أود التنويه في البداية بأن هذا المقال ليس تقريرا رغم أنه هو رصد لما نشر من مقالات ودراسات وتصريحات وأخبار الصحف نظرا لما لاحظته بمراجعاتي أن ما كان يصدر من توقعات أو أفكار أو سيناريوهات نراها اليوم قد أصبحت حقائق وكان علينا جميعا كشعب وقيادات فلسطينية أن نكون أكثر حنكة في قراءة الوقائع بعمق وبطريقة علمية بعيدا عن الفهلوة كي نتمكن من إدارة حلقات الصراع بشكل أفضل خاصة وأن قضيتنا لاتزال حية ويمكن عمل الكثير في مواجهة المخاطر.
في أوائل تموز يولية ٢٠١٨ قدم معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب دراسة تحمل ستة سيناريوهات لمستقبل الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، ولم تتطرق الدراسة للحلول ولم تقترح تسويات سياسية، مكتفية بقراءة وتحليل الواقع ببعديه الراهن والمستقبلي مع الأخذ بالحسبان التطورات الإقليمية والدولية كما نشر في القدس العربي في مقال لوديع عواودة.
أشارت تلك الدراسة إلى أنه في نهاية المطاف تجتمع كل السيناريوهات في حالتين ختاميتين ممكنتين :
١- دولتان (سيادة فلسطينية كاملة أو محدودة)
٢- أو دولة واحدة (مع مساواة بالحقوق لكل المواطنين أو بدون مساواة بالحقوق).
أما استمرار الوضع الراهن، وكذلك سيناريوهات الضم فتعني انزلاقا بدرجة احتمال عالية لواقع دولة واحدة وهذا ما تتجنبه إسرائيل.
في نهاية الشهر الماضي أيلول ٢٠١٨ نشرت دراسة أخرى بعنوان "خطة إستراتيجية للحلبة الإسرائيلية - الفلسطينية" وفيها كانت التوصية الأكثر عمقا في بعدها الإستراتيجي كصيغة مقبولة للحل من خبراء إسرائيل لنفس معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب وهي دراسة لاحقة ومكملة للدراسة الأولى حيث الدراسة الأولي كما ذكرنا لتي لم تتبن حلولا بل حللت الواقع برؤية خبرائها ودارسيها من مجموعة هي خليط من العسكريين والأكاديمين.
أما هذه الدراسة الثانية فقد أكدت علي أو تبنت بشكل واضح أحد السيناريوهات القديمة الجديدة المطروحة لشكل جديد من حل الدولتين عنوانه "تغيير طبيعة الصراع من صراع لتحرر وطني إلى صراع بين دولتين" من خلال إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وإجراء مفاوضات مباشرة من أجل التوصل لاتفاق سياسي لدولتين، وفي حال غياب تعاون فلسطيني مطلق، ينبغي دفع خطوات انفصال مستقلة وفقا لمصالح إسرائيل" أي في حال رفض الفلسطينيون الخطة فإن إسرائيل يمكن أن تفرضها بصورة أحادية الجانب، وهذا السيناريو الأكثر رغبة لإسرائيل لتنفيذه الآن وبموافقة الولايات المتحدة.
أخطر ما في هذه الدراسة هو إمكانية أو الشروع في منهج الفرض لهذه الخطة من جانب واحد مع معرفتهم المسبقة أن الفلسطينيين منذ سنوات يرفضون حل الدولة المؤقتة، ومن حيث أن هذا النهج الجديد ينسف مبدأ مسيرة من المفاضات دامت ثلاثة عقود وفجأة تنقلب المفاهيم ويشرعوا في تغيير مبدأ الحل الذي ساد قناعات الطرفين منذ إتفاق أوسلو متواكبا مع قناعات أكثر الآن تشددا هذ المرة من الولايان المتحدة حيال تأجيل مبدأ التفاوض المباشر بين فلسطين وإسرائيل لمرحلة لاحقة والذي كانت قد فرضته الإدارة الأمريكية علي الطرفين وعلي العرب والإقليم والمنظومة الدولية وإستبعدت حتى ي دور ولو مراقب للأمم المتحدة حتي الآن وفي المستقبل في جميع طروحاتهم.
