اعتقادي الجازم بان مملكة الرمال التي تعودت على الإستجداء والخنوع منذ 80 عاماً،ورغم امتلاكها التريليونات من الدولارات كمردود وعائد مادي من الثروة النفطية الكبيرة وعوائد الحج والعمرة والسياحة الدينية،فإنها لم توفر عوامل المنعة المجتعية الداخلية،ولم تحدث أي ثورة او نقلة نوعية إجتماعية وإقتصادية وتكنولوجية في المجتمع السعودي،بل حكمتها العلاقات العشائرية والقبلية المتخلفة،والجهل والتخلف وفتاوي المؤسسة الدينية الموظفة لخدمة العائلة المالكة،وبالتالي هي لم تبن دولة عصرية من خلال اقتصاد قوي قائم على الإنتاج الصناعي والزراعي ،بل بقيت مملكة ريعية يعتاش مئات وربما ألآلاف امرائها وشيوخها على نهب خيرات وثروات الشعب السعودي،مقابل حماية عسكرية وامنية خارجية توفرها لهم امريكا،وكذلك انتج الحكم الثيوقراطي دولة بوليسية قمعية من الدرجة الأولى،بحيث جرت مصادرة الحريات العامة والشخصية وكممت الأفواه وأصوات المعارضة خفتت،فالمعارض مصيره السجن او اعواد المشانق..أما القرار السياسي والأمني للمملكة،ليس فقط في شؤونها الخارجية فقط،بل حتى في قضاياها الداخلية،بقي خارج إطار سيطرتها وسيادتها،ولذلك حكمت علاقتها بامريكا علاقة العبد بسيده،علاقة التبعية،وتلك العلاقة خلقت عقدة من " الإرتعاش" السياسي المستديمة في تعامل المملكة مع امريكا،بحيث لا تجرؤ القول لها لا او الإعتراض على أي مشاريع او قرارات تطلب مصادقتها وموافقتها عليها.
وفي هذا الإطار لا ننسى الدور السعودي الكبير بطلب امريكي مباشر في توريط العراق زمن الشهيد الراحل الرئيس صدام حسين في حرب مع ايران لمدة ثماني سنوات من اجل استنزاف القدرات العسكرية لإيران والعراق معاً خدمة للمشروع الصهيوني،وكذلك السعودية،كانت هي الممول الرئيسي للحرب العدوانية على العراق التي شنتها امريكا ودول الغرب الإستعماري عليه،تحالف "حفر الباطن" بقصد تدميره وتفكيكه وقتل علمائه وتدمير مراكز أبحاثه.
والسعودية كانت من اكبر المحرضين للإدارة الأمريكية السابقة على شن حرب عدوانية على طهران،لتدمير برنامجها النووي،وكذلك هي وقفت ضد أي اتفاق امريكي مع طهران حول برنامجها النووي،وحينما فشلت في منع هذا الإتفاق ،استمرت في عدائها وتحريضها على طهران،حتى جاءت الإدارة الأمريكية الحالية المتطرفة،ورئيسها القادم من الريع العقاري الإحتكاري،والذي يكن كرهاً عميقاً للعرب والمسلمين،ويتعامل مع قضايا العالم بلغة الأرقام والمال و" البزنس" والوكالات والعمولات..ويرى بان امريكا ليس مطلوباً منها ان تقدم حماية مجانية لحلفائها،بل عليهم الدفع مقابل هذه الحماية،والسعودية في مقدمة المطلوب منها الدفع...ولذلك كانت هناك القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية في الرياض 20/ ايار/2017،والتي اصطف فيها العرب والمسلمين خلف امامة ترامب لهم،وبدا موسم " الإستحلاب" المالي،حيث تمكن ترامب من " إستحلاب" ما لا يقل عن 460 مليار دولار من السعودية استثمارات تجارية واقتصادية في امريكا وشراء أسلحة وودائع بنكية وغيرها.
ومن بعد ذلك بدا مسلسل "الإستحلاب" المالي،وزاد جشع وطمع ترامب في أموال السعودية والخليج،فهو لا يترك مناسبة إلا ويطالب السعودية بالدفع،تارة السعودية لديها الكثير من المال ويجب ان تدفع لأمريكا، وتراه اخرى تحت بند الحماية،وانه لولا الحماية الأمريكية لأحتلت ايران السعودية خلال 12 دقيقة..وتارة اخرى بالطلب من السعودية دفع تكاليف بقاء القوات الأمريكية في سوريا،او الدفع من اجل تنفيذ مشاريع إعمار في المناطق الواقعة شرق الفرات في سوريا،والخارجة عن سيطرة الدولة السورية،ناهيك عن التهديد لمنظمة "اوبك" المصدرة للنفط،والتي السعودية من اكبر المنتجين والمصدرين للنفط فيها،بعدم رفع أسعار النفط،لأن ذلك سيؤثر على الإقتصاد الأمريكي ورفاهية شعبه.
