لعل مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي وتقطيعه،وهو رجل متعدد الوظائف والأدوار،والذي لم يكن يوما ما خارج إطار بنية النظام الدموي الثيوقراطي الديكتاتوري السعودي،بل لمن لا يعرفه كان يعتبر قتل وتقطيع رؤوس الجنود السوريين من قبل الجماعات الإرهابية تكتيك سياسي،وهو تاجر سلاح ومجند لأكثر من جهاز مخابرات.. ويبدو ان صلاحيته قد انتهت ...ولعل عملية قتله وتقطيعه في سفارة بلاده في تركيا بأمر مباشر من بن سلمان،جاءت لكي تكشف عن عمق ازمة النظام السعودي،وفجاجه وتهور هذا الصبي المراهق،وعدم قدرته على التعاطي مع ازمات بلاده داخلياً وخارجياً، فالسياسة السعودية على الصعيد الخارجي،ما يمكن وصفها بشكل مكثف بانها تسير من فشل وهزيمة الى فشل وهزيمة اكبر سياسياً وعسكرياً، فمن الهزائم والفشل في اليمن،وعدم القدرة على إخضاعه وتطويعه،لكي يكون تحت العباءة السعودية،الى فشل الحصار الذي فرضته السعودية ومعها دول التحالف العربي على قطر،وكذلك الفشل والهزائم التي تلقاها المشروع السعودي في العراق ولبنان وسوريا،وحتى فلسطين وعد بن سلمان بتطويع الحلقة والقيادة الفلسطينية،لكي توافق على صفقة القرن الأمريكية وتتمشى معها،ولكن وعوده هنا،فشلت هي الأخرى.
حالة من التخبط وعدم الإستقرار في السياسة الداخلية السعودية،حيث تتصاعد حالة الغليان ضد محمد بن سلمان،والذي بات مصدر عدم ثقة ما يسمى بهيئة البيعة،وجاءت عملية قتل وتقطيع الصحفي السعودي خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا،لكي تزيد من متاعب بن سلمان،بل هذه الأزمة هي الأخطر،وربما تدفع بإنفجار الوضع الداخلي السعودي الهش وصراع مراكز النفوذ بين الأمراء،قد تطفو على السطح،وقد تطيح بمستقبله السياسي،فلم تنفعه كل شبكة علاقاته مع الإدارة الأمريكية المتطرفة برئاسة ترامب،والتي تحاول ان تجد له شبكة امان و"لفلفة" للطابق،بتوجيه الإتهام بقتل الخاشقجي وتقطيعه لواحد من الطاقم المحيط بإبن سلمان،دون علمه او معرفته،وبما يحمي سلطته وعرشه،فقضية الخاشقجي اخذت أبعاداً دولية،والصحف ووسائل الإعلام العالمية،بما فيها الصحف الأمريكية والمحطات الفضائية الكبرى،دعت الى كشف الحقيقة في مقتل الخاشقجي،وكذلك اعضاء بارزين من الحزب الجمهوري و 22 مشرع أمريكي طالبوا بتفعيل مادة فرض العقوبات في الدستور الأميركي على الدول الأجنبية التي تنتهك حقوق الإنسان، كما ودعوا أيضاً الى كشف الحقيقة كاملة،وفرض عقوبات على مملكة الرمال وبن سلمان،إذا ما ثبت تورطهم في قتل وتقطيع الخاشقجي،وقالوا بان حقوق الإنسان تتقدم على اموال بن سلمان،وكل ذلك يتعارض مع رغبة الرئيس الأمريكي،الذي يريد تمتين العلاقة مع مملكة الرمال،لكونها حليف موثوق للأمريكان في المنطقة،وهذه القضية،وحلها بالطريقة التي تحمي بن سلمان من المسؤولية المباشرة عن عملية القتل،من شانها ان توفر له حنفية مال دائمة مفتوحة على طاقتها القصوى،بحيث يستمر في "إستحلاب" مملكة الرمال مالياً بمليارات الدولارات،قبض نقدي،ناهيك عن المليارات التي ستدفع لشراء أسلحة أمريكية،تنشط الاقتصاد الأمريكي،وتحسن من رفاهية الشعب الأمريكي،وكذلك نفطياً بالضغط على السعودية لزيادة انتاجها النفطي ب 2 مليون برميل يومياً،وهو ما يغطي أغلب حصة ايران من السوق النفطية العالمية،والتي ستسعى امريكا في إطار عقوباتها التي تفرضها على طهران،لمنعها من تصدير نفطها ابتداءً من الشهر القادم،وبالمقابل اذا ما أقدمت طهران على إغلاق مضيق هرمز،وارتفعت اسعار النفط الى ما يزيد عن 200 دولار للبرميل الواحد،وشنت امريكا حرباً على ايران على خلفية ذلك،فعلى السعودية أن تمول تلك الحرب.
