بداية علينا القول بان سيل القوانين والتشريعات والقرارات العنصرية التي يجري طرحها وإقرارها والمصادقة عليها من قبل " الكنيست" البرلمان الصهيوني والمستهدفة لشعبنا الفلسطيني،ولكل تجليات وجوده من هوية وثقافة وتراث وتاريخ وانتماء وأرض وغيرها،هي تعبير عن أزمة عميقة يعاني منها الإحتلال والمشروع الصهيوني،حيث الحلم الصهيوني بالتوسع والتمدد،وإقامة هذه الدولة العنصرية من النيل الى الفرات،ينكفىء ويتراجع،لكي تقيم وتحيط نفسها بجدران عازلة ....وكل هذه القوانين والتشريعات والقرارات العنصرية،هدفها جرى تكثيفه فيما يسمى بقانون أساس القومية الصهيوني،طرد وتهجير وإقصاء وتغييب شعبنا الفلسطيني عن الوجود،فأحلام المؤسسين والقادة من الحركة الصهيونية امثال هيرتسل وبن غوريون واللاحقين غولدا مائير وبيغن وشامير وبيرس ورابين والحاليين نتنياهو وبينت وليبرمان وكحلون وريغف وغيرهم من قادة الإحتلال المتطرفين،بإختفاء شعبنا أو ابتلاع البحر له،او تبخره أو إبادته كما حصل مع الهنود الحمر،ثبت أنها ضرب من الخيال،فرغم موت كبارنا،فصغارنا لم ينسوا،بل ازدادوا تشبثا بوجودهم وبقائهم على أرضهم.....واول امس جرت المصادقة على قانون ما يسمى ب " الولاء في الثقافة " الذي تقدمت به المتطرفة العنصرية ميري ريغف،وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية،والتي جالت في قصور ومساجد عربان مشيخات الخليج،ومن هناك خاطبت " شعبها" بالقول " شعب" اسرائيل حي"، ومشروع هذا القانون الذي جرى المصادقة عليه بالقراءة الأولى أمس بأغلبية 55 صوت مقابل 44 صوت ،الهدف منه منح هذه المتطرفة الحق في منع او تجميد ميزانيات عن مؤسسات او هيئات ترفض الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية والرموز المشمولة في هذا القانون، وبعد مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على هذا القانون،سيتم تحويله الى لجنة التربية والثقافة التابعة للكنيست للدفع به والمصادقة عليه بالقراءتين الثانية والثالثة.
وبحسب نص مشروع القانون، فإن إلغاء ميزانية مؤسسة سيكون "في حال رفض الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، أو التحريض على العنصرية والعنف و"الإرهاب"، أو دعم الكفاح المسلح و"الإرهاب"، أو اعتبار يوم "الاستقلال" كيوم حداد، أو تحقير العلم الإسرائيلي ورموز الدولة".
نحن ننظر الى هذا القانون الخطر جداً،والذي يأتي كامتداد لقانون النكبة،والعلاقة المباشرة بقانون ما يسمى بأساس القومية،حيث هذا القانون يهدف إلى تخويل ريغف صلاحية تجميد أو تحديد ميزانية الجمعيّات والمؤسسات الثقافيّة التي تخالف بنود الولاء المنصوص عليها في هذا القانون، وبهذا يتم تحويل وزارة الثقافة إلى مؤسسة رقابة سياسية وعسكريّة وأمنيّة، وهو ما سيمسّ ويقتل حرية الإبداع وحرية التعبير عن الرأي عند المبدعين الفلسطينيّين والمبدعين التقدميّين الرافضين للعنصريّة وظلم وطغيان وعنجهية الاحتلال.