وفي ظل التهديدات الأمريكية لطهران وفرض العقوبات الإقتصادية عليها من جديد بعد الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق الدولي مع طهران حول برنامجها النووي،وتهديد امريكا بداية من الشهر القادم بمنع طهران من تصدير نفطها ( التصفير النفطي)،وما قد يترتب عليه من قيام طهران بإغلاق مضيق هرمز، فقد طلبت امريكا من السعودية تغطية العجز الناتج عن عدم قدرة طهران على بيع نفطها،والبالغ 2 مليون برميل يومياً،حصة طهران من السوق العالمي، مما دفع ذلك زيارة ولي العهد السعودي بن سلمان للكويت،من اجل استغلال المنطقة النفطية المتنازع عليها بين البلدين،حقول الخفجي والوفرة،والتي يقدر انتاجها ب 500 ألف برميل يومياً،ولكن تلك الزيارة فشلت،ورفضت الكويت التخلي عن حصتها في الحقلين.
التهديدات والوقاحة الأمريكية،بلغت ذروتها بعد اختفاء الكاتب الصحفي السعودي المعارض الخاشقجي،حامل الجنسية الأمريكية،حيث دخل السفارة السعودية في تركيا،ولم يخرج منها،وكل الدلائل والمعطيات والمعلومات التي بحوزة الحكومة التركية،تشير الى انه جرت عملية قتلة بطريقة وحشية استخدمت فيها المناشير لتقطيع جثته.
هذه الحادثة تجاوزت أبعادها وتداعياتها حدود مملكة الرمال،لكي تنهال الإتهامات على بن سلمان بالتورط الشخصي في إغتيال الخاشقجي، وحليف بن سلمان القوي الرئيس ترامب،الذي كان قد صرح مقللاً من قيمة وحجم وتداعيات الجريمة المرتكبة وبشاعتها،وبأن الخاشقجي ليس مواطناً أمريكياً ولم يقتل على أرض أمريكية،وكذلك هناك تجارة سلاح مع السعودية بقيمة 110 مليارات،إلغائها سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأمريكي وعشرات ألآلاف الوظائف،ولكن اضطر للتراجع عن تصريحاته تلك،بعد ان حصل على ادلة وتأكيدات من حلفائه الأتراك القدماء الجدد،بان خاشقجي قتل داخل السفارة السعودية في تركيا،وجرى تقطيعه فيها،ليعلن انه اذا ما تاكد تورط السعودية في عملية القتل الوحشي،فإنه بصدد إنزال عقاب شديد في السعودية،واعتقد بان الصفقة التي عقدت بين أمريكا وتركيا والمتضمنة إطلاق سراح القس الأمريكي اندرو برانسون المسجون في تركيا،وتسليم الشريط الذي يوثق عملية قتل المعارض السعودي في السفارة التركية لأمريكا مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن تركيا،سيوفر مادة دسمة لترامب،لكي يمارس اعتى اشكال البلطجة و" الإستحلاب" المالي بحق السعودية،ليس فقط إبتزاز سلمان لدفع المليارات من الدولارات،بل تجميد الودائع والأصوال السعودية في أمريكا،على غرار ما جرى بالودائع والأموال الإيرانية بعد نجاح ثورة الخميني في عام 1979 م،ولا اعتقد بان التهديدات السعودية بإستخدام عقوبات موجعة بحق أمريكا اقتصادية ومالية وعسكرية ونفطية في إطارالتصدي لأية عقوبات أمريكية اقتصادية وسياسية قد تقرض عليها،نتيجة قتل الخاشقجي والتمثيل بجثته، ستكون السعودية قادرة على تنفيذها،بحيث تقدم على التزود بالسلاح من روسيا والصين،وتخفض تزويد السوق العالمي بالنفط،بما يرفع سعر البرميل الواحد الى اكثر من 200 دولار،وكذلك تسعير نفطها بالروبيل الروسي او اليوان الصيني،والمصالحة والتحالف مع ايران وحزب الله،ألد أعداء أمريكا......والسيناريو الأقرب والمرجح تنفيذه...صفقة تحمل السفير السعودي في تركيا وليد الخريجي المسؤولية عن قتل وتقطيع المعارض السعودي الخاشقجي،وتبرأة بن سلمان ووالده سلمان من المسؤولية ،مقابل ان يستمر بن سلمان في دفع " الجزية" لترامب مليارات من الدولارات النقدية،وأخرى لصفقات السلاح الأمريكي والإستثمار في القطاعات الاقتصادية الأمريكية،مع بقاء السيف مسلطاً على رقبته،إذا ما رفض او تباطأ في الدفع،بتفعيل قانون "جاستا" بالحجز على الأموال والودائع السعودية في البنوك الأمريكية،كتعويضات للمواطنين الأمريكان الذين قتلوا في أحداث 11 سبتمبر/2001،كون من شاركوا في احداث البرجين مواطنين سعوديين.
قناعتي التامة بانه بعد تأكد تورط السعودية في قتل وتقطيع الخاشقجي داخل السفارة السعودية في تركيا،فإن زلزال سيحدث في أوضاع مملكة الرمال،وستؤسس مرحلة اغتيال الخاشقجي لعلامة فارقة في وضع المملكة،فوضع السعودية بعد أزمة قتل الخاشقجي لن يكون كما قبله،بل ستشهد المملكة تطورات وتغيرات داخلية وخارجية كبيرة.
بقلم : - راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
15/10/2018
0525528876
[email protected]