إن الحديث المتكرر في وسائل الإعلام العبرية وعلى لسان قادة إسرائيل الأمنيين والعسكريين والسياسيين بضرب غزة , بات واضحا أنه مجرد حديث وليس على محمل الجد , وهو يشبه الشعارات المتكررة والتي تطلقها حركة حماس أيضا عبر وسائل الإعلام , وفي مقارنة بين الحديثين نجد أنها مجرد تهديدات من شأنها حفظ ماء الوجه لدى الطرفين ليس أكثر , فلا زالت العلاقة بين حماس وإسرائيل مصحوبة بالخجل , فلا يستطيع أحد منهم أن يتحدث مع الآخر إلا من خلال وسيط ثالث , وكما تعلمون أن الوسيط بين حماس وإسرائيل هو جهاز المخابرات المصرية , وهو من مهمته كسر حاجز الخجل بينهما رويدا رويدا حتى يستطيعون الجلوس سويا دون أي خجل ووسيط .
بات من المؤكد أن حماس تسعى لسلام مع إسرائيل , وذلك عبر بوابة الهدنة طويلة الأمد , ومن ثم هدنة ومن ثم هدنة وصولا الى إتفاقية سلام .
لقد أعلنت حماس رسميا أنها متمسكة بالهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل رفع الحصار الجزئي عن قطاع غزة , وأعلنت إسرائيل أيضا إستعدادها لذلك , وكاد الأمر أن يتحقق لولا تدخل أبو مازن ومنظمة التحرير في الوقت الأخير , وإستطاعت أن توقف كل شيئ في رسالة واضحة لحماس أن منظمة التحرير لا زالت صاحبة النفوذ عند المصريين , ورغم ذلك لا زالت حماس متمسكة بالهدنة , ولا زالت إسرائيل مستعدة لذلك , ولكن هناك توتر بين الطرفين على أرض الواقع على إعتبار أن الهدنة المرتقبة لا زالت في المطبخ السياسي غير ناضجة , وهذا التوتر والذي نتج عنه تهديدات بالحرب من قبل إسرائيل , وشعارات بالضرب من قبل حماس , ما يسمى بعلاقة الخجلانين , فكل طرف يريد أن يثبت للرأي العام أنه قادر على حماية نفسه وأنه ليس متلهثا وراء هدنة .
هناك رسائل متبادلة وواضحة بين حماس وإسرائيل تسعى الى كسر حاجز الخجل عبر الوسيط المصري , وكان آخرها ما حملوه ضباط المخابرات المصرية ومن خلال زياراتهم المفاجئة لغزة الأمس واليوم .
هناك أيضا قرار صدر اليوم من قيادة مسيرات العودة بعدم الإقتراب على السلك والمواجهة المباشرة , والعودة الى مسماها الحقيقي "السلمية" وصولا الى إيقاف المسيرات كليا .
هناك تحقيقات من الأجهزة الأمنية في غزة لمعرفة هوية مطلقي الصاروخين على السبع , ووصفهم بالخيانة والخروج عن الصف الوطني .
هناك الكثير والكثير من الشواهد والتي تؤكد لنا رغبة إسرائيل وحماس بسلام شامل بإستثناء منظمة التحرير, إبتداء من خطوات كسر حواجز الخجل بين الطرفين , ووصولا الى مفاوضات مباشرة بمعزل عن الضفة الغربية ومنظمة التحرير .
أعتقد أن لا أحد قادر على التصدي لهذا المشروع والذي سيفصل غزة عن الضفة الغربية كليا وبلا عودة , غير السلطة ومن خلال عودتها الى غزة , لأن وجود السلطة في غزة سيوفر صمام الأمان وهو قضاء الحوائج الإنسانية ورفع المعاناة اليومية , كي لا تصبح ذريعة لمن يريد سلام مع إسرائيل مقابل إمتيازات إقتصادية .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي