ثمة ما هو مهم ان نشخص ما يحدث على حدود غزة في النطاق الاستراتيجي ومن العبث ان نصب كل اهتماماتنا بين تصور تكتيكي وعبثي من بعض بث وسائل الاعلام ، فباعتقادي ان ما تتحدث عنه مسيرة العودة وان كانت اهدافها تكتيكية وبعنوان رفع الحصار الا ان ما يحدث يشكل خطرا استراتيجيا على المشروع الصهيوني واستحداثاته وتعديلاته بما يحدث من متغيرات ، ولكن الحقيقة وقد نقفز على موضوع الردع والردع المتبادل والغير متكافيء وقد يكون المقلاع والحشود الفلسطينية ومحاولات اجتياز السلك الشائك من قبل الشباب الفلسطيني هي اخطر بكثير على مفهوم الامن والبقاء لاسرائيليين انفسهم من اطلاق ا1000 صاروخ وقذيفة هاون على اسرائيل ، قد ياخذ البعض مفهوم الاجتياز للحدود وما يحدث من خسارة في الارواح انه تهور ، وان كان الحدث بسيط من حيث التاثير ولكن جوهره كبير استراتيجيا وكسر حالة التردد وما يقال عن ان اسرائيل بقوتها تستطيع ان تواجه حدث شعبي فلسطيني اكبر من ذلك وتحدث فيه خسائر كبيرة.
امام هذا المأزق الاسرائيلي نلاحظ حالة التخبط لدى صناع القرار في اسرائيل والتأرجح بين الحرب والمفاوضات مع المقاومة الفلسطينية وهي القادرة على وقف الزحف الشعبي والذي كلما ازداد الحصار على غزة سيزيد زخما وابداعا في احداث ارباك واستنفار دائما لكل قوى اسرائيل المؤسساتية سواء امنية او عسكرية او سياسية او اقتصادية .
قادة اسرائيل وبعد اجتماعات متكررة للكابينت خرجوا بالمحصل لا اتفاق حول اي تصور عسكري لانهاء مسيرات العودة او وجود المقاومة ففي كل الخيارات العسكرية لن تنهي وجود المقاومة او تنهي تهديدا ديموغرافيا يتسم بالشجاعة والتضحية وبالبعد الاخر قد يفتح المجال على مصراعية لحالة فوضى في نظر البعض لكنها ستكون حالة اعنف للمقاومة الشعبية التي ستكلف اسرائيل الكثير اذا ما استطاعت الدخول الى شوارع غزة وحاراتها ، الاسرائيلين لا يلعبون ايضا فهم يمتلكون الكم من المعلومات حول طبيعة تسليح المقاومة ونوعيته وتأثيره فلدى حماس والجهاد وفصائل اخرى اسلحة فعالة ضد الدبابات وصواريخ تصل الى 160 كيلو متر وطائرات بدون طيار متطورة وسلاح بحري وضفاضع بشرية ومضادات للطائرات غير اساليب القتال الميدانية لدى عناصر المقاومة .
تهديدات قادة اسرائيل من ليبرمان الى نتنياهو بالمقارنة مع تصريحات لقادة اخرين تعكس مدى التخبط الذي يعاني منه اعضاء الكابينت ففي حين يصرح ليبرمان باننا لن نواجه حماس من اجل ابومازن يصرح وزير الشين بيت بانه يجب عدم اضعاف ابو مازن وتارة اخرى يقول ليبرمان اتت ساعة مواجهة حماس وتصريح سابق يقول بدلا من مواجهة حماس يجب ان نصل الى تهدئة وحلول انسانية لقطاع غزة ، اما نتنياهو فهو مشغول بالجبهة الشمالية وايران التي لا تبعد عن حدود فلسطين المحتلة سوى كيلومترات قليلة بالاضافة الى قدرات حزب الله التي امتلكت تمرس قتالي في سوريا .
