اذا كان ثمة ما يدعو لتخدير كل الأطراف الفلسطينية المتفقة والمختلفة من ان استمرار الوضع الراهن، والسرعة والقوة التي تتميز بها حركة الحلف الأميركي الإسرائيلي، فإن هذه الأوضاع وما يترتب عليها من مخاطر، تستحث الجميع، على ضرورة تحقيق استراتيجية وطنية جديدة.
المجلس المركزي الفلسطيني في دورته الثلاثين، اتخذ جملة من القرارات المهمة، التي يتباطأ البعض في تنفيذها ويستعجل تنفيذها البعض الآخر، تشكل جزءا من ملامح هذه الاستراتيجية، خاصة وان تلك القرارات، مسيجة بروح قتالية، متحدية.
من وجهة نظر موضوعية، لا يمكن اعتبار التأخير في تنفيذ هذه القرارات مسألة تستحق الإدانة والاتهام والتشكيك في خلفية تكرار التأكيد عليها في اكثر من محطة، ذلك انها، اي القرارات ليست قرارات إجرائية بسيطة، وان تنفيذها ينطوي على استحقاقات مهمة، اقلها ضرورة توفر رؤية سياسية عامة، وتحضير الذات لتقليل الثمن وتحتاج الى قوة كبيرة لحمل المسؤولية.
لا بد من التوقف عند الأسباب التي تؤدي بالمؤسسة الوطنية الفلسطينية الى اتخاذ مثل هذه القرارات التي تؤشر على بداية تحول عن نهج البحث في عملية سلام عبر المفاوضات لانتزاع الحقوق الفلسطينية، لقد أغلق التحالف الأميركي الإسرائيلي، وقبل ذلك إسرائيل بدعم أميركي أغلق الطريق أمام إمكانية التواصل مع عملية سلام مجدية على أساس رؤية الدولتين. لم يعد ثمة مجال لمفاوضات تديرها الولايات المتحدة بعد ان أزاحت عن الطاولة ملفي القدس وحق عودة اللاجئين، ثم ممارسة أقصى الضغوط على السلطة الفلسطينية، والآن فتح ملف غزة، على إعادة التأهيل بالقفز عن السلطة الشرعية. في الواقع يمثل الدور القطري، نموذجا لدور عربي لاحق، قد تنضم اليه دول اخرى، في سياق القفز عن السلطة الشرعية وبدون التنسيق معها.
لعل الدور القطري ازاء ملف قطاع غزة، يشكل مدخلا عمليا لطبيعة الحراك العربي القادم، الذي يرسم خطواته بالتوافق والتنسيق مع الحلف الأميركي الإسرائيلي.
نتحدث عن نجاح إسرائيل في توسيع وإعلان علاقاتها مع مجموعة من الدول العربية خصوصا الخليجية. ان الافتتاح الذي حققته سلطنة عمان، باستقبالها رئيس حكومة الاحتلال ومن بعده وزير المواصلات إسرائيل كاتس، يشير الى استعداد بعض العرب والكثير منهم لتجاوز أولوية القضية الفلسطينية، والانخراط العلني بدون حساب، في تحقيق التوسع الإسرائيلي.
سلطان عمان كسر الزجاج، حتى بات الحديث عن علنية العلاقات الإسرائيلية العربية، أمراً طبيعياً، لا ينتظر ردود فعل سلبية بالقدر الذي يُخجل هذه الانظمة، ويدعوها للتريث او التغيير.
العرب الذين أقروا بالإجماع مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام ٢٠٠٢، هم الذين يستجيبون للرؤية الإسرائيلية التي تقول إن التطبيع هو بداية الطريق، وبدون أية ضمانة لإمكانية التوصل الى سلام، لم نسمع من أي نظام عربي، اي إدانة للسلوك العماني والخليجي، بل بالعكس ثمة من أشاد بجرأة السلطان قابوس، واعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح، وباعتبار انه لا سبيل لإنكار وجود الدولة اليهودية.
وباستثناء بعض ردود الفعل المنتقدة على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، وبعض الأحزاب، والمنظمات المناصرة للقضية الفلسطينية، فإن المراقب لا بد ان يلاحظ غياب ردود الفعل الشعبية المنددة بتلك الخطوة.
وفي الطريق أخدت ترتفع الدعوات الأميركية والإسرائيلية لإقامة حلف ناتو أميركي عربي، وبالتأكيد إسرائيلي، بذريعة مواجهة الخطر الإيراني. الخطوة الإسرائيلية نحو عمان لم تكن سياسية ودبلوماسية، فها هو إسرائيل كاتس يذهب الى مسقط للبحث في إقامة مشروع سكة حديد تربط دول الخليج بالمتوسط.
من مدخل الامن، واستعداد إسرائيل للمساهمة في حماية الأنظمة العربية المرتجفة من الخطر الإيراني، ومما يستدعيه ذلك من توسع في دائرة عمل الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية، فإن عجلة التبادل الاقتصادي قد بدأت تتحرك بين إسرائيل وبعض الدول العربية. معلوم منذ البداية ان صفقة القرن ليست شأناً فلسطينياً إسرائيلياً، وانها تنطوي على أبعاد وأدوار عربية وإقليمية تمنح إسرائيل الحرية في التوسع على جثة الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية. الخطر إذاً يزداد اقتراباً، وتتسع دائرته، ما يعني ان الردود الفلسطينية عليه لم تعد كافية لا لردع الانزلاقات العربية نحو هاوية المخططات الأميركية الإسرائيلية، ولا هي كافية لحماية الحقوق الفلسطينية، ولا تكفي النصوص التي وردت في بيان المجلس المركزي لردع العرب المهرولين نحو التطبيع.
اذ لا بد من رؤية فلسطينية شاملة لكيفية حماية الحقوق الفلسطينية ووقف حالة التدهور العربي، سؤال الرؤية المطلوبة ليس موجهاً فقط لحركة فتح والمنظمة وانما هو موجه لكل الفصائل ان كانت مختلفة او متفقة.
بقلم/ طلال عوكل