في مقال للأستاذ نبيل عمرو في في ٣٠/٤/٢٠١٠ قال عن "دولة الحدود المؤقتة" إنه مصطلح إسرائيلي، أسسه شارون وورثه عنه أكثر رؤساء الوزارات في إسرائيل مرونة وأقلهم إنجازا.. إيهود أولمرت في تلك الأيام
ورفض هذا المصطلح فلسطينيا.. تحت تفسير بسيط.. مفاده.. «مع إسرائيل لا ضمانة أن يتحول المؤقت إلى دائم»، ونظرت إليه أميركيا بقدر من الحذر بحكم رفض الفلسطينيين والعرب له، إضافة إلى عدم استعداد واشنطن الدخول في عنوان جديد لم تتضمنه «كمصطلح مباشر» خطة خارطة الطريق، ولا أنابوليس التي صممت لإخراج خطة خارطة الطريق من الثلاجة، ووضعها موضع التطبيق كسهم أخير أطلقته إدارة جورج بوش الابن، قبل مغادرتها المسرح بوقت قصير.
إعادة هذا المصطلح للتداول، في هذه الأيام، ومن قبل بنيامين نتنياهو الذي يتاجر بموافقته المبهمة على حل الدولتين، ينبغي ألا ينظر إليه على أنه مجرد مناورة تستند إلى الرفض الفلسطيني المضمون والمسبق، بل يجدر افتراض أنه مشروع جدي، تسعى إسرائيل إلى جعله أفضل المتاح في زمن الاستعصاء السياسي والتفاوضي شبه المطلق.. وفعلا هذا ما يطرح بقوة اليوم في ٢٠١٨ أي بعد ثمان سنوات.
السبت 02 ديسمبر 2017
ومع زيارة مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج لواشنطن نشرت صحيفة مصراوي تفاصيل جديدة عن الخطة الأمريكية لدولة فلسطينية بحدود مؤقتة قالت فيها:
وصل إلى واشنطن أمس اللواء ماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينية للبحث مع المسؤولين الأمريكيين في شأن مبادرة السلام الأمريكية ومصير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية والمصالحة وقضايا ثنائية.
وفي حينها نقلت صحيفة "الحياة اللندنية" عن مصادر دبلوماسية قولها، إن الرئيس الفلسطيني غير مرتاح للأفكار التي تبحثها الإدارة الأمريكية قبيل تقديم مبادرتها التي تسميها الصفقة الكبرى.
وأضافت أن الرئيس عباس يريد مكانة ثابتة لمكتب بعثة فلسطين في العاصمة الأمريكية، لا تخضع للملاحقة والتهديدات المستمرة بإغلاقها من قبل الكونجرس وغيره، وتضيف قال دبلوماسي غربي رفيع المستوى لـ"الحياة للندنية" إن المبادرة الأميركية في جوهرها خطة سلام اقتصادي، لأنها تقوم على جمع عشرة بلايين دولار من الدول المانحة لتأسيس الدولة الفلسطينية، تشكل جسراً لإقامة علاقات رسمية إسرائيلية مع العالم العربي، وأضاف وانتبهوا هنا للآتي:
"أجرى المبعوثون الأميركيون جاريد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره الخاص وجيسون جرينبلات والسفير ديفيد فريدمان عشرات اللقاءات مع فلسطينيين وإسرائيليين، وخرجوا بنتيجة أن الحل الممكن في هذه المرحلة هو دولة ذات حدود موقتة"، وتوصل الوفد إلى أن أي حل آخر سيفشل لأن الطرف القوي، وهو إسرائيل، سيرفضه، وأشار نفس المصدر إلى أن إسرائيل أبلغت المسؤولين الأميركيين الثلاثة أنه لا يمكنها في هذه المرحلة أن تمنح الفلسطينيين دولة كاملة، وإنما دولة على نصف الضفة الغربية وربما أكثر قليلاً لكن تل أبيب ستواصل السيطرة على الحدود وعلى الأجواء، بينما يجري التفاوض على الحل النهائي في وقت لاحق، بما في ذلك القدس والحدود واللاجئين والمياه والأمن، وقال الدبلوماسي القريب من الاتصالات إن الجانب الأمريكي يدرك أن هذا الحل غير مقبول لدى الفلسطينيين، لذلك فإنه يحاول إغراءهم بالقول إنه حل مرحلي، وبتوفير مبلغ مالي كبير لإقامة الدويلة الفلسطينية ومشاريعها المختلفة مثل المطار والميناء وخطط إسكان وسياحة وزراعة واسعة لتشغيل العمال العاطلين من العمل في كل من غزة والضفة الغربية، ويرى الجانب الأمريكي أن أول متطلبات هذا الحل يبدأ من استعادة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة الذي سيكون مركز الدولة، وسيُعرض المشروع ضمن حل إقليمي ودولي، تشارك فيه الدول العربية والمجتمع الدولي، وينتج منه إقامة علاقات دبلوماسية إسرائيلية مع العالم العربي.
