بعد أن انتقلت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الخطة (ب)، تكون الحلقة الثالثة من صفقة القرن دخلت حيز التنفيذ. عنوان الخطة (ب) حدده نتنياهو قبل فترة تحت عنوان «إعادة تأهيل قطاع غزة». وفق الرؤية الأميركية الإسرائيلية لإعادة «تأهيل قطاع غزة»، يتعدى الأمر، العناوين الإنسانية، التي شكلت المدخل، لتحضير غزة كي تكون وطن الكيان الفلسطيني، الذي قد يحمل اسم الدولة الفلسطينية.
الولايات المتحدة وإسرائيل هما اللتان تسببتا في تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، عبر حصار دام لنحو اثني عشر عاماً، وخلالها، حافظت إسرائيل على استمرار وتفاقم الانقسام الفلسطيني الذي لم يكن بالإمكان تجاوزه بسبب تضارب الحسابات بين الأطراف الفلسطينية. الفلسطينيون كلهم كبارهم وصغارهم يدركون طبيعة المخططات الأميركية الإسرائيلية، وماهية صفقة القرن، لكنهم عجزوا حتى اللحظة عن بناء وإعادة صياغة الخيار الفلسطيني في مواجهة الخيار الأميركي الإسرائيلي. ويدرك الفلسطينيون أيضاً أن التحالف الأميركي الإسرائيلي، يستعجل أمر فتح ملف قطاع غزة لإعادة تأهيله، وأن الوقت المتاح أمامهم لم يكن طويلاً، وها هو ينفد. خلال الأيام القليلة الماضية، بدأت مؤشرات تنفيذ الخطة (ب) من قبل التحالف الأميركي الإسرائيلي، الذي يستهدف تجاوز السلطة الشرعية، واقتحام ملف غزة.
في ظاهر الأمور، لا يفرض التحالف الأميركي الإسرائيلي على حماس أو على السلطة، أية شروط مقابل ما يمكن اعتباره معالجة ملف قطاع غزة، غير أن تطورات هذا الملف تشير الى أن الأمور تأخذ شكل فرض سياسات الأمر الواقع، بما يمكّن فصائل المقاومة من أن تتحدث عن انتصار في معركة كسر الحصار، وفي الوقت ذاته يملأ أسلحة السلطة الوطنية بذخيرة اتهام حماس بالتساوق مع صفقة القرن.
قبل فترة، كانت قطر تنسق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، فيما يتعلق بالمشاريع التي تنفذها في قطاع غزة، وكانت السلطة راضية عن ذلك، ولكن تبدلت الظروف، وقررت قطر تجاوز السلطة، فدفعت تكاليف السولار الخاص بشركة توليد الكهرباء، ثم أعلنت عن تخصيص اثنين وخمسين مليون دولار لتنفيذ مشاريع تنموية.
الفعل القطري جاء بعد دعوة وجهتها الولايات المتحدة لمختلف الفرقاء، بتقديم الدعم لقطاع غزة، ولذلك أعن جيسون غرينبلات عن ترحيبه وشكره لقطر وإسرائيل، وعديد الدول التي ساعدت في فتح ملف المساعدات لغزة. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل دخلت إلى قطاع غزة، سيارات نظافة لصالح البلديات فضلاً عن ثلاث طائرات مغربية تحمل مواد إغاثية وطبية في طريقها إلى القطاع.
هذه مجرد بدايات، لم تستطع السلطة، منع تنفيذها بالرغم من محاولاتها، وبالرغم من تصريح عزام الأحمد من أن دخول السولار يشكل تجاوزاً للخط الأحمر.
هو حقيقة تجاوز لكل الخطوط الحمر، فهو تنفيذ لمخططات من فوق رؤوس كل الفلسطينيين الذين ينقسمون بشأنها بين مرحب وغاضب، لكن الفلسطينيين أيضاً يتحملون جزءاً من المسؤولية عن ذلك، حين لم ينجحوا في ردم هوة الانقسام.
لم يعد ثمة أهمية، لإلقاء المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك، فالمخطط يسير بقوة، نحو فرض صفقة القرن، إسرائيل تبدي ارتياحاً، فهذا نتنياهو يقول بأن حكومته ليست صاحبة مصلحة في إدارة حرب على غزة، وأن الحل هو بتيسير وتغيير حياة سكان قطاع غزة.
ينهي نتنياهو الفزع الذي أصاب بعض المحللين والمراقبين الذين قرؤوا على نحو خاطئ، التهديدات التي لم يتوقف مسؤولون إسرائيليون عن إطلاقها محذرة من قرب القيام بعدوان جديد على غزة. ميلادينوف هو الآخر ساهم في التهويل بالتهديدات الإسرائيلية، وينسب لنفسه إنجازاً بأنه نجح في منع وقوع حرب كانت وشيكة.
الجهود الإقليمية والدولية، كلها تهيأت وساهمت في الانتقال إلى الخطة (ب)، التي ستتولى تنفيذها مؤسسات دولية، وتأخذ طابعاً متدرجاً، وصولاً إلى السماح ببناء ميناء أو ممر بحري ومطار. في هذه الأثناء تواصل إسرائيل هجماتها على المسجد الأقصى لفرض التقسيم الزماني والمكاني عليه، فيما يتحضر الجيش الإسرائيلي لتنفيذ قرار المحكمة العليا بهدم قرية الخان الأحمر ونقل سكانها إلى أبو ديس، التي تفترض صفقة القرن أنها عاصمة الدولة الفلسطينية.
وبالإضافة يعلن أفيغدور ليبرمان أن الإذاعة الإسرائيلية ستنقل موقع بثها إلى القدس، وهذه وتلك كلها مجرد مقدمات مستعجلة لكي تتحول إسرائيل إلى الضفة الغربية لإحداث تغيير جيوسياسي وديموغرافي خطير. مسؤول إسرائيلي قال حين دخل السولار القطري إلى غزة إن عليهم أن يرقبوا سلوك حماس، حيث يتوقع أن تبدأ حماس تخفيف حدة الحراك الشعبي على حدود قطاع غزة، والأرجح أن تقابل كل خطوة باتجاه تخفيف الحصار بخطوة باتجاه تخفيف التوتر على الحدود. السؤال الآن مُوجّه للفلسطينيين، فلقد بلغت السكاكين الحناجر، ما يرتب عليهم إجراء تغيير جذري في حساباتهم، وأن يتداركوا الوقت الذي ينزف دماً، وحقوقاً.
بقلم/ طلال عوكل