أوصى المجلس الثوري لحركة فتح في اجتماعه الأخير المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي ينعقد نهاية الشهر الحالي بحل المجلس التشريعي، قد يكون من حق المجلس الثوري أن يقدم توصيته إلى كتلته البرلمانية وأن يطالب أعضاء المجلس المركزي ممن ينتمون إلى الحركة بتقديم مشروع قرار للمجلس المركزي بحل المجلس التشريعي، لكنه لا يمتلك الصفة التي تخولة تقديم توصياته مباشرة إلى المجلس المركزي، لكن المشكلة لا تكمن في الاجراء بل في المضمون ذاته المتعلق بحل المجلس التشريعي، حل المجلس التشريعي سواء بمرسوم صادر عن الرئيس أو بقرار من المجلس المركزي سيفتح بوابة اجتهاد لن تغلق حول قانونية القرار، وأيضا المشكلة لن تكون هنا فقط بما تشكله من مادة تعمق فجوة الاختلاف وتزيد الطين بلة، بل ايضاً في تبعات هذا القرار.
لنفترض جدلاً أن من حق المجلس المركزي حل المجلس التشريعي بإعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي مرجع السلطة الوطنية ومكوناتها، فهل يعني قرار حل المجلس التشريعي أن المجلس المركزي سيقوم بالمهام الموكلة للمجلس التشريعي في مساءلة ومحاسبة السلطة التنفيذية وسن القوانين؟، وهل سيتم طرح المراسيم الصادرة عن الرئيس خلال سنوات تعطيل المجلس التشريعي على المجلس المركزي في أول إجتماع له بعد أنتزاعه لصلاحيات المجلس التشريعي كما ينص عليه القانون؟، حل المجلس التشريعي يعني أن أعضاءه فقدوا صفتهم النيابهم التي جاءت ببعض منهم إلى عضوية المجلس الوطني، فهل يعني ذلك أنهم فقدوا ايضاً عضويتهم في المجلس المركزي؟، وإن كانت الخطوة التالية إجراء الانتخابات التشريعية فمن سيقوم بتعديل قانون الانتخابات كما اتفق عليه في القاهرة أو حتى بنظام النسبي الكامل كما يطالب البعض؟، وإن كنا ذاهبون لإنتخابات تشريعية قادمة فهذا يعني أننا نواصل العمل بمفهوم السلطة التي أفرزتها اتفاقية اوسلو وليس بمفهوم الدولة استناداً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكيف يكون ذلك ونحن نهدد ليلاً ونهاراً بأننا لن نحترم اتفاق لا يحترمه العدو؟.
صحيح أن المجلس التشريعي منذ اليوم الأول للانقسام تخلى عن مسؤولياته وإنضم إلى أدوات الانقسام ذاتها، وباتت تجتمع كتلة حماس في غزة وتسن القوانين لحكومة غزة، ومن جانبها كتلة فتح البرلمانية ويشاركها أحيانا كتل برلمانية أخرى تناقش في رام الله بعض القضايا من باب الفضفضة ليس إلا، والذي بات معه المجلس التشريعي الحاضر الغائب، إلا أن السؤال ما فائدة حل المجلس التشريعي إن لم يكن في سياق خطة متكاملة واضحة المعالم ننتقل فيها من السلطة إلى الدولة؟، ألا يخشى المطالبون بحل المجلس التشريعي أن يتسبب ذلك في دفع الانقسام بإتجاه الانفصال؟.
القاريء للمشهد الفلسطيني لا يعوذه الكثير من الاجتهاد ليكتشف حالة التخبط التي تسيطر علينا، نريد دولة ونتمسك بتلابيب السلطة، نلعن اوسلو ونتمرغ في افرازاتها، نؤمن بالمفاوضات ونكفر بها، نريد مقاومة ونلهث خلف التهدئة، نحمل الانقسام المسؤولية عن المصائب التي حلت بنا ولا نقوى على فراقه، نُخون الآخر منا ونبدي حرصنا على حواره، نتواصل مع رام الله ونحاكم من يتصل بها بتهمة التخابر، نتغنى بما نصرفه على غزة ونزيد الخناق عليها، نتشدق بالمصلحة الوطنية ونسمح للمصلحة الحزبية أن تطيحها أرضاً، لا نريد لدولة عربية أن تتدخل في شؤوننا الداخلية ونفتح الأبواب أمام أخرى كي تنتهك عذريتنا.
لسنا بحاجة إلى مزيد من القفزات في الهواء، فقد أوجعتنا سابقاتها حين ارتطمنا بالواقع وغاصت أقدامنا في وحل الانقسام، ولسنا بحاجة إلى تجربة تقودنا إلى خيبة أمل جديدة، كل ما نحتاجه وقفة صادقة نعترف فيها بأخطائنا ونعتذر لشعبنا عن كل الآلام التي لحقت به التي كنا سببا فيها وأن نحدد بعدها خطوتنا اللاحقة على جادة الصواب
د. أسامه الفرا