مبادرة أبو طارق نخالة في الأسئلة والمصير وما هو المطلوب ؟

بقلم: رامز مصطفى

قبل تناول نقاط المبادرة التي أطلقها أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الأستاذ زياد نخالة ، ثمة أسئلة وجب طرحها تدور في ذهن الكثيرين ممن اطلع على نص المبادرة ، ذات النقاط الخمسة . هل الساحة الفلسطينية بحاجة إلى مبادرات ؟ . وهل ستلقى المبادرة تجاوب من قبل رئيس السلطة السيد أبو مازن وحركة فتح ؟ ، وما مصيرها في حال عدم التجاوب ، هل ستبادر حركة الجهاد إلى دعوة الفصائل المرحبة والمؤيدة للمبادرة إلى الاجتماع ، للبحث في كيفية الخروج من مأزق الانقسام ؟ . ولماذا بادرت الحركة إلى إطلاق المبادرة ، مع علمها المسبق أنها محكوم عليها بالفشل كسابقتها ؟ .
- نعم الساحة الفلسطينية ليست بحاجة إلى أية مبادرات بعد كل هذه السنوات والتي امتدت إلى أكثر من عقد ونصف من الزمن ، وبالتالي هذا الكم من الحوارات التي شهدتها العديد من العواصم ، أي منذ اتفاق القاهرة في أذار 2005 حول تفعيل وتطوير منظمة التحرير وتشكيل الإطار القيادي المؤقت . وبالتالي بعد العديد من الاتفاقات حول إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة ...اتفاق مكة شباط 2007 ... إعلان صنعاء في أذار 2008 ... مباحثات القاهرة 2009 ... محادثات في دمشق بين الفصائل في شباط 2010 ... محادثات القاهرة في تشرين الثاني 2010 ... اتفاق القاهرة في أيار 2011 ... اتفاق الدوحة شباط 2012 ... اتفاق الشاطئ نيسان 2014 ... محادثات الدوحة 2015 و 2016 ... ولقاءات موسكو كانون الأول 2017 ... وليس أخر تلك الاتفاقات القاهرة كان في تشرين الأول 2017 .
- وعن تجاوب السلطة برئيسها وحركته فتح ، لا أعتقد أن ثمة تجاوب مع المبادرة ، وردود كل من عزام الأحمد وعاطف أبو سيف الناطق الإعلامي لحركة فتح تُظهر عدم التجاوب ، حيث قال الأحمد : " لا جديد في مبادرة أمين عام حركة الجهاد زياد النخالة " ، مضيفاً " إنّ خلط الأوراق خطأ ، لكنا رحبنا في البندين الأول والثاني منها ، حيث نصت على أولوية انهاء الانقسام وضرورة اتمام المصالحة ، يكفي التمسك بهاتين النقطتين ، ونطالب الأخ النخالة وحركة الجهاد الاسلامي التمسك بهاتين النقطتين والانطلاق بهما " . أما أبو سيف فعلق على المبادرة بالقول : " المصالحة ليست بحاجة لمبادرات جديدة ولا اجتهادات مختلفة ، بل هي بحاجة لمن يقول كلمة الحق ، ويشير بالأصابع لخمسة على من يرفض الاتفاقيات التي تم توقيعها " .
- حركة الجهاد وهي تعلم أن مبادرتها محكوم عليها بالفشل ، قد بادرت إليها من خلفية مسألتين ، الأولى أنها أتت بعد الانتخابات الأخيرة للحركة ، والتي جاءت بأمين عام ومكتب سياسي جديد . والثانية القول لمن يعنيهم الأمر ، وهي السلطة برئيسها وفريقه وحزبه حركة فتح ، أن مواقف الحركة ونظرتها من المصالحة لن تتغير مع القيادة الجديدة ، وهي ملتزمة بها وستبذل كل الجهود من أجل إنجازها . وهنا من الجدير ذكره أن عزام الأحمد كان قد وجه في تشرين الثاني 2017 الإتهام إلى حركة الجهاد بأنها تعمل على إفشال المصالحة الوطنية ، مما استدعى يومها رداً قوياً من قبل الأخ زياد نخالة على اتهامات الأحمد .
وعن المبادرة التي أطلقها الأمين العام الأخ أبو طارق نخالة ، والتي تمحورت حول المصالحة الفلسطينية :-
1. التأكيد في اعتبار المصالحة من الأولويات في الصراع مع العدو ، هي غاية في الأهمية ، من خلفية :-
• أن من شروط الانتصار على العدو هي تحقيق الوحدة والتمسك بخيار المقاومة ، وهنا وعلى النقيض منهما فإن استمرار الانقسام يسيء للنضال الكفاحي للشعب الفلسطيني وتضحياته الجسام على مدار ما يزيد عن نصف قرن من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة . وبالتالي المستفيد الأول هو العدو الصهيوني من استمرار هذا الانقسام ، الذي سهلّ ولا يزال أمام على هذا العدو فرض وقائعه الميدانية على قضيتنا وعناوينها الوطنية .
