مكانة منظمة التحرير الفلسطينية وفضاء تأثيرها لم يتكونا بمحض الصدفة أو أن الظروف ساعدت في ذلك، بل هو نتاج عمل نضالي متواصل عبر عقود من الزمن ودفعت من أجله الكثير من التضحيات الجسام، فمسيرة آلاف الشهداء والجرحى والاسرى لم تتوقف، والنهج الذي إختارته م.ت.ف في رسم سياساتها الداخلية والخارجية لم يكن وليد مصالح آنية، ولم يكن انطلاق الثورة الفلسطينية إغاثية، بل عملت على تحويل كيس الدقيق وعلب السردين الى بندقية وخنادق وقتال مستمر وكان الهدف النصر، والنصر هو التحرير طريق العودة.
ولقد تبنت م.ت.ف في السبعينيات التدويل كجزء أساسي من استراتيجية التحرير، ويأتي في هذا السياق قرار الجامعة العربية الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، واعتراف الأمم المتحدة بالشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير والعودة وعشرات القرارات ذات الصلة.
وتؤمن قيادة م.ت.ف أنه لا يمكن التقدم في القضية الفلسطينية سواء في استيراتيجية التدويل "الصراع والحل"،وغيرها، في ظل الانقسام، لهذا جاء اجتماع المجلس المركزي الثلاثين أشبه بعملية جراحية كبرى ذات مهارة، يعرف الجراح أنه يتعامل مع أمر خطير وفيه تداعيات وفيه مضاعفات، ولكن الوقت لا يسمح بالمزيد من الانتظار، لأن الجسد كله معرض للانهيار الكلي، ولأن المماطة لا تقدم الا السوء، بالتالي كان لزوما الدخول في العملية وتوقعات كثيرة في الطريق، ولأن العملية الجراحية لا يمكنها أن تنتهي بوضع المشرط جانبا، بل تحتاج لفريق عمل جماعي وتقنيات متقدمة وضمير يقظ في متابعة المريض وعدم تعريضه لأي من المخاطر الأخرى، كن لزاما أن يكون القرار بالوحدة الوطنية وانهاء الانقسام سبيلا لمواجهة المشروع الصهيوني الأخطر على وجودنا والذي لا يمكن أن يكون بالقياس مع أي إحتلال وتجارب أخرى للشعوب، فهذا الاحتلال مختلف تماما وبالتالي التعامل معه يحتاج للاستئناس بتجارب الشعوب والعمل على مقاومته وكلما كانت تكلفة المقاومة أقل، وكلما كان تأثيرها في الرأي العام الدولي أكبر، كلما استطعنا الحفاظ على العنصر البشري سر البقاء والارض ووجود القضية حيَّة جيل بعد جيل، وأيضا كان القرار أن البرنامج الموحد تحت مظلة البيت الفلسطيني الجامع والشامل م.ت.ف هو الطريق الى الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والحفاظ على الثوابت الوطنية والعمل وفق المرجعيات الدولية وكل القرارات والمواثيق ذات الصلة وإجبار العالم على انهاء هذا الاحتلال العنصري الاحلالي الاستعماري.
التشكيك في منظمة التحرير الفلسطينية، ليس وليد اليوم، بل رافقها منذ انشائها وولادتها، ولم يضيرها التشكيك بل عملت على استثمار كل ذلك من أجل تمكين المنظمة ورسوخ مواقفها واهدافها وقيادتها للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، واليوم أيضا لن يضيرها التشكيك لأنه لا جدوى منه ولن ينال منها، ولكنه قد يطيل الوصول للاهداف، ولن يلغيها بالاقوال المختلفة، فنجاح عقد الاجتماع الأخير يعني أن الأفعال هي الرد البليغ والطريق الطويل والنضال المستمر المنشود.
بقلم/ د. مازن صافي