هذا القانون المتصل وعلى علاقة مباشرة بقانون ما يسمى بأساس القومية،يعتبر التطبيق الثقافي للبند الأول من قانون القومية الخاص بالطابع اليهودي للدولة،فقانون عدم الولاء يعاقب،كل من يرفض"وجود اسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية".إن هذا القانون العنصري المتطرف يتطلب تقوية المؤسسات الثقافية العربية في الداخل الفلسطيني- 48 ،من أجل القدرة على مواجهة خطورة وتداعيات هذا القانون العنصري،والهادف الى الردع والإسكات ومنع وقتل حرية الرأي والتعبير،وهذا الأخطر من منع الميزانيات،فمنع الميزانيات له هدف،التقليل من الإنتاج الثقافي والأدبي والفني ...حيث ضعف التمويل والموارد المالية للمؤسسات الثقافية العربية،سيؤدي في النهاية لإغلاق المؤسسات الثقافية الفلسطينية،التي تهتم بالتوعية والثقافة الوطنية الفلسطينية..ولذلك يجب التفكير بشكل جدي بالعمل على إستقلالية المشروع الثقافي الفلسطيني في الداخل – 48 – كحق لشعبنا الفلسطيني بالمحافظة على خصائصة القومية والثقافية،وكبديل عن استجداء التمويل من المؤسسة الرسمية للدولة ،والهادف الى الترويض الثقافي والسياسي.
قانون " الولاء في الثقافة" لن يكون القانون الأخير في سلسلة القوانين والتشريعات التي يجري سنها وطرحها للتصويت في " الكنيست" والمصادقة عليها،بل في ظل حكومة اليمين والتطرف والمستوطنين،أصبح كل شيء مشرعن ومقونن ضد شعبنا الفلسطيني،بما في ذلك سن قانون لإعدام الأسرى،بعد ان جرى سن تشريع يمنع تخفيض ثلث المدة للأسرى الأمنيين الفلسطينيين أسوة بالسجناء المدنيين.
جمعينا يعرف بأن قانون ما يسمى بقانون أساس القومية الصهيوني،هو دستور دولة الإحتلال،هذا الدستور الذي أعاد المشروع الوطني الفلسطيني الى المربع الأول،ووحد هذا المشروع،فالكل الفلسطيني مستهدف 48 و 67 وقدس ...الخ،قانون يقول للفلسطينيين،انتم اغراب في هذه البلاد، لا حق لكم لا في تقرير مصيركم،ولا في اقامة مدن وقرى خاصة بكم،وحتى لغتكم لن تكون لغة رسمية في هذه البلاد.
قانون " الولاء في الثقافة"،يريد من شعبنا في الداخل – 48- ان يعترف بان يوم نكبته،ليس يوم حداد على اغتصاب أرضه وطرده وتشريده منها،بل مطلوب منه ان يرقص ويحتفل على ألآلام شعبه وجراحه وعذاباته،فيما يسمى بيوم الإستقلال،مطلوب منه ان لا يتضامن مع أبناء شعبه في القدس والضفة والقطاع، ضد الجرائم وعمليات القمع والتنكيل، التي ينفذها ويرتكبها المحتل ضده وبحقه.
مطلوب منه ان لا يرفع العلم الفلسطيني في أي من مناسباته واحتفالاته.
مجابهة هذا القانون العنصري يتطلب مجابهة حاسمة من قبل كل القوى والأحزاب والمكونات العربية في الداخل الفلسطيني – 48- ،فلا بد من تقوية وتوفير قنوات وآليات لدعم المؤسسات العربية هناك،والتي تعنى بالفكر والهوية والثقافة العربية،وهذا كذلك يحتاج الى ان نحافظ على وجودنا هناك كأقلية لها خصائصها القومية والثقافية،وان لا نمكن المحتل من التعامل معنا كتجمعات سكاينة،بقصد تذويب هويتنا وخصائصنا القومية والثقافية،عبر قوميات وهويات مستدخلة.
هذا القانون العنصري يقول بشكل واضح التدجين والترويض مقابل التمويل، فلا ابداع ولا حرية رأي ولا تعبير.
بقلم/ راسم عبيدات