لا يوجد خلاف على أن الانقسام القائم في الساحة الفلسطينية يمثل السبب الأول لأزمة النظام السياسي الفلسطيني، لكن الانقسام بحد ذاته هو نتيجة تحولت إلى سبب.
وجذر الأمرين هو دون شك، تراجع الالتزام بمبدأي الشراكة الوطنية، وحق الجمهور في الممارسة الديموقراطية، منذ انهيار حكومة الوحدة الوطنية عام 2007.
ويعمق الأزمة فشل مشروع الحل السياسي، وفشل المفاوضات، وخروج إسرائيل على كل الاتفاقيات وإمعانها في محاولة تصفية الحقوق الفلسطينية، وهو فشل يفترض أن يكون دافعا للوحدة وليس الى مزيد من الانقسام الداخلي، ولن يعالجه سوى إستراتجية وطنية جديدة، تركز على تغيير ميزان القوى المختل.
غير أن الإستراتجية الوطنية البديلة المرتكزة على تصعيد المقاومة الشعبية وحركة المقاطعة، لن يكتب لها النجاح ما لم يتوفر لها عنصر الوحدة الوطنية، ووجود قيادة موحدة لحركة التحرر الوطني.
وهو أمر لن يتحقق بصورة مقنعة للجمهور ما لم يؤخذ في الاعتبار عنصر آخر وهو الحاجة للتجديد، وتقديم قيادات شابة تقدم دماءً وطاقات جديدة للقيام بمهمات بالغة الصعوبة في مواجهة ما يسمى بصفقة القرن، والاستيطان والتهويد والتطهير العرقي، وقانون القومية اليهودي والأبارتهايد العنصري، والتطبيع الخطير الذي يتصاعد مع المحيط العربي.
لن تُحل الأزمة القائمة باتخاذ اجراءات تزيد من تعميق الانقسام، أو باتخاذ قرار غريب بحل المؤسسة الوحيدة التي انتخبت مباشرة من الشعب بالانتخابات الديموقراطية، والوحيدة التي تضم، رغم شللها بسبب الانقسام، معظم أطراف الطيف الوطني.
ما سيحل الأزمة، هما قراران شجاعان، من قبل كل الأطراف، أولا بالدعوة لإجراء انتخابات جديدة فورا رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني، على أساس التمثيل النسبي الكامل، لتجديد المؤسسات الشرعية بما فيها المجلس التشريعي بدل إلغاءها.
وثانيا بانضواء جميع القوى فورا، وقبولهم في منظمة التحرير وهيئاتها إلى أن يتم إعادة بناء مؤسساتها على أساس اتفاقات المصالحة الوطنية.
هذان القراران، سيشكلان أساسا فعليا لإنهاء الانقسام وتعزيز الشرعية، ولخلق قيادة وطنية موحدة، تعتمد إستراتجية وطنية موحدة، وتواجه مخططات إسرائيل وكل من يساندها بمواقف مسؤولة موحدة، كما سيضمنان استعادة الشعب الفلسطيني لحقه في الممارسة الديموقراطية، التي تعطلت فعليا منذ حدث الانقسام عام 2007، فحُرم الشعب من حقه في الانتخاب لثمانية أعوام، أي لفترتين انتخابيتين متتاليتين.
ولا يمكن بالطبع استبعاد أن تضع إسرائيل، وربما أطراف خارجية أخرى عقبات في طريق الانتخابات بما في ذلك إجراءها في القدس، غير أن ذلك يمكن أن يشكل تحديا يخلق فرصة لجعل الانتخابات وإجراءها شكلا جديدا لممارسة المقاومة الشعبية، سيذهل العالم، ويحشر حكومة إسرائيل في الزاوية إن أحسنا استخدامه.
لم تشكل الحلول الإدارية والقسرية حلا لأي أزمة سياسية في أي مكان، وفلسطين ليست استثناءً، بل على العكس، فكونها ما زالت تعيش تحت الاحتلال، يجعلها أكثر حاجة للتوافق الوطني والشراكة من أي مكان آخر.
لا يوجد سوى طريق واحد لإنهاء الأزمة، الشراكة والممارسة الديموقراطية.
بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية