اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني ، وتناقضات المشهد الفسطيني

بقلم: اللواء محمود الناطور

شكلت الظروف التي مر بها الشعب الفلسطيني، في سنوات الصراع الطويلة من اجل استعادة حقوقه، عاملا مؤثرا في تشكيل الشخصية الفلسطينية ، والتي كثيرا ما قيل انها تتصف بالميل الى "الزعامة" و "المزاجية" والتي تتحكم بصورة كبيرة في مواقفنا جميعا كفلسطينيين.
وبالرغم من ذلك فقد كان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، كإطار جامع لكل الأطياف والاختلافات الفلسطينية ، كإنجاز تاريخي غير مسبوق. وهو ما دفع بالكثيرين للمحافظة على هذا الإطار بالرغم من الاختلافات ، التي كانت دائما محكومة ومدفوعة من أطراف خارجية حاولت ان تسيطر على شؤون الفلسطينيين خدمة لمصالح تلك الطراف ، وليس خدمة للفلسطينيين أنفسهم.
ونجحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالمحافظة على هويتها واستقلالها وقرارها وخاضت معارك سياسية وعسكرية جعلتها تنتزع صفة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، بفضل نضال القادة المؤسسين عبر عقود من الزمن ودفعت من أجله الكثير من التضحيات وآلاف الشهداء والجرحى والاسرى.
وجاءت اجتماعات المجلس المركزي في دورته الثلاثين ، دورة الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت الوطنية، في ظل ظروف غاية في الدقة والخطورة ، على صعيد التحديات الداخلية والخارجية المحدقة بالقضية الفلسطينية ، والتي تطلبت قرارات على مستوى تلك التحديات وبعيدا عن الانفعالات ، فقضيتنا الوطنية لا تحتمل أية مغامرات.
وبالرغم من ذلك الموقف الحساس والخطير، فإن عددا من القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة والشريكة في صناعة القرار الفلسطيني لسنوات طويلة، قررت ان تقاطع تلك الاجتماعات دون ان تقدم أية بدائل أو مخططات لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه شعبنا وقضيتنا، وان كنا نعتقد ان ذلك يندرج في إطار المناكفات التي تحكمها طبيعة الشخصية الفلسطينية التي ذكرناها آنفا.
ولقد جاء اصرار الرئيس محمود عباس على ضرورة انعقاد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني، بالرغم من تلك المقاطعة الغير مبررة والغير مفهومة ، وبالرغم من الضغوط الداخلية والخارجية، الداعية الى تأجيل تلك الاجتماعات. ولم يكن أحد يتوقع أن تصدر عن اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير قرارات أكثر حزماً ووضوحاً من تلك التي اتخذها وخاصة فيما بتعلق بمستقبل العلاقة مع إسرائيل. فقد قرر المجلس : نظراً لاستمرار تنكر إسرائيل للاتفاقات الموقعة، فإن المجلس المركزي، وتأكيداً لقراره السابق باعتبار أن المرحلة الانتقالية لم تعد قائمة، يقرر إنهاء التزامات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كافة تجاه اتفاقاتها مع سلطة الاحتلال، وفي مقدمها تعليق الاعتراف بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية، بما فيها اتفاق باريس، لم تعد قائمة. وخوَّل المجلس المركزي الرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية متابعة ذلك وضمان تنفيذه. وشكّل لجنة مؤلفة من 21 عضواً من المجلس وقيادة منظمة التحرير وحركة «فتح» وقادة الفصائل وممثلين عن الحكومة والأجهزة الأمنية وشخصيات مستقلة، لدرس تنفيذ القرارات. وتفويض الرئيس عباس لتحديد العلاقة مع الإدارة الأميركية واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الانقسام.
وبالرغم ان القرارات التي اتخذها المجلس المركزي اعتبرت حازمة وقاطعة ومقبولة شعبياً، حتى من اكثر قوى المعارضة تشددا، التي لم تطالب بما هو أكثر من ذلك، الا ان الشكوك اثيرت من المشككين حول قدرة منظمة التحرير على تنفيذ تلك القرارات بسبب السيطرة الإسرائيلية الفعلية على مفاصل الحياة والاقتصاد والحركة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي المقابل اعتبر رأي إيجابي آخر ان الرئيس عباس لجأ الى تلك الصيغة التي تمنحه هامش اوسع للمناورة، في ضوء التعقيدات التي تشهدها القضية الفلسطينية في المرحلة الحالية. فالقرارات جميعها تُركت للجنة مكونة من الرئيس واللجنة التنفيذية وأعضاء آخرين من «المركزي» للبت في التنفيذ وخاصة تلك المتعلقة بالعلاقة مع سلطات الاحتلال.
وعلى الصعيد الداخلي وبالرغم من قرارات المجلس المركزي حملت «حركة «حماس» المسؤولية الكاملة عن عرقلة المصالحة، إلا أنها أبقت الباب مفتوحا للعودة ومنحتها فرصة إضافية للتجاوب مع الجهود المصرية ومراجعة مواقفها، على ضوء تعثر موضوع التهدئة ورفع الحصار عن غزة، ومحاولة إسرائيل والولايات المتحدة تطبيق فكرة «دولة غزة».
ولقد اكد الرئيس محمود عباس ومن خلال دورة المجلس المركزي الأخيرة على موقف القيادة الفلسطينية الرافض لما يسمى «صفقة القرن»، في موقف صلب معبرا عن الإجماع الوطني في مواجهة إدارة ترامب التي تحاول ان تفرض ارادتها على كل العالم، ليسجل باسم الشعب الفلسطيني هذا الموقف البطولي، الوحيد الصامد في مواجهة إسرائيل الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب، الأكثر انحياز في تاريخ العلاقات بين الجانبين.
وفي هذا الإطار من حقنا ان نتساءل عن حقيقة مطالب قوى المعارضة الفلسطينية التي تطالب بإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لتستوعب الكل ، في الوقت الذي آثر الكثير من تلك القوى على الابتعاد وعدم المشاركة في اجتماعات المجلس المركزي في تلك الدورة المخصصة لمناقشة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية ، فكيف يمكن ان تستوعب منظمة التحرير الكل الوطني ، بينما تخرجت لك القوى من هذا الإطار بدون أي مبرر، وكأنهم ينسحبون اثناء المعركة ؟.
قد تكون هناك بالفعل أهمية لمطالب البعض بإعادة تفعيل وبناء منظمة التحرير بما يتناسب مع تحديات المرحلة لبناء استراتيجية وطنية لإعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني على أسس سليمة وصولا الى اجماع كافة القوى الفلسطينية على آليات مخططات التحرر الوطني، الا اننا نلاحظ في المقابل ممارسات عملية من كل الأطراف تتناقض كليا مع ما يصرحون به .
وفي نهاية الأمر ندعو قوى المعارضة الى العودة الى بيت الوحدة الفلسطيني ، الى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، الى الإطار الجامع لكل اطياف الشعب الفلسطيني ، لنطرح خلافاتنا جانبا ، ونضع مصالح شعبنا نصب اعيننا ، بعيدا عن المزاجية ومنطق الزعامة الذي حتما ولابد سنتضرر منه جميعا.

بقلم اللواء محمود الناطور ١-١١-٢٠١٨