أيًّا كان الاخراج النهائي لقضية قتل جمال خاشقجي رحمه الله ، فإنها ستبقى إحدى الأزمات الفارقة في تاريخ حكم النظام السعودي منذ تأسيسه،والتي انعكست ظلالها على علاقات السعودية بحلفائها وخصومها على السواء. والحقيقة أن مناقشة الأزمة وتداعياتها يتصل بلاعبين وأدوار كثيرة متداخلة، وتم استغلال مأساويتها لتدخل في إطار المواءمات والمناكفات السياسية وحسب ما نرى تزداد فيها يوماً بعد يوم الخطوط تشابكاً وتعقيداً ليس من أجل حل اللغز بل من أجل إخراج السياق الأفضل.
لعل أبرز وأهم ارتدادات هذه الأزمة المدوية هي تطورات الموقف الأمريكي والمدى الذي يمكن أن تؤثر به على العلاقة التي تربط واشنطن بالرياضأو معادلة الأمن مقابل النفط وتكشف عمقها، وذلك نظراً للاتهامات الموجهة لدور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيها من ناحية، وللعلاقة المتميزة التي تربطه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنرمن ناحية أخرى.
في الحقيقة أن حصر تحالف واشنطن بالرياض على معادلة الأمن مقابل النفط هي صورة فائقة التبسيط لتفسير حيثيات العلاقة بين البلدين . فالأبعاد التاريخية لهذا التحالف منذ تأسيسه على يد ابن سعود/ روزفلت في العام 1945 أرست لشراكة عميقة متداخلة وتفاهمات مبنية على الثقل والثقة وتبادل المصالح والتعقيد بحيث استطاعت تجاوز أزمات عاصفة طوال هذه الفترة التاريخية، وأسكتت أصواتا كثيرة تنادي بإعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة بالأسرة الحاكمة السعودية.ورغم ما يتم الحديث عنه في أروقة الفكر الأمريكي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 ، عن قلة النقاط المشتركة التي تجمع الدولتين والتي تنفي معها صفة التحالف وتصف السعودية بأنها شريك فحسب وليس حليف والفرق بينهما جد واسع بمعنى أنهما تتشاركان المصالح فقط وليس القيم كإسرائيل والولايات المتحدة مثلاً، إلا أنه لا يمكن للنفط وحده تفسير السبب الذي أدى الى صياغة هذه الشراكة أو التحالف بين البلدين، فهناك دول كثيرة نفطية لا تتمتع بعلاقات متميزة بالولايات المتحدة كتلك التي تحظى بها السعودية .إذاً أين تكمن المشكلة؟؟
المشكلة هي طبيعة هذه العلاقة وليس مسمياتها، وهو الأمر الذي يفسر ردود الفعل الأمريكية والشعور السعودي الدائم بالخذلان تجاه أية أزمة تلحق بالبلدين. وهذا ليس بصدفة، بل هو في الواقع مشاعر متأصلة مقترنة بطبيعة التحالف بين سلطة أقوى وسلطة أضعف، فغالبا ما تشعر السلطة الأضعف في هذا التحالف بأنها معرضة للإيقاع أو الاهمال حين يكون هناك اختلاف في الرؤى أو وجهات النظر بينها وبين السلطة الأقوى إزاء أية قضية. وعليه فمن الطبيعي أن يعبر محمد بن سلمان لجاريد كوشنر عن شعوره بالخيانة!
بعد انتهاء كل أزمة مهما كان حجمها، توقن الولايات المتحدة أنه لا يوجد شريك أفضل من النظام السعودي في المنطقة وامتداد العلاقات بينهما تتجاوز أية تغييرات في توجهات الرؤساء الأمريكيين أو ولاة العهد السعوديين طالما سلالة أبناء سعود تحكم السعودية .والمؤكد الذي لا مجال للشك فيه أن من اعطى الأمر بقتل جمال خاشقجي يندب الآن حظه العاثر ويتمنى لو ترجع عقارب الساعة للوراء ولكن هيهات.. فالتاريخ شاهد /وخاصة في المنطقة العربية /على حماقة الخطأ الذي يودي بصاحبه ويسقطه من الثريّا الى الثرى !!
بقلم/ د. أماني القرم