منذ انطلاق مسيرة العودة في "30/ آذار مارس 2018"وبالتزامن مع ذكرى يوم الأرض وشعبنا الفلسطيني يعيش حالة الاستنزاف الدموي بتشيع جثامين شهدائه ومداواة جرحاه في مواجهة مفتوحة وأرض مكشوفة ومعركة خاسرة غير متكافئة مع عدو زنيم مدجج بالسلاح ومتحصن في ثكنات عسكرية خلف سواتر ترابية على الشريط الحدودي شرق قطاع غزة,نتيجة تقديرات وحسابات خاطئة لدى بعض القيادات عديمة البصيرة والتي ارتأت لنفسها أن تسلك طريق لا يأتي منه إلا الإضرار بالجوانب المادية والمعنوية وسفك دماء أبناء شعبنا الفلسطيني,
للخروج من طوق النجاة والهروب من الاستحقاقات الوطنية والأزمات المتراكمة التي أرهقت المجتمع الفلسطيني وإضاعة الوطن,بإلهاء الجماهير عن سطوة حكمها العسكري وتنفيس غضبها في وجه الاحتلال, فدفعت بأبناء شعبنا الذي فقدوا الأمل وقتلهم اليائس والإحباط من سوء الحياة المعدومة في غزة إلى أتون المعركة القاسية والمؤلمة,ليقعوا فريسة سهلة وصيداً ثميناً للجنود الاحتلال لقتلهم بــ دم بارد في مواجهة مرمى القناصة الإسرائيلية.....
الدم الفلسطيني يستباح على أيدي قناصة قوات الاحتلال الإسرائيلي أمام أعين وعدسات الكاميرات وأما مشهد ومسمع العالم أجمع دون توفير الحماية لهم من الموت المجاني الذي يزهق أرواحهم وينثر أشلاءهم ويهشم عظامهم ويشوه ملامحهم البريئة يومياً دون أن يحرك أحدا ساكن وهم يرتقوا إلى العلا شهداء مخضبين بدمائهم الساخنة كالشهب إلى السماء الشهيد يتلوه الشهيد والجريح تلو الجريح والمصاب تلو المصاب والتي ارتفعت حصيلة الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة منذ انطلاق مسيرة العودة في الجمعة الثلاثون إلى 220 شهيد من بينهم"10 شهداء احتجز العدو الصهيوني جثامينهم ولم يقيدوا في كشوفات وزارة الصحة الفلسطينية في حين أصيب 22 ألف جريح بينهم 460 في حالة الخطر الشديد وأكثر من 600 معاق ومبتور...
أما كان من الأجدر تفادي هذا الموت المجاني ووقف نزيف الدم كالشلال الهادر والتوقف عن خداع وتضليل الجماهير بـأكذوبة مسيرات العودة والتي لن تفضي إلى عودتنا إلى فلسطين التاريخية كما يروج لها الآخرين من استثمار هذه الهبة الجماهيرية لأهداف حزبية مقيتة,مقابل هدنة مذلة بتأمين الأمن الغذائي وإنعاش الوضع الاقتصادي لسكان قطاع غزة,وجعل القضية الفلسطينية برمتها من قضية سياسية بامتياز إلى قضية إنسانية من اجل الحصول على شرعنة الانقسام وإطالة أمد عمره...
إن السواد الأعظم من أبناء شعبنا يعلموا إن هذا النداء الموجه من الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة جاء بتعليمات من يحكم غزة بالأمر الواقع رغبةً منها في تهدئة قواعد اللعبة وكبح جماح غضب الثور الإسرائيلي الهائج من مهاجمة قطاع غزة,طبعا ليس باب حقن دماء أبناء شعبنا والاستفادة من أخطائنا القاتلة واخذ العبر والعظات من دروس التي تسببت بقتل المئات من الشهداء وإعاقة الآلاف من أبناء شعبنا دون تحقيق أي انجاز سياسي أو أمني أو اقتصادي يرتقي إلى حجم تضحيات شعبنا الفلسطيني العظيم في هذه المواجهات الخاسرة,
لو كان هذا الأمر صحيح كما يدعوا لأخذوا بنصيحة العقلاء والمثقفين والكتاب من أبناء شعبنا الذين أرشدوهم إلى طريق الصواب منذ بداية مسيرات العودة,بعدم المجازفة بأرواح أبناء شعبنا العزل من السلاح, حينما طلبوا منهم إبعادهم عن السلك الزائل بـ 700 متر وذلك حفاظاً على أرواحهم وحقناً لدمائهم الطاهرة وأن يكون الحراك سلمي شعبي وليس حزبي وبعيداً عن وسائل العنف التي يتخذها العدو ذريعة لحصد اكبر عدد ممكن من الشهداء والجرحى, ولكن الهدف من وراء هذه الرسالة هو الحفاظ على سيطرتها ونفوذها على القطاع..
وهنا يكمن مربط الفرس كما يقال//
أن حركة حماس أمام اختبار صعب جداً "خياران أحلاهما مر"حيث إذا تمكنت من إبعاد الجماهير الزاحفة على الشريط الحدودي لقطاع غزة عن السلك الزائل,سوف تعري نفسها أمام الجماهير ويثبت بشكل القاطع انه كان بمقدورها طول الثلاثين جمعة من مسيرات العودة حماية أبناء شعبنا من الموت المجاني وحقن دمائهم النازفة من قناصة جنود الاحتلال,ولم تفعل ذلك بهدف رفع سقف مطالبها في مفاوضاتها مع قوات الاحتلال الإسرائيلي...
وإذا فشلت اليوم حماس في لجم الحراك الجماهيري وكبح جماح زحفها من الاقتراب خطر السلك الزائل وسفكت دمائهم بدم بارد بقناصة جنود الاحتلال في ظل وجود المقاومة المساندة لها فقد يضعها في إحراج سياسي وجماهيري ويثبت للقاصي والداني إنها غير قادرة على توجيه الجماهير والسيطرة عليهم وهذا ما سوف يغضب الثور الإسرائيلي الهائج والذي لديه الرغبة الجارفة بحرث الأخضر واليابس في طريقة..
واليوم قد أفاد العدو الإسرائيلي أن مسيرات العودة كانت الأكثر هدوءً منذ قرابة السبعة أشهر من حيث الفاعلية والمشاركة مما جعل الجيش الإسرائيلي بضبط النفس وعدم الإفراط في استخدام القوة النارية في تفريق المتظاهرين,وقد أكدوا مسؤولين في أجهزة الأمن الإسرائيلية من خلال تصريحاتهم،بأن حركة حماس قد اتخذت إجراءات لمنع الوصول المشاركين في المسيرات العودة من الاقتراب إلى السياج الحدودي والذين بدورهم اهتموا بالحفاظ على الهدوء ومنع أي عمليات عنيفة ضد قوات الاحتلال...
وفي نهاية سطور مقالي اصرخ بصوت كل الوطنيين الأحرار من أبناء شعبنا الفلسطيني وأحرار العالم لا يصح إلا الصحيح ولا مفر من هذا الواقع المؤلم إلا بضرورة تمكين حكومة الوفاق من تسلم مهامها وصلاحياتها حتى تتمكن من لملمت جراحنا الغائرة واستعادة الوحدة الوطنية وإعادة اللحمة لشطري الوطن
المجد كل المجد للشهداء الأبرار...والشفاء لجرحانا...والإفراج العاجل لأسرانا...والنصر المؤزر لشبعنا الفلسطيني العظيم ...
بقلم/ سامي فودة