إنهم يسرقون الوطن ... إننا نغادره

بقلم: عدنان الصباح

الخميس 11/10/2018 الآلاف ممن اعتادوا العودة الى بيوتهم في شمال الضفة الغربية لم يتمكنوا من فعل ذلك كعادتهم ويعرف سكان شمال وجنوب الضفة الغربية صعوبة التنقل بين الشمال والجنوب مع الوسط مساءات كل خميس بسبب عودة الموظفين وأسرهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة الكبيرة حرصا على ترابط أسرهم وعائلاتهم, لكن الخميس المذكور كان مختلفا فقد قرر بضعة مستوطنين قطع الطريق قبل مفرق زعترة وهو الشريان الوحيد الواصل بين الشمال والوسط ويشبه في ذلك معبر الكونتينر في الطريق الى بيت لحم والخليل وبين زعترة واللبن يسيطر المستوطنين كليا على الطرق وقمم الجبال بما يلغي قدرة الفلسطيني ان أرادوا على التواصل مع ارض وطنه.

عشرات قليلة فقط من المستوطنين تمكنوا من منع الآلاف من المواطنين الفلسطينيين من التنقل والتواصل ففضل بعضهم الاستغناء عن جمع شمل العائلة نهاية هذا الأسبوع او تأجيل ذلك لما بعد ولكن الذي ظل غائبا هو كيف يمكننا ان نمنع ذلك في المستقبل فيما لو تواصلت المستوطنات المذكورة بعضها مع بعض ووجدنا أنفسنا مجبرين على المرور من وسط مدينة للمستوطنين هم أصحاب القرار فيها ان تواصل التحرير بالغياب.

حين قررت متأخرا المجازفة بالعودة الى جنين مساء أمس كانت الطرق التي اعتاد الخميس على زحمتها فارغة منا تقريبا بينما تتحرك سيارات المستوطنين وجيش الاحتلال وشرطته بكل أريحية وكأننا تنازلنا عن حقنا بالوصول الى بيوتنا خوفا من بضعة عشرات من غرباء مأجورين جاءوا هنا لسرقتنا علنا واستوقفني الأمر طويلا كيف نقبل بذلك وأين هو الانتماء للبيت ولماذا لا ندافع عن حقنا جماعيا ونصفق لأعمال فردية هنا وهناك ثم حتى لا نحميها وعادة ما يقع أصحابها فريسة سهلة لجيش الاحتلال الذي زرع بلادنا بكاميرات مراقبته بل وحتى صار يستخدم كميراتنا في البيوت والمصالح الاقتصادية الفلسطينية فلقد انتقل جيش الاحتلال أمس ليلا وعبر متابعته للكاميرات الى القرى الفاصلة بين جنين ونابلس وطولكرم للبحث عن منفذ العملية, وحين تنشر قوات الاحتلال مقطع لفيديو لشاب مطلوب نسارع نحن لتناقل الفيديو بشكل لافت حتى تصبح قدرة هذا الشاب على الاختفاء أصعب وأصعب فما الذي نفعله نحن بأنفسنا.

بكل بساطة تنازلنا عن حقنا بالعودة الى بيوتنا يوم الخميس المذكور وبكل بساطة نواصل إدارة الظهر لوحدتنا في الضفة وغزة وبكل بساطة نتناقل علنا حكاية تسريب أرضنا وعقاراتنا في القدس وغيرها للمستوطنين, لا وحدة بين الفصائل ولا تواصل بين المناطق والمستوطنين يتزايدون ونحن نتناقص يوما بعد يوم ومؤسساتنا معطلة وفصائلنا غائبة عن الفعل الوطني كليا وكأنها لا تعيش بين ظهرانينا ولا تعاني ما نعاني ويصمت الجميع عن تسرب شبابنا الى الخارج بأشكال وأشكال حتى باتت مغادرة الوطن تكاد تكون حلم الجميع فكيف لوطن ان ينتصر بمثل هذه العدة المهترئة من قبلنا جميعا بلا استثناء اللهم إلا بعض الأفراد الذين حتى لم يعد احد يتبنى بطولاتهم او تضحياتهم او إقدامهم علنا وغاب حتى التمجيد لهم إلا من نشر صورهم على صفحات الفيس بوك والتي يدرك الجميع حجم ضررها لا فائدتها ولا حياة لمن تنادي.

الاحتلال ومستوطنيه ماضون جيدا بمشروع تقسيم بلادنا ونحن ماضون جيدا بالانشغال بعيدا عنهم اللهم إلا من بعض أنشطة فردية هنا وهناك لا يمكن لها ان تشكل أساسا للتحرير او الحرية فلا زال هناك فينا من يعتصم في الخان الأحمر دون كلل ولا ملل لكن الأمر لم يصل حد الاستنفار الوطني العام لحماية كل مكان او ارض مهددة بالسرقة فلا برامج كفاحية واضحة ومحددة تلزم الجميع بالعمل اليومي المتواصل بل أنشطة موسمية متفرقة هنا وهناك ولا تنمي للفعل الجماعي المشترك فقد يكون نشاط ما في موضوع الخان الأحمر يتركز لهذا الفصيل وموضوع الأسرى لفصيل آخر والجدار لفصيل ثالث والقدس لرابع وغزة لا احد يذكر حالها إلا في البيانات والبيانات فقط او في اجتماعات القاهرة.

اكبر مأساة لم يعرف التاريخ ولن يعرف مثيلا لها ان يتشدق رئيس وزراء الاحتلال علنا عن حصار غزة من رام الله ويكرر العزف على نفس الوتر هو وأركان حكومته جميعا حتى بات الجميع يصدق بما فيهم نحن ان غزة محاصرة من رام الله بل ان البعض منا باتت الكذبة تعجبه وبات مصدقا ان روح غزة بيد رام الله وينسى الجميع او يتناسى بما فيهم نحن ان الحصار فرض على بلادنا منذ العام 2006 أي بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي غابت وغاب معها مجلسها كليا وكل ما فعلناه نحن أننا نقبل بان نرتدي عباءة الجريمة الكونية ضد غزة ونقبل بأن " يسكبون طبختهم في حجورنا ".

أجد نفسي مجبرا على التكرار متسائلا كيف سنمسك بشبابنا في وطن هذا حاله من صراعات وانقسامات وانشغال بالذات حتى بات قانون الضمان الاجتماعي أهم من القدس وراح الجميع يتحذلق بالأمر وينشغل به دون حتى تمحيص فلا المدافع عن القانون قدم ردودا جدية وحقيقية بل بعضهم تحدث بمهازل أكثر منها ردود ولا الرافض للقانون يدرك معنى رفضه وخطورة ما يقول فالذي يتحدث عن سحب السيولة من السوق ينسى ان هذه النقود أصلا ليست في السوق ولم تكن يوما فيه والذي يخشى ان تقترض السلطة من الصندوق يقبل ان تواصل اقتراضها من البنوك ودفع الفوائد لها.

لا عروبة للقدس إلا في الأغاني والكتب التي لا يقراها احد أصلا وقد انتقلت عروبة القدس الى كفر عقب والعيزرية والضواحي ولا وطن متواصل ولا فصائل متواصلة ولا برامج كفاح حقيقية او جدية ولا أفعال وحدة ولا أفعال كفاح ولا بناء للوطن وناسه ومؤسساته وقواه وكل جهة لديها ما لديها فمكانيا منقسمين بين منشغل بقانون القومية ويريد دولة لكل مواطنيها ولم تعد فلسطينيته تعنيه بشيء وبين لاجيء مشرد بات الدفاع عن الاونروا اسبق من الوطن والعودة فالخبز قبل البيت وفي غزة نبحث عن نقطة زيت تنير قناديل الليل ساعة أكثر ولم نعد ندري شمال الخليل من جنوبها وعلى أكتاف بيت لحم تتربع مستوطنة أبو غنيم وما أدراك ما أبو غنيم سارقة جمال صورة المهد من حواري بيت لحم وفي غيرها ينشغل البعض بتكديس السلاح وقد يكون قاصدا غدا بتحرير البلاد من العباد, وفصائليا منقسمين وعشائريا منقسمين.

هذا هو حال الوطن فاصحابه منشغلون عنه, تاركين له, واللصوص متمسكين به, منشغلين به, لا ترمش عيونهم عنه لحظه, فكيف له ان ينتصر دون ناسه, وكيف لحجارته ان تحمل لوننا ان لم نحملها بأكفنا ونبنيها, ولقد ذكرت مرارا بنشيد الجدناع الصهيوني القائل " دونم هنا ودونم هناك ... كدرة هنا وكدرة هناك ... حجر فوق حجر ... هكذا نبني دولة إسرائيل ", انهم يغنون أفعالهم ونحن لا علاقة لنا بالفعل وان كانت أغانينا لا تنام في حناجرنا, هم يغنون للتراب والأكف العاملة ونحن نغني للسحاب والذكريات العابرة أليس من العار ان لا نخجل من عهرنا هذا ونعود لذواتنا لتصير ذات واحدة صامدة فاعلة صادقة مكافحة بالفعل وعلى الأرض بلا تخريب ولا انشغال بقضايا جانبية قد تبقي لنا خبزنا ولكنها لن تعيد لنا الوطن.

بقلم/عدنان الصباح