وزير الطاقة الاسرائيلي شتاينتس يصرح""يجب اتخاذ كافة التدابير، والقيام بمجهود كبير، من أجل التوصل إلى تهدئة مع حماس بغزة"، معربا عن خوفه من أن تؤدي التظاهرات على حدود غزة، إلى اندلاع حرب جديدة، لا يكون لها أي أهداف." اما وزير الاسكان الاسرائيلي غيلانت معلقا : علينا التفكير 10 مرات قبل ان نصل الى خيار الحرب وطلباتنا من غزة تتلخص في ثلاث مطالب " الهدوء،نزع السلاح، ورفع المسؤلية عن قطاع غزة"
نحن نريد ثلاثة أشياء من قطاع غزة، الهدوء، ونزع السلاح، ورفع المسؤولية عنه".اي نزع السلاح مقابل رفع المسؤلية يعني ذلك تهويد الضفة تماما ودويلة غزة منزوعة السلاح، ويعتبر هذا التصريح اخطر تصريح يقوم به مسؤول اسرائيلي يوضح ما تريده اسرائيل امنيا وسياسيا وبمقابل اعطاء الحرية لغزة بكيانية منفصلة عن الضفة التي تهود بشكل ممنهج.
ولكن اتذكر ما ورد في مذكرات هيلاري كلنتون وفي احدى مقابلاتها مع نتنياهو حينما وجهت له سؤالا قائلة لو استيقذتم ذات صباح ووجدمتم حشود مليونية من المدنيين الفلسطينيين في غزة يخترقون الحدود رافعين اعلام بيضاء ويطالون الرجوع لبلداتهم ماذا بكم ان تتصرفوا ، فيستحسن ان تعيدوا حساباتكم بالنسبة للسلطة والدولة الفلسطينية ، واستطردت قائلة لو استخدمتم القوة ما هو موقفكم امام العالم .؟؟ وهل سينفعكم مفاعل ديمونا وصواريخكم وطائراتكم..؟! بالتاكيد ان هيلاري كلنتون وضعت يدها على الخطر الاستراتيجي الذي يهدد اسرائيل ، في لو استمر التعنت الاسرائيلي في قبول حل الدولتين ، الان اسرائيل تعمل جاهدة على ضم مساحات كبرى من الضفة بمقابل سلطات محلية للمدن فبالامس مسؤول المناطق الاسرائيلي اقفل مدرسة في الضفة بقرار اي خارج سلطات السلطة والتعليم ، اما غزة فالاطروحات لدولة في غزة وهذا ما ترفضه فصائل المقاومة ، الاحتلال يعتبر ان دولة في غزة هبه او منحة ولكن في الحقيقة هو درء خطر استراتيجي يؤدي للدولة الواحدة ، حقيقي ورغم المشهد الفلسطيني المؤلم الا ان مسيرات العودة والحكمة في استخدام العسكرة هو تهديد فعلي لاسرائيل يجعلها تتخبط وتارة اخرى وكمحاولات لاعطاء بعض الحلول التسكينية في مجال الخدمات لقطاع غزة واغداق بعض الاموال او ان تقوم الدول المانحة بتحويل موازنة غزة مباشرة اذا ما كان محمود عباس قرر مزيد من العقوبات وحل المجلس التشريعي اي ان كل مقومات الانفصال اصبحت حقيقة ، وبالتالي جر فصائل المقاومة للتعامل مع هذا الواقع وفي ظل عدم الوصول لمصالحة وكما اعتقد ان اوراقها ليست غالبيتها في يد الطرفين ولكن افتراضا ، اذا كانت ضرورة لحل المجلس التشريعي الذي هو العمود الفقري للسلطة قانونا فيجب ان يأتي برؤية اعلان الدولة على الارض ووضع العالم امام مسؤلياته وبما يحقق استحداث وتحديث لكل المؤسسات الرئاسية والتشريعية وعقد مؤتمر وطني ومن المفضل ان يكون مؤتمر شعبي عام يضع برنامج يضع الحالة العلاجية لتكريس الدولة والسيادة والاستقلال ومن خلال برنامج مقاوم وتعبئة في كل ارجاء الوطن المحتل ، ومع ذلك اعتبر ان حل الدولتين بدولة منزوعة السلاح هو اجراء وقائي يدعم قانون القومية الاسرائيلية ويثبت المشروع الصهيوني استراتيجيا . فمسيرة العودة لو اخذنا برؤية هيلاري كلنتون سيكون هو مفتاح تغيير الواقع على الارض الفلسطينية .
بقلم/ سميح خلف