعزل عن التوجه الامريكي  لاعتبار غزة مركز أي حل قادم وبالتالي فان كل التركيز الامريكي للسياسة  اليوم يرتكز على رفع الحصار عن غزة وتنفيذ عملية انعاش اقتصادي لسكان غزة وادخال حماس الى عمق العملية السياسية  كبديل لأبو مازن الذي يرفض وبشدة  صفقة القرن ويرفض أي اجراءات تؤدي الى تمرير الصفقة  ويرفض أي تعامل مع ادارة ترامب . في الحقيقة كل خيوط اللعبة الامريكية بيد جيسون غرنبلات  مبعوث ترامب للسلام في الشرق الاوسط من يتولى هندسة تمرير صفقة القرن , اليوم لم يخفي هذا الرجل  الاحتفال بنجاحه فقام على الفور  بتوجيه الشكر لكل من اسرائيل ومصر وقطر لتهيئتهم الظروف لإيصال الوقود الى غزة لتشغيل محطة الكهرباء وبالطبع شكره هذا له معني ان الجميع يعمل حسب خطة هذا الرجل و بإتقان والايام القادمة ستكشف ذلك . نتنياهو كرئيس حكومة الاحتلال حصل على دعم المجلس الوزاري المصغر ( الكابينت ) لهذه الخطة وقال في مؤتمر صحفي انه يبحث عن حل يعيد الهدوء والامن للبلدات على حواف غزة واضاف ان ما وصلت اليه غزة بسبب ابو مازن لأنه يخنق حماس اقتصاديا وهذا يدفع الى الانفجار واضاف انا لا اركض وراء حروب   غير ضرورية  بسبب التحديات الكبيرة علي الجبهات الأخرى في اشارة الى ان اسرائيل ترغب اليوم في تقديم كل ما تريده حماس والوصول الى الهدنة طويلة الامد لتتفرغ للعمل على الجبهات الأخرى .

 [email protected]

بقلم/ د. هاني العقاد