نميمة البلد ستتطرق، في حلقتين متتاليتين، إلى نتائج مراسيم رئاسية كشفنا عن إمكانية حدوثها في المقال المنشور في العام 2012 تحت عنوان "في المقهى ترسم قرارات رئاسية"، وهي ذات دلالة على حجم ما يمكن أن يُصنع في المقهى، أو على طاولة الورق "الشّدة"، أو الطريق التي يمكن أن تسير عليه الأمور في التعامل مع أموال الخزينة العامة. وقد أشرنا حينها على أن أحد الاشكال التي تحضر فيها المراسيم الرئاسية الخاصة بالوظائف العليا في البلاد تحكمها "مدى العلاقة مع أصدقاء طاولة الورق في احدى مقاهي العاصمة المؤقتة حيث بات في المقهى تصنع وتحضر القرارات الرئاسية للترقية للفئة العليا أو فيها، وربما في إدارة شؤون البلاد".
هذا المقال يتعلق بمرسوم رئاسي خاص بمستشار رئيس الدولة للشؤون القانونية صدر بتاريخ 28/1/2015، وهو مرسوم غير منشور في الجريدة الرسمية "تم التستر عليه"، يقضي بتعديل مرسوم تعين المستشار القانوني الصادر بتاريخ 19/1/2010. يحمل هذا المرسوم في صياغته أمرين خطيرين؛
الأمر الخطير الاول: يتعلق، وفقا لنص المادة الثانية من المرسوم، بتعيينه محافظا في الرئاسية بدرجة وزير مع بقائه يعمل مستشارا للرئيس، على أن "يخضع لأحكام القانون رقم 11 لسنة 2004 من حيث حقوقه التقاعدية". هذا النص اخفى عن الرئيس عنوان القانون المذكور "قانون ورواتب ومكافآت الوزراء والنواب والمحافظين".
وإن كان الانتقال من قانون الخدمة المدنية إلى قانون الرواتب والمكافآت لن يضيف أعباء مالية اثناء وجوده في الخدمة الا أن المستشار يحصل على "منافع خاصة مستقبلية لنفسه" بعد احالته للتقاعد بتقاضي تقاعد المحافظين. لكن وجب العناية إلى أن هذا الانتقال يعني؛ التخلص من الحد العمري في الوظيفة العامة الذي يحدده قانون الخدمة المدنية بالوصول الى سن الستين كقاعدة آمرة، فيما لا يشترط القانون حدودا عمرية لمن يعين محافظا.
وكذلك التخلص من أحكام قانون التقاعد العام التي تشترط الاشتراك كحد أدنى 15 عاما في صندوق التقاعد للحصول على راتب تقاعدي، ومضروبا بـ 2% عن كل سنة خدمة بحد أقصى 35 عاما. أي ان الموظف العام عليه أن يعمل 35 سنة للحصول على 70% من متوسط راتبه للسنوات الثلاث الأخيرة وهما شرطان لا ينطبقان على سعادة المستشار. فيما تقاعد المحافظ يحصل على 10% عن كل سنة قضاها في الخدمة بحد أعلى 70% من راتبه "أي خدمة 7 سنوات" وبحد أدنى 50% من راتبه بغض النظر عن عدد السنوات التي قضاها محافظا.
الامر الخطير الثاني: تُظهر المادة الثالثة من ذات المرسوم سابقة خطيرة لم يجرأ أحد على فعلها بأن نصت على أن "يسري الأثر القانوني لهذا التعديل اعتبارا من تاريخ صدور القرار رقم 9 لسنة 2010" أي بأثر رجعي لمدة خمسة سنوات وتسعة أيام. وهو الامر الذي يشكل خروجا عن القواعد القانونية المستقرة من حيث سريانها بشكل فورية أو مستقبلي وليس بأثر رجعي. جاء هذا القرار "الطلب" بعد فشل تمرير مشروع قانون في مجلس الوزراء نهاية عام 2014 يقترح منح من هم بدرجة وزير تقاعد الوزير.
أي أن هذا النص مخالف للتوجهات العامة للحكومة الفلسطينية آنذاك التي رفضت مخالفة قانون الخدمة المدنية وقانون التقاعد العام بتحميل أعباء مالية على الخزينة العامة وعلى جيوب دافعي الضرائب الفلسطينيين لسنوات طويلة دون وجه حق، وفي عدم المساواة مع اقرانهم من الموظفين العامين الذين يخدمون لسنوات طويلة للحصول على راتب تقاعدي اقل منه بكثير.
يثير هذا المرسوم مسألة التعيينات والترقيات في الوظائف العليا وتضارب المصالح والمساس بالمال العام جراء طريقة تحضير المراسيم الرئاسية في السنوات الثمانية الفارطة. الامر الذي يشكل إشارة يتعين التقاطها من قبل المؤسسات الرقابية المكلفة بالعناية بالمال العام.
بقلم/ جهاد حرب