• تأكيد المبادرة على أن المصالحة تنهي الخلافات وتلك الصراعات بين المكونات الوطنية والإسلامية ، وتوقف السجال السياسي والإعلامي في الساحة الفلسطينية الذي وصل حد الإتهام الإنخراط في تسهيل ما بات يُعرف ب" صفقة القرن " الصهيو أمريكية . والأهم حديث المبادرة على استرداد المصالحة سينعكس إيجاباً لصالح الكل الفلسطيني من خلفية أن المتضرر من الانقسام هو الشعب الفلسطيني قبل الفصائل ، خصوصاً أن الانقسام قد تمدد من السياسي إلى الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة .
2. من المؤكد أن إنهاء الانقسام والذهاب إلى المصالحة يستلزم تنفيذ ما تم الاتفاق والتوافق حوله في كل العناوين ذات الصلة بالمصالحة ، وتقف في أولوياتها وقف كل ما تم تنفيذه أو إقراره من خارج الاتفاقات ونقطها المركزية اتفاق أيار 2011 في القاهرة . لذلك الدعوة إلى لقاء اللجنة التحضيرية للاجتماع ، بهدف تفعيل قراراتها وما تم الاتفاق عليه . وهذا يعني بالضرورة سقوط كل ما ترتب على عقد مجلس رام الله الأخير من قرارات وتوصيات أو تغييرات طرأت على تركيبة المجلس وهيئاته أو لجانه ومكاتبه والمشاركين فيه .
3. تناول التهدئة على ما جاءت به المبادرة من إيضاحات ، هي دعوة للفصائل التي رفضتها في لقاءات القاهرة الأخيرة إلى تعديل مواقفها وفق ما جاء بالمبادرة ، بأن التهدئة لن تلزمنا بعدم الدفاع عن شعبنا أولاً ، أو الذهاب إلى اتفاقيات سياسية مع العدو ثانياً . وبالتالي الدعوة أن تكون التهدئة خيار من موقع المسؤولية الوطنية ، وليس من موقع الضعف . نحن لسنا متشككين أو مشككين بمواقف حركة الجهاد للحظة واحدة ، ولكن للتهدئة ورفع الحصار ثمن سياسي شئنا أم أبينا ، وعلينا العودة إلى ما كتبه البروفيسور الصهيوني " إيال زيسر " في صحيفة " إسرائيل بيتنا " يُدلل بوضوح إلى ما تسعى إليه " إسرائيل " وفق نظرية " الأمن مقابل التنمية " ، وإلى أين سيقود . فكتب زيسر قائلاً :- " أنّ الأفكار يجب أن تسعى إلى تأهيل حركة حماس ، لتندمج في المنظومة الإقليمية الرسمية ، القابلة لقواعد اللعبة . فتهدئة في غزة تُكرس سلطة حماس هناك . لن تكون بمعزل عن تهدئة في الضفة الغربية ، وبالتالي هو مخطط أيضاً لفرض تحول في حماس . وقد كانت نقطة علاقة حماس بجماعة الإخوان المسلمين ، والطلب إليها توضيح ارتباطاتها الإقليمية مع الجماعة ، جزءاً من حوارات طوني بلير في غزة في شباط الماضي 2015 " . أما الباحثان " جلعاد شار وليران أوفك " من مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني قالاً :- " إن إعمار مدروس وموزون لغزة من مصلحة إسرائيل حالياً ، لأن ذلك سيقلل من رغبة حماس في فتح مواجهة جديدة " ، واعتبرا " أن المقاومة وضعت رفع الحصار وبناء الميناء خلال الفترة المقبلة كهدف أعلى ومستعدة في سبيل ذلك لهدنة طويلة الأمد " . ودعوة المبادرة المطالبة برفع العقوبات التي فرضها رئيس السلطة على القطاع بهدف لي الأذرع ومكاسرة الإخوة هي في مكانها ، وإن كان من الواضح أن أبو مازن في غير الوارد التراجع عن تلك العقوبات ، والتي أكد في الجمعية العامة للأمم المتحدة على بقائها ، بل وتصعيدها .
4. النقطة الفيصل في المبادرة هي المقاومة خيار الشعب الفلسطيني ، والدعوة الواضحة في التزام تطويرها وبكل الأشكال المتاحة . وهي على النقيض الجذري للتنسيق الأمني الذي تلتزم به السلطة على أنه الشيء المقدس بالنسبة لها ولرئيسها .
نعم من دون إنهاء الانقسام ، وإعادة الاعتبار لخيار شعبنا في المقاومة ، لا يمكننا مواجهة " صفقة القرن " الهادفة إلى تصفية القضية بعناوينها خصوصاً في القدس واللاجئين اللذان تستهدفهما " صفقة القرن " ، و" قانون القومية للشعب اليهودي " .
هذه المبادرة وحتى لا تبقى للتاريخ ، المطلوب من الجهاد وأمينها العام الأستاذ زياد نخالة العمل مع من يتوافق حولها من الفصائل . وهي بهذا المعنى بحاجة إلى : -
أولاً : إلى وضع آليات تنفيذ لها ، لأن بقائها من دون آليات ستذهب أدراج الرياح ، على ألاّ تكون انتقائية كما تمنى عزام الأحمد الذي وجد فيها فقط النقطتين الأولى والثانية ، وطالب حركة الجهاد العمل عليهما .
ثانياً : فتح حوارات مع الفصائل بعنوان المبادرة ، لأنها بحاجة إلى إدخال تعديلات أو توضيحات حول بعض ما جاء فيها ، وموضوع التهدئة نموذجاً .
رامز مصطفى
كاتب فلسطيني