الرسائل المتبادلة فوق جدار الشك

بقلم: أسامه الفرا

وصفت غادة السمان في مقدمتها للرسائل المتبادلة بين محمود درويش وسميح القاسم بأنها أحسن ما كتب باللغة العربية بعد القرآن الكريم، وتمنيت لو أن الرسائل المتبادلة بين د. أحمد يوسف ود. صائب عريقات سجلت على أنها أجرأ ما كتب حول المصالحة، سيما ونحن بحاجة إلى قيادة جريئة تعترف بأخطائها وتمتلك الإرادة لإنتشال الكل الفلسطيني من عتمة الانقسام، لكن الرسائل جاءت على غير ذلك فقد كشفت هي الأخرى عن أزمة الثقة التي تمسك بتلابيبنا وتمنعنا من التقدم في مسار المصالحة الوطنية، يبدو أن جدار الشك الذي شيدته سنوات الانقسام لم تتمكن عوامل التعرية التي تعصف بالقضية الفلسطينية من إحداث ثقوب يمكن لنا أن نطل من خلالها على الآخر، والواضح أن المستفيدين من الانقسام وهم كثر يعملون ليلاً ونهاراً على ترميمه خشية من تصدعه، وبالتالي من البديهي ألا تتمكن الرسائل من تجاوز الجدار ليس لعدم قدرة صاحبيها على فعل ذلك ولكن بفعل سدنة الجدار وحراسه.
قدر لي أن أعمل مع د. صائب عريقات يوم كان وزيراً للحكم المحلي بحكم عملي رئيساً لبلدية خان يونس، وشاءت الظروف أن نعمل بعد ذلك بسنوات عن قرب في أطر حركة فتح القيادية، لم تغيره السنوات ولا المواقع والصفات التي تقلدها، ظل محافظاً على صدق انتمائه للوطن واتسم دوماً بموضوعية الطرح حتى في أكثر محطات المفاوضات حلكة مع احتلال لا يجيد سوى التهرب مما يتم الاتفاق عليه، واشفقت عليه كثيراً من صفة "كبير المفاوضين" التي تلازمه رغم أنه حاول الانفكاك عنها ليس لعدم قناعته بمبدأ المفاوضات وهو صاحب كتاب "الحياة مفاوضات" بل لقناعته بأن قيادة الاحتلال أوصدت بسياستها كل الأبواب التي يمكن للمفاوضات أن تنفذ منها لإيجاد حل للصراع في المنطقة، تعرض لانتقادات لاذعة بفعل العمل الموكل اليه رغم الجهد الكبير الذي يبذله في جمع كل ما من شأنه أن يعزز من قوة المفاوض الفلسطيني، ولا أعتقد أنه ينتظر أحداً ليقول له يوما ما شكرا فهذا العمل لا يجلب لصاحبه سوى النقد اللاذع بما يحمله أحياناً من شخصنة الأمور أكثر من موضوعيتها، رغم أنه يتمتع بشخصية غير حادة تتقبل الرأي الآخر برحابة صدر صقلتها تجربته الأكاديمية ويحرص على توسيع القواسم الوطنية المشتركة مع من يختلف معه.
وبالمقابل عرفت د. أحمد يوسف عن قرب عبر لقاءات عديدة غلب عليها النقاش الوطني المتحلل من العباءة الحزبية، رغم الاختلاف الفكري إلا أن مساحة الاتفاق معه فيما يتعلق بالشأن الوطني تضع ما تختلف معه في خانة الهوامش الجانبية، يتحرك بأفكاره من منظور حس وطني جامع في إطار من الواقعية، لطالما أُتهم ممن يشتركون معه فكرياً بأنه يغرد خارج السرب وأن مواقفه لا تعبر عن موقف الحركة التي ينتمي اليها، ولم يسلم كذلك من اتهام من يختلف معه فكرياً بإدعاء أن أفكاره ما هي إلا بالونات إختبار تطلقها الحركة على لسانه لترصد ردات الفعل عليها، والحقيقة أن الرجل صادق مع نفسه ويمتلك من الجرأة الأدبية ما لا يمتلكه غيره، يلقي برأيه وقناعته دون أن يلتفت إلى ما يمكن أن تحدثه من ردات فعل قد تسبب له المتاعب، يمضي بقناعاته التي ضبطتها بوصلة المصلحة الوطنية لا المصلحة الحزبية الضيقة، ينأى بنفسه بعيداً عن الردح وحلبة تسجيل النقاط، وأنت تختلف معه فكرياً لا تملك سوى احترامه.
الرسائل عبر وسائل الإعلام لا تضيق فجوة ولا تبني جسراً، وأجزم أن المساحة التي يلتقي عندها الإثنان هي ارحب بكثير مما جاء في الرسائل، لذلك من المفيد أن تكون وسيلة الحوار بينكما على غير ما كانت كي لا نقع وإياكم في معترك جدل لا طائل منه.

 د. أسامه الفرا

المصدر: د. أسامه الفرا -