بعد فترة ليست قصيرة من اتخاذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية جملة من القرارات التي اتسمت بكونها إشارات تحذير، إن كانت موجهة لإسرائيل أو لأميركا أو لحركة «حماس»، دون أن تقيم تلك الجهات وزناً لتلك التحذيرات أو دون أن تأخذها على محمل الجد، ظانّة أن القيادة الفلسطينية قد انعدمت الوسيلة أو الأداة التي يمكنها بها أن تغير من حالة الرخاوة القائمة، إن كان فيما يخص ملف إنهاء الاحتلال أو ملف إنهاء الانقسام، جاء اجتماع المجلس المركزي في دورته الثلاثين، ليكون مختلفاً، من حيث طبيعة ما سيتخذه من قرارات ومواقف تجاه مثلث الخصومة السياسية الخاص بالسلطة والقيادة ومنظمة التحرير الفلسطينية.
يمكن بقليل أو حتى بكثير من المجاز اعتبار أن القرارات السابقة للمركزي وهو هيئة وسيطة بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني، أي أنه أقوى من حيث التمثيل من اللجنة التنفيذية، لأنه يمثل المجلس الوطني، أي أنه يمثل الهيئة العليا بين اجتماعي الوطني، يمكن اعتبار قراراته السابقة كما لو كانت مثل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو حتى مثل قرارات مجلس الأمن الدولي، لكن تحت البند السادس، أما قراراته هذه المرة فهي كما لو كانت من ضمن البند السابع، موجبة التنفيذ.
ويمكن القول أيضاً: إن عقد دورة المجلس الوطني في أيار من هذا العام، دون أن يتم ضم كل من «حماس» و»الجهاد الإسلامي» للمنظمة، كان له مهمة أساسية وهي الدفع بالمجلس المركزي ليكون أكثر فاعلية، بعد تجديد عضويته، خاصة لجهة انتخاب المستقلين، وبهدف معالجة العجز القائم منذ سنوات طويلة بسبب تعطيل عمل المجلس التشريعي منذ حدوث الانقسام الداخلي وبسببه أيضاً.
لذا فإن اتخاذ القرار بحل المجلس التشريعي بقدر ما يعتبر ضربة سياسية ساحقة لحركة «حماس» التي ما زالت تستند في محاولتها تمثيل الشعب الفلسطيني، ومزاحمة م ت ف على التمثيل، إلى أكثريتها في المجلس التشريعي، بهدف إجبارها على الرضوخ لاستحقاق إنهاء الانقسام من جهة، ومن جهة ثانية قطعاً للطريق على محاولة تمرير صفقة القرن بالاعتماد على «طرف فلسطيني» يشارك فيها تحت أي سبب أو مبرر.
ونقصد هنا بالطبع حركة «حماس» التي يحاول الأميركيون والإسرائيليون إجلاسها على المقعد الفلسطيني في أي ترتيبات لتلك الصفقة من خلال مدخل المساعدة الإنسانية لقطاع غزة، أو من خلال حوارات التهدئة، حيث ليس من المستبعد أن تبدأ تل أبيب وواشنطن بترويج أن «حماس» تمتلك الأغلبية البرلمانية التي تخولها تشكيل حكومة يمكن الاعتراف بها من قبلهما، إذا ما قبلت الحركة الانخراط في ورشة تنفيذ الصفقة.
لذا فإن تحديد المثلث المستهدف علانية وبوضوح من الرئيس في كلمته الافتتاحية لجلسة المركزي، كذلك تأكيده على أن صفقة القرن لن تمر، يعني أن كل القرارات ستكون من أجل تمكين القيادة الفلسطينية من مواجهة إعلان تلك الصفقة المتوقع بعد انتخابات الكونغرس النصفية بعد أيام.
لذا لم يكن عبثاً عقد جلسة المركزي قبل تلك الانتخابات بقليل، كذلك كانت كلمة رئيس المجلس الوطني تكمل توضيح هذه المهمة للجلسة، حين قال: إن القرارات التي سيتخذها المجلس لها تبعات كبيرة، وإنه لا بد من إنهاء الانقسام وإن الممر الإجباري لنظام الشراكة هو الدخول في إطار الشرعية الفلسطينية، أي دخول م ت ف من بوابة المجلس الوطني.
لكن غياب معظم فصائل م ت ف إضافة إلى حركتي «حماس» والجهاد بالطبع، أغضب الرئيس وأحزنه، رغم أن جلسة المركزي قد عقدت بالنصاب القانوني وليس بمن حضر، أي أنها كانت شرعية من الزاوية القانونية، لكنها من الناحية الوطنية أظهرت تردد فصائل العمل الوطني، التي قدرت بأن قرارات المركزي ستمس المواطنين في قطاع غزة، جرياً على ما سبق واتخذته السلطة من قرارات مست رواتب الموظفين وقطاع الخدمات العامة، وخشية من أن تؤدي صعوبة القرارات الموجهة لـ»حماس» إلى إغلاق الباب نهائياً أمام أمل وحلم المصالحة الداخلية.
رغم هذه المخاوف إلا أن النتائج متوقفة بتقديرنا على ما يمكن أن يبدع فيه المجلس، فإن نجح في التمييز بين فرض العقوبات على «حماس» دون مواطني غزة، يكون قد حقق المراد، أي أنه لو أعلن حل المجلس التشريعي الخاص بـ»حماس» كما أوصى بذلك المجلس الثوري لـ»فتح»، دون اتخاذ قرارات بقطع رواتب موظفي غزة تماماً، أو أن يزيد من نسبة الخصومات، أو يغلق البنوك أو يمنع إصدار جوازات سفر المواطنين أو تسريح الموظفين بشكل كامل، خاصة في قطاعي التعليم والصحة، أي باختصار لو اكتفى المركزي بقرار حل التشريعي، خاصة أنه يمكن له لاحقاً في جلسة تالية أن يتخذ مزيداً من الإجراءات، في حال استمرت «حماس» في تمنعها، فإن ردة فعل الشارع وحتى فصائل العمل الوطني لن تكون صاخبة، و»حماس» لن يكون بمقدورها أن ترد بالتوغل في إجراءات التهدئة المنفردة، أو في إظهار الاستعداد للاقتراب أكثر من إسرائيل وأميركا.
أما فيما يخص القرارات تجاه التنسيق الأمني ومجمل اتفاقات أوسلو بشقيها الاقتصادي والسياسي، إلى جانب الأمني، فرغم أنها ستفتح جبهة المواجهة على مصراعيها مع إسرائيل وأميركا، إلا أنها ستقابل بالترحاب الداخلي وبالالتفاف الفصائلي والشعبي حول القيادة الفلسطينية.
أي أنه بقدر من الحنكة والتعقل يمكن للمجلس المركزي أن يحقق ما يريد تجاه مثلث خصومته السياسية، وأن يجد التفافاً وتأييداً داخلياً إذا ما حرص على أن تكون قراراته رحيمة بشعبه، شديدة على العدو، كما هي حال الآية الكريمة: «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم»، فقرارات على هذه الشاكلة ستعوّض نكوص الفصائل عن المشاركة والتعويض بالمشاركة الأهم وهي الانخراط في ميدان المواجهة التي ستنفتح أبوابها بعد الإعلان عن تلك القرارات.
بقلم/ رجب أبو سرية