إدخال الوقود لقطاع غزة والإبتزاز الإسرائيلي

بقلم: راسم عبيدات

الإحتلال يحاول دائماً القفز عن القضايا السياسية والحقوق المشروعة لشعبنا ،وتصوير الأمور كأنها قضية إنسانية وتحسين ظروف وشروط حياة شعبنا تحت الإحتلال،وكأن الإحتلال نفسه،ليس أساس البلاء والشرور كلها.ولذلك سعى دائماً الى ربط رفع الحصار المستمر والمتواصل على قطاع غزة منذ أكثر من عشرات سنوات بوقف كل أشكال المقاومة في البداية كان الحديث يجري عن تدمير الأنفاق وتجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها ولتصل الأمور مع إنطلاق مسيرات العودة في الثلاثين من العام الحالي الى وقف تلك المسيرات وما يرافقها من إطلاق للطائرات الورقية والبالونات الحارقة وكذلك العمل على إنهاء عمليات الإرباك الليلي من مشاغلات وإرباكات دائمة لجنود الإحتلال ومستوطنيه.

تلك المسيرات إستطاعت ان تجذب الإهتمام العالمي الى المأساة التي يعاني منها شعبنا نتيجة الحصار الظالم الذي يقتل كل أشكال الحياة في القطاع من قبل المحتل الصهيوني وبتواطؤ من المجتمع الدولي ومشاركة امريكية ....ولذلك بعد إنطلاق مسيرات العودة التي ما أن تخبو جذوتها قليلاً حتى تعود من جديد بزخم اكبر وأقوى وبإبتكارات نضالية مقاومة والتي كان اخرها استخدام السهام الحارقة في مقاومة المحتل ..نحن ندرك تماماً بان كل المبادرات التي تطرح سواء كانت اسرائيلية او امريكية او حتى دولية،تريد ان تغلف الحياتي والإقتصادي بالسياسي ...تريد ان يقدم شعبنا تنازلات سياسية مقابل الموافقة على تخفيف شروط الحصار وليس رفعه،ولا احد بخاف عليه ان امريكا واسرائيل لهما اهدافهما في تلك المبادرات،واولها ان تكون غزة مدخلاً لتطبيق صفقة القرن الأمريكية،صفعة العصر،وأن يجري العمل على إقامة دويلة فلسطينية في القطاع،تمهيداً لفصل القطاع عن الضفة الغربية،بما يمكن اسرائيل من الإجهاز على مدينة القدس بشكل نهائي والتهام الضفة الغربية ...ولكن ليس بإعتقادي الجازم،بان هناك أي قيادة فلسطينية،مهما غالت في مصالحها الفئوية والخاصة،مستعدة للتضحية بقضايا شعبنا الإستراتيجية،الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وتقرير المصير والعودة،مقابل ان يستمر حكمها وسيطرتها على القطاع،او تحسين الشروط والظروف الاقتصادية لشعبنا من خلال تخفيف شروط الحصار،وربط ذلك بوقف مسيرات العودة...ومع إستمرار مسيرات العودة وما يرافقها من مظاهر مقاومة شعبية ،يلجأ فيها المحتل الى قتل المتظاهرين السلميين تزداد النقمة على المحتل والإصرار على مقاومته..وكذلك يزداد عري هذا المحتل الظالم،والذي يحاول دوماً أن يصور ويسوق نفسه على أنه ضحية الإرهاب،وهو الذي يمارس كل أشكال الإرهاب بحق شعبنا الفلسطيني..ولذلك مع تعمق ازمة المحتل...تتواصل المبادرات من اجل تخفيف الحصار عن القطاع،والتي كان اخرها المبادرة بإدخال الوقود المدفوع الثمن من قطر الى القطاع عبر دولة الإحتلال،من اجل زيادة ساعات الكهرباء من 4 ساعات الى 8 ساعات ،طبعاً الإدخال تم بمشاركة دولية من الأمم المتحدة...ولكن عملية إدخال الوقود القطري،كان المحتل يراهن على أن تكون ضمن شروطه،بان يجري وقف مسيرات العودة او التخفيف من حدتها،ولكن وجدنا ان الجمعة التي اعقبت إدخال الدفعة الأولى من الوقود القطري،كانت أكثر اشتعالاً وأكبر حجماً ومشاركة شعبية وجماهيرية من المسيرات السابقة،وكان العدو فيها أكثر دموية ووحشية،حيث سقط في تلك الجمعة سبعة شهداء بنيران قناصة جيش الإحتلال ومئات الجرحى....مع التأكيد على مواصلة المسيرات في الجمع القادمة،حتى يتحقق كسر الحصار ورفعه عن القطاع،ونتاج لهذا الموقف،وجدنا بان المحتل أمر على لسان وزير جيشه ليبرمان،بوقف إدخال الوقود الى قطاع غزة،وهذا يؤشر على انه لا صحة على ما يشاع،بان حركة حماس او غيرها تسعى لمقايضة الكاز والسولار بالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا،فشعبنا الذي إنطلق في مسيرا العودة،هو لم ينطلق بها من اجل الغاز والسولار،رغم أن ذلك حق إنساني لشعبنا،بل هو يريد أن يرفع الحصار بشكل كامل وان تتحقق أحلامه في العودة الى مدنه وقراه التي طرد وشرد منها بفعل الإحتلال.

إن حالة المناكفات الداخلية والتحريض العالي بن طرفي الإنقسام ( فتح وحماس)،تجعل كل طرف يتوجس السيء من الطرف الآخر،وهذا يلقي بظلاله على الوضع الفلسطيني وعلى شعبنا وحقوقه وقضيته،ويؤثر على الحالة المعنوية لشعبنا،وتزداد عدم ثقته بالأحزاب والفصائل،والتي بات يرى بان ما يهمها بالدرجة الأولى مصالحها الفئوية والحزبية على حساب المصالح العليا لشعبنا الفلسطينيإ،والتي بات خطر الإنقسام الذي يتجه نحو الإنفصال اكبر خطراً عليها من الإحتلال نفسه،وانه من المخجل والمعيب أن يتدخل المحتل لدى هذا الطرف او ذاك لتسهيل وتخفيف شروط وظروف الحياة لشعبنا في قطاع غزة.

المأساة أننا مللنا جولات الحوارات والمفاوضات والزيارات المتكررة لطرفي الإنقسام الى القاهرة من اجل الإستجابة للوساطة المصرية في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني،في إنهاء الإنقسام والشروع بخطوات جدية نحو الوحدة على قاعدة الشراكة الحقيقة،تغيب نهج الإقصاء والإستئثار والهيمنة و التفرد وإمتلاك الحقيقة المطلقة،وجميعنا يدرك بأنه بدون تنازلات من الطرفين،لن يكون إتفاق وتوحد،بل مزيد من الشرذمة والإنقسام والضعف الداخلي،الذي سيمكن من السماح للمشاريع المشبوهة للولوج الى الساحة الفلسطينية،من خلال هذا الباب،وكاننا في النهاية نقول فليهدم المعبد على رأسنا ورأس شعبنا،إما انا أو فليأتي الطوفان من بعدي.

الوصف الدقيق لما يجري على حدود قطاع غزة هو "معركة عض أصابع"، مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد مرور أكثر من 200 يوم على انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار، التي حولت مستوطنات غلاف القطاع إلى مناطق منكوبة جراء البالونات الحارقة ووحدات الإرباك الليلي.

أمام سقوط عشرات الشهداء والجرحى، بقناصة الاحتلال، ترفض المقاومة الفلسطينية وقف المسيرات إلا برفع كامل للحصار المفروض على القطاع،رغم كل التهديدات التي يطلقها قادة دولة الاحتلال وجيشه بشن حرب عدوانية شاملة على شعبنا الفلسطيني ومقاومته في القطاع.

إن الخيار العسكري ضد القطاع، على غرار سيناريو الحروب الثلاثة السابقة في العام 2008 و2012 و2014؛ لن تفضي إلى حل مشكلة القطاع، فإحتلال القطاع مستبعد، باعتباره مستنقع لا تستطيع إسرائيل خروج منه بدون ثمن.

انا أرى بأن مسيرات العودة ستستمر وتتواصل مبتكرة في سياق استمرارها وصيرورتها أشكال مقاومة جديدة،من اجل تحقيق كسر الحصار ،وبالمقابل سيستمر الإبتزاز السياسي الإسرائيلي والتهديد بشن حرب شاملة على المقاومة وشعبنا،ومع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية ستزداد تلك التهديدات،والتي أرى انها لن تصل حد الحرب الشاملة.

 

القدس المحتلة – فلسطين

14/10/2018

0525528876

[email protected]

بقلم/ راسم عبيدات