رغم ان المرأة بشكل عام وفي كل أرجاء المعمورة تتعرض لقمع ذكوري بأشكال ودرجات متفاوتة إلا ان المرأة العربية دون سواها تتعرض لأنماط عجيبة من القمع والتغييب والتهميش وذلك عائد لان الذين يشاركون بالقمع ليس الذكر وحده بل والمرأة ذاتها أيضا في معظم الأحيان بدراية أو بدون دراية, رغبة او بدون رغبة فقد يكون للقناعات دور في ذلك وأحيانا للخوف من جبروت الذكر وآلة قمعه المتعددة الأغراض والمصادر والقدرة, الرجل العربي يملك حق الحرمان للمرأة من كافة أدوارها بدءا من أنوثتها وأمومتها وعلاقتها المتجدذرة مع البيت والأسرة وانتهاء بمكانتها الاجتماعية والاقتصادية فكل المفاتيح يحملها الرجل في علاقة مفاتيحه.
المرأة العربية تتعرض لقمع وبطش الرجل من جانب والذي يجد الرجل لنفسه تبريراته التي يستند اليها والتي تتحول تدريجيا الى قناعات تصل حد القداسة لأنها تمثل مصالحة المادية ورغباته الحيوانية التي لا يرغب عادة في التصريح بها علنا كمحفز لسلوكه الشخصي فيلجأ لاستغلال ما يمكنه من أفكار دينية ودنيوية لحماية مصالحه ورغباته, لكن الكارثة ان الرجل وفي الكثير من الأحيان بات يجد في المرأة ذاتها عونا له في قمع بنات جنسها وإخماد أنفاسهن وفي المقدمة الأم التي تجد نفسها مضطرة لإجبار ابنتها بعد ذاتها على الصمت والقبول بواقع الحال حتى تحمي ذاتها اولا من لوم الرجل وتحمي ابنتها من بطشهم وهي في سبيل ذلك تساهم في تربية الابن الذكر بعقلية الحامي شكلا والقامع مضمونا لأخته وبالتالي لزوجته وفي النهاية سيعود بنفس الدور ليمارسه ضد الأم ذاتها متناسيا ان صاحبة هذا البناء المنفوخ كذبا وهو الرجل المصنوع من امرأة لقمع المرأة ذاتها حتى صاحبة المصنع التي أسست لكل شيء بدءا من قدرته على الحركة والكلام وحتى استمرار حياته.
في الحالتين استخدم الدين كشماعة لكل الجرائم المرتكبة بحق النساء بدءا من التزويج بإرادة ولي الأمر وحسب مصلحته وانتهاء بإلزامها بقبول الرجل بكل علاته على قاعدة إطاعة أولي الأمر وإطاعة الزوج بكل ما هب ودب واستخدام فج للغة القرآن الكريم في ارضاخ المرأة لكن الحقيقة ان ولي الأمر الرئيس هو الحاكم المستبد الذي لا رغبة له بدخول النساء معترك الحياة والفعل حتى لا يجد نفسه مثلا أمام أرقام فلكية من البطالة والمطالبة بالحقوق فهو بذلك يتخلص بجرة قلم من حقوق نصف شعبه مكتفيا بالقول ان مكان المرأة بيتها مشوها الدين عبر أدواته الرسمية المعنونة بأسماء وألقاب دينية لتبرير ذلك ليتخلص أولا من الالتزام الاقتصادي نصف الشعب وثانيا ليمنع نصف القوة من ان تكون في مواجهته بهذا الشكل او ذاك فتعطيل نصف الشعب تعطيل لنصف القوة ونصف الثورة وبالتالي تغييب نصف الاحتياجات الضرورية للنصف المغيب وهي المرأة.
أمر الحاكم السياسي المستبد ينتقل تلقائيا وبشكل أبشع إلى أمر الحاكم الأصغر وهو ولي الأمر او الأب والعكس صحيح فالحاكم اصلا جاء من نفس البيئة وهو نفسه الأب او الزوج او الأخ قبل ان يكون حاكما فما دام الحاكم منع المرأة من حقوقها فقد وقع عبء هذه الحقوق على ولي الأمر الأصغر وهو بالتالي سيصبح معنيا بمنعها من الحقوق الأبسط حتى يخفف من مسئولياته أكثر وأكثر, فالرجل مسئول إذن عن احتياجات الزوجة وهي ان أتيح لها حرية الحركة ستكون بحاجة للكثير لكي تتمكن من ذلك, وان فعلت وخرجت إلى الحياة ستعرف أكثر لتحتاج أكثر فالسجن أولى بها من عالم المعرفة والفعل والسعي لتحقيق الحاجة المتأتية عن طريق الفعل والمعرفة.
إذن المرأة عورة فلا تلبسي إلا نفس الجلباب الواسع الفضفاض وبالتالي لا داعي لتسريح الشعر ولا للموضة وما دامت عورة فلا داعي للتبرج ولا داعي للتواجد بالأماكن العامة فمكانها الوحيد إذن عبدة بيتيه في البيت لا تكلف حاكمها حقوقا وبنفس الوقت توفر له كل الخدمات اللوجستية الضرورية لفسقه وديكتاتوريته من خلال الطبخ والغسل والتنظيف وتربية الأبناء وحراسة البيت وفي نفس الوقت متنفس جنسي مرهونة لرغبة الرجل لا لرغبتها بل ان التعبير عن الرغبة يعتبر جريمة وفسق وفجور مرفوض بالمطلق وقد يصل حد التجريم وإيقاع العقاب.
المرأة مقموعة جنسيا فالرجل الشرقي اقنع نفسه واجبرها على الاقتناع ولو علنا ان الرغبة حاجة يملكها هو وحده وان دورها في العملية الجنسية لا يتعدى دور الوعاء المتلقي فهي لا تسعد ولا تتأثر ومصلحته هنا كمصلحة الحاكم الذي يرفض الاعتراف بوجود الحق حتى لا يعطيه فلو ان الرجل العربي اقر بحقها بالتمتع والرغبة وإشباع أنوثتها لصار ملزما بفعل ذلك ولأنه أصلا بطل وهمي يدعي البطولة الغير موجودة في فتوحات النساء اكتفى بالقول إن الأمر من حقه وذلك سيعطيه الحق بالقول انه بحاجة لأكثر من وعاء لاستيعاب رغباته التي لا تملك مثلها تلك الأوعية الجاهزة لتلقي رغبته من النساء.
لا ترفعي صوتك ولا تتحدثي علنا ولا تظهري أمام الآخرين ولا تظهري أنوثتك فأنت مصدر إغواء وفتنة وللمجتمع بأسره هذا من جانب ومن جانب آخر نجد الذكر نفسه يستخدم المرأة بكل ما أوتي من قوة في باب المتعة فقط فتكثر الفتاوي التي تعطيه الإباحة بألف لون ولون والفتاوى التي تلغي عنها كل شيء بألف لون ولون, كل شيء مباح للرجل وكل شيء ممنوع عن المرأة إلا ما كان يلبي رغباته وشذوذه دون اعتراف بوجود أنوثتها إلا لفحولته كفرد فهو يحرم عليها حتى الصوت والعمل والحياة ويعطي ذاته حق ارتكاب كل الموبقات بحقها دون أدنى اهتمام لمشاعرها أو احتياجاتها على الإطلاق.
أنوثة المرأة مقموعة منذ لحظة الصمت التي تسود عند ولادتها وانتظار المجيء بالوريث الذكر بمعنى ان الأنثى ليست وريثة بالمفهوم الشمولي ودون وجود ذكر في الأسرة أو العائلة او العشيرة بمجملها تبقى ناقصة التكوين, هذا يعني حكم تام على المرأة بعدم صلاحيتها حتى بالاحتفاظ بإرث العائلة او إدارة اقتصادها وهي غير مؤتمنة على ذلك ويجد الرجل فرصته في ان يسحب هذا الاعتقاد على كل مناحي الحياة بما في ذلك قدرة المرأة على تقرير حتى احتياجاتها الشخصية التي تصبح بالنتيجة من حقه شكلا ومضمونا.
أنوثة المرأة مقموعة لأنها غير معترف بها إلا من بان منفعتها للذكر وهي لا تحترم لذاتها بل لذاته وبالتالي تحرم المرأة من رؤية أنوثتها ومن إشباع رغباتها وان هي طالبت ذلك تتحول فورا الى فاجرة, في حين يصبح الرجل الفاجر فحلا وبطلا ان هو أعلن فجوره اللا محدود.
نحن إذن أمام حالة من تغييب الحق والحقيقة وعلى عاتق المرأة ذاتها تقع مسئولية الصعود بذاتها الى القمة من خلال احترام أنوثتها وإجبار الذكر على احترامها خارج غرفة النوم واعني بالاحترام هنا القبول لا المنفعة الاستغلالية المادية فكما يحترم الذكر رغباته ويزينها ويتباهى بها عليه أيضا ان يدرك ان الذكورة هي قطب المعادلة الأصغر للأنوثة الأساس وإلا فان مستقبل امتنا ناقص بنصفه ما دام النصف الذكر يلغي نصف معادلته فلا معادلة كاملة النصاب إذن على الإطلاق في حياة المجتمع العربي ما دام نصفها مغيب بالقوة وممنوعا من الحضور على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالتالي تحضير لذلك يصبح قمع الحضور الإنساني للمرأة ذاتها واجب وضرورة.
نحن بحاجة إذن للمرأة الحرة القوية المشاركة بكل أنماط الفعل وأشكاله في الحياة, لتصبح مكونا أصيلا من مكونات المجتمع الموحد المتكامل القادر على مواجهة الظلم المتأتي من الحاكم أيا كان موقعه, ما دام يسرق السلطة والثروة والحياة من شعبه صغر هذا الشعب أم كبر, فليس من حق الرجل الحاكم ان يستمتع لذاته وذلك بحرمان نصف شعبه من الحياة وإجبار النصف الآخر على تنفيذ رغباته بعيدا عن مصالح الشعب وقضاياه بما في ذلك القضايا الوطنية ذاتها وبذا يصبح القمع الذكوري المعلن لأنوثة المرأة واحدا من فلسفات الذكر الحاكم لتغييب الدور الموحد لشعب بأكمله عبر تقسيمه لنصفين نصف مغيب ونصف يساهم في جريمة التغييب عبر اقتناعه بحريته وسيادته على النصف الآخر متناسيا الدور الحقيقي للسيد الحاكم ومصلحته في تغييب الكل للإبقاء على حضوره وحضور مصالحه فقط.
بقلم/ عدنان الصباح