ونفس المصدر يقول: ذكر مسؤولون فلسطينيون أن الحل السياسي المقترح لن يكون مقبولاً لدى أي فلسطيني إلا إذا كان جزءاً من اتفاق سلام تفصيلي وعلى مراحل، لأن السلطة تعرف أن المرحلي سيكون نهائياً، ومن المتوقع أن يعلن الجانب الأميركي عن خطته مطلع العام المقبل، فيما يتوقع الفلسطينيون التعرض لعقوبات أمريكية في حال الرفض وقال مسؤول فلسطيني إن إغلاق مكتب بعثة فلسطين في واشنطن ربما يشكل نموذجاً في هذا السياق وأضاف: "ربما يصل الأمر إلى حد وقف المساعدات المالية الأمريكية للسلطة والتي تبلغ نحو 400 مليون دولار سنوياً.
وهنا ننوه أن هذا ما تم فعلا خلال الشهور الثلاثة الماضية.
نعود مرة أخري لنبيل عمرو في مقاله في ابريل ٢٠١٠ قبل ثمان سنوات حين قال:
ودعونا لا ننظر إلى المصطلح (دولة ذات حدود مؤقتة) من زاوية الرفض التلقائي، أو القبول وإنما من زوايا متعددة.
أولها: احتمال استمالة الوسيط الأميركي للنظر فيه، واعتماده كمخرج ممكن من الأزمة الراهنة التي هي أزمة مركبة تورطت فيها أطراف كثيرة وأهمها الولايات المتحدة والرباعية والدول العربية جميعا. إن احتمالا كهذا يجب أن يظل واردا وألا يستبعد لمجرد تصريح أميركي ينفي اعتماده، هذا إذا صدر التصريح أصلا.
وثانيها: احتمال أن تكون دولة الحدود المؤقتة هي سقف الحل المفروض الذي يجري الحديث عنه بين وقت وآخر ورغم النفي الأميركي لهذا الحل، فإن الفكرة في حد ذاتها تبدو في غاية الجاذبية، ما دامت تمنح الفلسطينيين بعض المزايا ولا تغلق الباب نهائيا أمام قضايا الوضع الدائم، ولعل ما هو أكثر إغراء لأميركا أن إسرائيل هي صاحبة الفكرة، وبالتالي لا مناص من أن تتعاون في تنفيذها.
ثالثها: احتمال أن ينفذ مشروع الدولة ذات الحدود المؤقتة تحت عناوين ومسميات غير مباشرة، وهذا هو الأقرب للواقع.
فهنالك أحاديث جدية عن حتمية تأجيل الخوض في القضايا المعقدة، مثل القدس.. والاستيطان.. واللاجئين.. والحدود.. إلخ. أي تركها بعيدا عن ضغط الزمن، وتعارض الأجندات، وصلت إلى حد التناقض ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، وإنما بين الإسرائيليين أنفسهم في الأساس، وبين الإسرائيليين والأميركيين،
*وهنا نقول الجديد في طرح ترامب أنه مبكرا قد تخلص من قضية القدس والأنروا واللاجئين وأسقطهما عن طاولة التفاوض المستقبلي.
يواصل نببل عمرو قوله أن تأجيل البت في القضايا الشائكة المسماة بقضايا الوضع الدائم مع الإلحاح على استمرار وضعها على أجندة الجهود السياسية الأميركية والدولية، لن يجد مسوغا منطقيا إلا بالذهاب إلى الحلول المؤقتة والجزئية، فمن السذاجة المفرطة أن يصل بنا التوقع إلى حد رؤية حل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وامتداده العربي في فترة أوباما، إنما من الممكن أن يوضع القطار على قضبان الحل المؤقت كي يصبح منطقيا أن تكون المحطة التالية ولو بعد حين هي قضايا الوضع الدائم!
إن الولايات المتحدة وجميع أطراف الرباعية الدولية سوف يجدون أنفسهم قريبا، وليس بعد وقت طويل، أمام ضرورات الحلول المؤقتة المجتزئة والمتدرجة وهم بذلك لن يخترعوا حلا غير مسبوق، فلقد فعلوها حين حدث شيء كهذا بالضبط مع الفلسطينيين والإسرائيليين، تنفيذا لعملية أوسلو التي بدأت بانسحاب إسرائيلي لم يتجاوز الواحد في المائة وتدرجت لتصل فوق الأربعين في المائة بعد عدة سنين.
* هنا نقول في ٧/١٢/٢٠١٧ أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قرار الأعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وتنفيذ نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس، وبعدها قلص الدعم للأنروا ثم أوقفه كلية، وبعدها أوقف المساعدات الأمريكية لعدة مؤسسات علاجية ومستشفيات فلسطينية في القدس وقبل شهر أغلق القنصلية الفلسطينية في نيويورك، وقبلها أوقف دعم السلطة ماليا إلا الدعم المالي للأجهزة الأمنية الفلسطينية لأن إستمرار الدعم هو لمصلحة أمن إسرائيل.
في 19 يوليو 2018 أقر الكنيست الإسرائيلي القانون بأغلبية 62 ومعارضة 55 وبامتناع نائبين عن التصويت. هذا القانون أكَّد السعي الإسرائيلي إلى تهويد فلسطين في كُل المجالات، من الأرض والمسكن واللُغة والثقافة وتسمية الأمكنة بالإضافة لمنع حق العودة وترسيخ فلسطين على أنها أرض يهوديَّة.
نعود لبداية مقالنا:
في نهاية الشهر الماضي أيلول ٢٠١٨ كانت التوصية الأكثر عمقا في بعدها الإستراتيجي لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب في دراسة لاحقة للأولى التي لم تتبني حلولا بل حللت الواقع برؤية خبرائها ودارسيها وكانت الدرلسة بعنوان "خطة إستراتيجية للحلبة الإسرائيلية - الفلسطينية" وفيها :
أكدت الدراسة علي أو تبنت بشكل واضح أحد السيناريوهات المطروحة لشكل جديد من حل الدولتين عنوانه "تغيير طبيعة الصراع من صراع لتحرر وطني إلى صراع بين دولتين" من خلال إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وإجراء مفاوضات مباشرة من أجل التوصل لاتفاق سياسي لدولتين، وفي حال غياب تعاون فلسطيني مطلق، ينبغي دفع خطوات انفصال مستقلة وفقا لمصالح إسرائيل" أي في حال رفض الفلسطينيون الخطة فإن إسرائيل يمكن أن تفرضها بصورة أحادية الجانب.
الخلاصة:
أليس هذه الدراسة من معهد الأمن القومي لجامعة تل أبيب هي ما تبقي من صفقة القرن التي إعتمدتها الإدارة الأمريكية وجاري تنفيذها بعد كل ما شرحناه .. إنها بالتأكيد الخطة والسيناريو المنوي تنفيذه رضي الفلسطينيون أم لم يرضوا، ويبقي السؤال الذي يحتاج إجابة من القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في ظل انقسام غامض ومرير وصراع غريب علي سلطة بدون سلطة وبعد كل هذه الخطوات الواضحة للسياسة الأمريكية والإسرائيلية المتناغمة في وقع وتسلسل خطوات نحو الدولة المؤقتة وغياب غير مفهوم للمصالحة واستعادة الوحدة والقرار الفلسطيني.
وهنا يجب العودة لكلام الاستاذ نبيل عمرو في ابريل ٢٠١٠ حيث يؤكد في نفس المقال :
إن التخوف الفلسطيني والعربي من فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة.. له ما يبرره، بل إنه صحيح مائة في المائة، إلا أن مواجهته لا تكون بتلقائية جامدة، دون معرفة ما وراءها، وإنما بتوسيع دائرة تحليل المقترح وإقناع الأميركيين والأوروبيين ببدائله الأكثر واقعية وجدوى.
إن الفلسطينيين الذين جربوا هشاشة الانسحابات الإسرائيلية من مناطقهم وفق التصنيف السقيم المسمى ABC، وعرفوا بالتجربة، وليس بالاستنتاج أن إعادة احتلال مناطق هو أسرع كثيرا من أي انسحاب تم أو ربما يتم. لن يطمئنوا لأي ترتيبات لا تتضمن ضمانات قوية راسخة تجعل ما سيحصلون عليه مصونا وغير قابل للعبث فيه.. وهنا إما تعود الأمور إلى انسحابات متدرجة، ولكن موثقة ومبرمجة ومضمونة التنفيذ حتى يحصل الفلسطينيون على ما لهم، وإما أن يذهبوا عبر جهد سياسي مكثف تقوده الولايات المتحدة وتعاونها فيه أطراف الرباعية الدولية، إلى حسم الملفات جميعا. وهذا ما تحدثت عنه بالأمس القريب السيدة هيلاري كلينتون مع ضرورة التفكير مليا في عامل الزمن الذي لا بد وأن يطول إلى حدود لا متناهية، وهذا ما نخافه وما يجب التفكير في تفاديه!
بقلم/ د. طلال الشريف