اخطر ما يواجه بن سلمان،في قضية قتل وتقطيع الخاشقجي،هو الفشل الذي ينتظر مؤتمر الإستثمار،الذي كان سيعقد في المملكة بالرياض ما بين 23- و 25 من الشهر الحالي،لإطلاق مشروعه الاقتصادي ""دافوس" الصحراء،من أجل تمويل مشروعه الضخم المسمى ب "نيوم"،مشروع لإنشاء منطقة استثمارية تجارية وصناعية على الساحل الشمالي الغربي من البحر الأحمر ،حيث أعلن الكثير من رجال المال والإقتصاد ورؤوساء الشركات الكبرى عن مقاطعتهم لهذا المؤتمر،ومن ضمنهم وزير الخزانة الأمريكي،ووزير الاقتصاد الفرنسي ووزير التجارة البريطاني والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي وغيرهم من رجال المال والإقتصاد.
وهذه الإلغاءات لحضور هذا المؤتمر،تاتي كإحتجاج على خلفية إختفاء الصحفي السعودي الخاشقجي،والدور المباشر لبن سلمان في إعطاء الأوامر بقتله،ونقلت العديد من الصحف الكبرى ومنها صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية،بأن مستقبل بن سلمان السياسي على "كف" عفريت،وان هيئة البيعة السعودية،تناقش تعيين ولي ولي للعهد،والمرجح ان يكون شقيق محمد بن سلمان،خالد السفير السعودي في واشنطن،تمهيداً لتنحية ولي العهد الحالي محمد عن الولاية،ومن ثم تولي العرش.
محمد بن سلمان يفشل في كل معاركه السياسية والعسكرية،ويدخل مملكة الرمال في أزمات عميقة جداً،فعملية قتل وتقطيع الخاشقجي،ثمنها باهظ جداً،حيث الإبتزاز التركي- الأمريكي مالياً واقتصادياً وسياسياً،وأزمة مقتل الخاشقجي،أحدثت حالة من التصالح وإعادة العلاقات التركية – الأمريكية الى سابق عهدها،حيث أفرجت تركيا عن الجاسوس القس الأمريكي اندرو برانسون،الذي سرق سبائك الذهب من البنك المركزي العراقي،وامريكا رفعت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على تركيا على خلفية سجن القس الجاسوس،والليرة التركية إستعادت عافيتها،والسعودية ستجبر على القيام بإستثمارات ضخمة في تركيا،ووقف حملاتها الإعلامية عليها...والفاتورة الأمريكية ستكون كبيرة جداً،فهي فرصة سانحة لترامب،من اجل "حلب" اكبر قدر من المال السعودي،والذي يرى ترامب بان واجب السعودية دفعها لأمريكا مقابل الحماية،ولأن السعودية لديها مال كثير،وليست أهلٌ للتصرف فيه،هي ملزمة بإعطاء قسم منه لأمريكا.
حتماً عرش بن سلمان ذاهب نحو الهاوية،فالمشاورات الداخلية السعودية،وتدخل الملك سلمان شخصياً في قضية قتل الخاشقجي،ومواقف الإدارة الأمريكية المتعارضة مع مواقف الرئيس الأمريكي ترامب،بشأن عدم بقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان،بسبب تورطه في قتل الخاشقجي،وعدم قدرته على أن يكون زعيماً عالمياً، وفشله الذريع في كل معاركه السياسية والعسكرية الخارجية،تجعل مسألة رحيله وإقصائه عن ولاية العهد مسألة وقت لا اكثر،غير مأسوف على رحيله.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
19/10/2018
0525528876
[email protected]