ماهي مفاجئة الرئيس ترامب التي كلف رئيس المؤتمر اليهودي (رون لاودر) نقلها للرئيس الفلسطيني أبو مازن أو إلى مساعديه، كي يشجعه للعودة إلى المفاوضات دون أن يكشف عن مضمونها سوى القول أن (صفقة القرن التي يعدها ترامب ستفاجئك للأفضل)،؟!..
وكما أعلن أن زيارة (رون لاودر) حسب المصادر الإسرائيلية قد تمت إلى رام الله دون علم السلطات الإسرائيلية وكذلك دون علم فريقه الخاص المكلف بصياغة خطة التسوية والترويج لها والمعروفة إعلامياً (بصفقة القرن) وتحديداً دون علم ومعرفة مستشاره وصهره جاريد كوشنر ومبعوثه الخاص للمنطقة جايسون غرينبلات ..!!
هل فعلا هناك أمل بعد كل تلك المفاجئات التي أقدم عليها الرئيس ترامب بدءاً من قرار نقله سفارة أمريكا إلى القدس وضم القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية إلى سفارة أمريكا لدى الكيان الصهيوني بعد أن كانت مستقلة عنها وتعنى بالعلاقات مع الفلسطينيين والتي يعود تاريخها إلى العام 1844م قبل أن تلد فكرة إنشاء الكيان الصهيوني وقيامه بأكثر من قرن من الزمن ..! واعتماده القدس عاصمة للكيان الصهيوني، إضافة إلى تشريعه الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وإلغاء التزامات الولايات المتحدة لوكالة الأونروا ما يعني تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإغلاق مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن، أن يكون في جعبته السيد ترامب مفاجئات أخرى نحو الأفضل كي تشجع الرئيس محمود عباس للعودة إلى طاولة المفاوضات التي حطم الرئيس ترامب أرجلها ولم تعد قائمة بعد سلسلة المواقف المنحازة للكيان الصهيوني ورؤيته التوراتية للصراع، رغم المعارضة الدولية الواضحة لكل تلك المواقف المنحازة والتي دمرت أسس العملية التفاوضية المتوقفة أصلاً، بسبب التعنت الإسرائيلي يبدو أن الرئيس ترامب وإدارته المنحازة لم تفتأ أن تتوقف عن مناوراتها الهادفة إلى تمرير (صفقة القرن) التي لا تحمل أي مضمون للسلم والأمن الحقيقيين والتسوية التي من الممكن أن تكون مقبولة من الفلسطينيين ومن المجتمع الدولي، الذي لازال يعبر عن إحترامه للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران، ورفضه إستمرار الإحتلال الإسرائيلي والإستيطان في الأراضي الفلسطينية، يبدو أن العقلية التجارية التي تحكم الرئيس ترامب وعقلية السوق التي نشأ وتربى عليها تحكم سياساته، بعيداً عن ثقافة القانون والمبادئ والقيم الإنسانية والوطنية والقومية التي دون إحترامها لكافة الشعوب والأمم لن يتحقق السلام والأمن الدوليين، أي ثقة بعد كل تلك المواقف المنحازة لأمريكا ترامب يمكن أن تتولد لدى الفلسطينيين ورئيسهم بهذه الإدارة ورئيسها، مالم يتراجع عن كافة المواقف والإجراءات التي دمرت ثقة الفلسطينيين ورئيسهم، وثقة العرب، وكافة دول العالم بجدية سعي الرئيس ترامب لرعاية عادلة وغير منحازة لأي عملية تفاوضية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وبالتالي لم يعد هناك أي رهان من قبل الفلسطينيين ومختلف دول العالم على ما يسمى (بصفقة القرن) وجهود ترامب وإدارته لإطلاق عملية تفاوضية تقود إلى التسوية والسلام والأمن بين طرفي الصراع.
ولكن هذه المناورة الجديدة للرئيس ترامب بواسطة رئيس المؤتمر اليهودي العالمي (رون لاودر) والمقرب من نتنياهو تكشف من عدم قدرته على تجاوز م.ت.ف والسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس الذي رفض التعامل مع كافة مبعوثيه منذ أقر نقل سفارة بلاده إلى القدس وإعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، فلا يمكن أن يكون هناك أي شكل من أشكال المفاجئات التي تحمل الرئيس أبو مازن للتراجع عن مواقفه الثابتة بعدم العودة إلى طاولة المفاوضات وتحت الرعاية الأمريكية دون التراجع عن جملة المواقف المدانة والمرفوضة من الجانب الفلسطيني والعربي والدولي، وهنا نستذكر الحديث الشريف (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) وهنا مالا يدركه الرئيس ترامب وفريقه المتصهين، لقد عبر الرئيس الفلسطيني عن الموقف الفلسطيني من السلام في خطابه أمام الجمعية العامة يوم 23 سبتمبر الفائت وحدد رؤيته للمفاوضات وللسلام على أسس ومبادئ الشرعية الدولية، وبالرعاية الدولية الشاملة رافضاً الإنفراد الأمريكي بعد كل تلك المواقف المعادية لروح السلام والأمن ولروح الشرعية الدولية والقانون الدولي.
الإغراء الوحيد الذي يمكن أن يغري الرئيس أبو مازن للعودة إلى طاولة المفاوضات هو أولاً التراجع عن الخطوات الأحادية التي قام بها الرئيس ترامب والكيان والصهيوني، وإعلان الإلتزام بالمرجعية الدولية وبالشرعية الدولية والقانون الدولي مرجعية لعملية السلام بدءا من القرارات الدولية 181 لعام 1947م و 194 لعام 1948م إلى سلسلة القرارات الدولية التي تؤكد على الحقوق المشروعة والغير قابلة للتصرف ممثلة في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، دون ذلك لن يكون هناك مفاجئات قادرة على إغراء الرئيس أبو مازن للعودة إلى المفاوضات التي يريدها الرئيس ترامب على أساس صفقته التي يروج لها منذ سنتين وباتت نواقصها ونواقضها التي تجعل منها مجرد مؤامرة لتصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني واضحة وضوح الشمس.
ولكن ما نود أن نستخلصه من هذه المحاولة والمناورة هو أن منظمة التحرير الفلسطينية تبقى هي الرقم الصعب في معادلات الأمن والسلام في المنطقة فلا أمن ولا سلام يتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية، كما كافة المناورات التي قامت بها الإدارة الأمريكية وبعض أدواتها بهدف الإخلال بمكانة م.ت.ف التمثيلية من جهة وفاعليتها من جهة أخرى جميعها باءت بالفشل ولن يكتب لها النجاح، ونختم مقالاتنا بالحديث الشريف (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).
بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس