القضية الفلسطينية مسؤولية عربية أيضاً ويجب البدء بتحرك جدّي

بقلم: اللواء. محمد إبراهيم

بعيداً عن التعرض لقضايا الوضع الفلسطيني الداخلي بكل مكوناته سواء الوضع في غزة أو المصالحة أو التهدئة أو وقف إطلاق النار أونتائج اجتماعات بعض المؤسسات الفلسطينية أجد أن هناك ضرورة ملحة للوقوف كثيراً عند موضوع شديد الأهمية ولم ينل حظه من المتابعة والتدقيق والتحليل وأعني بذلك تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي التي أدلى بها أخيرا بأنه على استعداد للقبول بكيان فلسطيني أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي مع استمرار السيادة الأمنية الإسرائيلية من البحر إلى النهر .

لا شك أن هذه التصريحات تعد ظاهرة كاشفة لحقيقة موقف الحكومة الإسرائيلية التي أسقطت حل الدولتين من أجندتها تماماً وبدأت تتحرك لإنهاء القضية الفلسطينية أو محاولة رسم خريطة منقوصة ومشوهة لشكل الدولة الفلسطينية التي ستكون جوهر التسوية السياسية إذا ما اضطرت تحت ضغوط مستقبلية لاستئناف التفاوض ولذا فقد قام نيتانياهو بإعلان رؤيته وموقف حكومته إزاء مستقبل التسوية بطريقة واضحة لا لبس فيها ولعله يذكرنا بها .

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا طرح نيتانياهو رؤيته في هذا التوقيت وبهذا الوضوح , وأعتقد أن الإجابة تكمن في المحددات الأربعة التالية : -

المحدد الأول أن القضية الفلسطينية تراجعت أهميتها في الأجندات الإقليمية والدولية بشكل كبير ولم تعد تمثل الأولوية التي تميزت بها خلال فترات سابقة ولم يعد هناك حديث جدي عن عملية السلام وبالتالي هناك قناعة إسرائيلية بأن أي إجراءات أو سياسات متشددة تتخذها لن تلقي اهتماماً أو معارضة مؤثرة من المجتمع الدولي .

المحدد الثاني أن التركيز الإسرائيلي فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني ينصب على قضية غير سياسية وهي طبيعة الوضع الأمني في غزة وتداعيات مسيرات العودة ومدى ما يمثله إطلاق الصواريخ من القطاع من تهديد للأمن الإسرائيلي وكيف يمكن التوصل للتهدئة تجنباً لعملية عسكرية غير محسوبة قد تؤثر نتائجها على وضعية نيتانياهو .

المحدد الثالث اقتراب الولايات المتحدة من طرح رؤيتها السياسية لحل القضية الفلسطينية والتي تعرف بصفقة القرن وحرص نيتانياهو على تثبيت مواقف حكومته قبل طرح هذه الخطة بشكل رسمي .

المحدد الرابع تأكيد نيتانياهو مواقف حكومته إزاء عملية السلام والحرص على ألا يؤثر أي حل سياسي بالسلب على أمن إسرائيل وهو الأمر الذي يدعم شعبية نيتانياهو وحزب الليكود في مواجهة أي تيارات سياسية أخرى معارضة لتوجهاته , كما يزيد من قدرته على عبور قضايا الفساد التي مازالت تلاحقه وأسرته خاصة مع محاولته إقناع الرأي العام الإسرائيلي بإنجازاته السياسية الإقليمية والتي كان آخرها تحسن علاقاته العربية وتحديداً زيارته الأخيرة لسلطنة عمان التي يعتبرها مقدمة لزيارات أخرى مقبلة.

إذن فالمشهد السياسي الحالي أصبح مشهداً رباعياً شديد الخطورة وشديد الوضوح ومفاده باختصار موقف إسرائيلي رافض تماماً فكرة الحل السياسي العادل والمتمثل في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ثم موقف أمريكي متحيز تماماً للموقف الإسرائيلي ويسقط أهم قضايا الوضع النهائي ( القدس واللاجئين ) وكذا موقف فلسطيني يركز على قضاياه الداخلية ويفتقد الدعم الحقيقي من الأطراف الداعمة له تاريخياً وفي النهاية موقف عربي لا يزال يدور في فلك وضعية المراقب ولا يمارس الجهد العملي المطلوب لتنشيط القضية العربية المحورية لأسباب متعددة.

وبالتالي لدينا أربعة أسئلة مهمة تحتاج لإجابات قاطعة أولها ماذا ننتظر لبدء تحرك عربي حقيقي يحمل على عاتقه بشكل جدي القضية الفلسطينية وثانيها هل وصلنا إلى قناعة بأن القضية أصبحت غير قابلة للحل وبالتالي لا تستدعي بذل الجهد المطلوب ومن ثم علينا قبول أي حل سياسي مطروح؟. وثالثها كيف يمكن مواجهة هذه المواقف المتعنتة إسرائيلياً وأمريكياً ورابعها كيف يمكن للجانبين الفلسطيني والعربي الخروج من دائرة الانشغال بقضاياهم الداخلية التي تحقق لإسرائيل أهم أهدافها دون عناء أو دفع أي مقابل؟.

وارتباطاً بذلك أرى الا نعول مطلقاً على إمكان تغيير إسرائيل أو الولايات المتحدة مواقفهما بإرادتهما ودون أن نقوم نحن بدورنا ونبذل الجهد المطلوب لتحريك عملية السلام ومحاولة فرض مواقفنا عليهم حتى بغض النظر عن نتائج هذا الجهد ولكن قد يكفينا أننا قد تحركنا بجدية وقوة ومن ثم أرى أن يقوم الجانب العربي خلال فترة قريبة بتحرك يشمل محورين رئيسيين الأول محور نظري وهو التأكيد الجماعي على المبادئ العامة التي تحكم حدود الموقفين الفلسطيني والعربي والواردة في مبادرة السلام العربية، والثاني محور عملي وهو الموافقة العلنية على استئناف المفاوضات مع إسرائيل على أسس متفق عليها من حيث التوقيت والمرجعيات وشكل التفاوض وموضوعاته وحبذا لو تم تحديد توقيت قريب لبدء عملية التفاوض قبل نهاية عام 2019 وإلا فما هو البديل والوقت ليس في مصلحتنا، ومازلت أرى أن مصر هي أكثر الدول المؤهلة لقيادة الجهد العربي في هذا الشأن .

كلمة أخيرة أود أن أوجهها للدول العربية التي ترغب في إقامة علاقات مع إسرائيل وأقول إن كل دولة من حقها تماماً إقامة العلاقات التي تحقق أهدافها ومصالحها، ولكن في حالتنا العربية يجب أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في إطار أي علاقات عربية إسرائيلية مستقبلية وذلك من منطلق أن هذه القضية تعد مسئولية عربية وليست مسئولية فلسطينية فقط، ولعلي هنا أضرب مثالاً بأن الرئيس الراحل أنور السادات وقع أولاً على ما يسمى إطار السلام الشامل في الشرق الأوسط والذي يتضمن حلاً للقضية في إطار الشرعية الدولية في 17 ايلول 1978 وقبل أن يوقع على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بستة أشهر في 26 ايار 1979.

بقلم/ اللواء محمد إبراهيم