العرب ... من الوطن الأكبر الى الأنا الأصغر

بقلم: عدنان الصباح

لا يوجد عيد ميلاد محدد للجريمة بل ولا لأي فعل أيا كان فعادة هناك مقدمات ضرورية للوصول الى مرحلة الولادة وإلا فإنها لن تكون لمجرد الرغبة فالجريمة فعل حقيقي ملموس وهي بحاجة لمقدمات من الأفعال وردود الأفعال لكي يتم التمكن من بنائها والأمر هنا لا ينحصر في الجريمة فقط بل وفي كل البنى التحتية والفوقية القائمة و المكونة للمجتمعات الإنسانية

المقدمة ضرورية لقراءة حال العرب أو من يسمون أنفسهم اعتباطا بالعرب ذلك لان التسمية لا تكفي ابدا للقبول بها كحقيقة بل يجب فحصها على ارض الواقع للتأكد من سلامتها وإلا فان القومية تصبح ملهاة لا أساس لها من الصحة ان تبين على ارض الواقع وبالفعل الملموس ان مخرجات أفعالنا لا تمت لقوميتنا بصلة على الإطلاق ففي حين لا يتعدى حجم التبادل التجاري مثلا بين الدول العربية النسبة من 5 – 7% وحسب تصريح لرضا السعيدي مستشار رئيس الحكومة التونسية في حين يصل حجم التبادل هذا بين الدول الأوروبية الى 65% رغم انتمائهم الى عدة قوميات ولقائهم فقط باسم القارة وبين دول القارة الأمريكية الى 49% وأشار السعيدي إلى أن "50 بالمائة من الاستثمارات العربية موجودة بالولايات المتحدة الأمريكية، و20 بالمائة منها في دول الاتحاد الأوروبي، و11.2 بالمائة فقط بالدول العربية". وفي نفس الوقت فان حجم الاستثمارات السعودية في تركيا تصل الى 11 مليار دولار في قطاعات العقارات أولا ثم الطاقة والأغذية ويصل حجم التبادل التجاري السنوي الى أكثر من ستة مليارات دولار نسبة 2.5 الى 3.5 لصالح تركيا بينما م يزيد حجم التبادل التجاري بين السعودية ومصر عن 2.5 مليار دولار في العام 2017 وقد قال رئيس غرفة تجارة مكة انه يسعى الى رفع حجم التبادل الى ثلاثة مليارات في العام 2018بينما وبكل بساطة يصل حجم التبادل التجاري للسعودية مع الولايات المتحدة الى 135 مليار ريال سعودي لا تعتبر الأسلحة جزء من هذا التبادل ويصل التبادل التجاري مع بريطانيا الى 10 مليارات جنيه إسترليني وهكذا فان العلاقات العربية العربية لا علاقة لها على الإطلاق بأي إشارة الى وجود أية روابط أيا كانت لمفردات الوطن الواحد واللغة والواحدة والتاريخ المشترك ولا احد يشير الى حكاية الدم العربي الذي يجري في عروق العرب فقد تكون الكوكا كولا اليوم هي من تم استبدالها بالدم الذي في عروقنا ليصبح دما أمريكيا وإلا كيف نفسر السعي المحموم من قبل الشباب العرب بل والطاقات العربية للهجرة خارج بلدانهم بينما لا يوجد طلب واحد من غير العرب للهجرة الى البلدان العربية اللهم إذا استثنينا المشاركين في التنظيمات المتطرفة التي تخوض حربا غير مقدسة على ارض العرب.

إذا استثنينا محاولة الهاشميين إقامة مملكة عربية والتي انتهت بشكل مأساوي للهاشميين والعرب معا وما سعى إليه محمد علي الألباني من إقامة دولة عربية بقيادته فان فكرة وحدة العرب تظل صورة غامضة لا وجود لها على الأرض دون ان يجوز لنا القول بان الدولة الأموية أو العباسية كانت كذلك فهي دولة إسلامية يحكمها العرب حتى التحول في ظل الخلافة العباسية وما بعده, فالحقيقة المرة هي تأسيس دول عربية قطرية على يد الاستعمار الحديث بعد الحرب الاستعمارية الثانية وبالطريقة التي أراد لها سادة التقسيم ان تكون وتتواصل أكثر فأكثر فبعد النشاط الاستقلالي الشكلي للعرب منذ ان وضعت حرب الاستعماريين الثانية أوزارها والصراع المحتدم هو الصفة التي تميز علاقة العرب بعضهم ببعض وقد ظل الشكل الجامع لهم والمسمى جامعة الدول العربية مجرد صورة كاريكاتورية لا أكثر ولم تنظم مؤسسة القمة العربية بشكل لافت لا شكلا ولا مضمونا وظل العرب يعيشون أشكال من المحاور المتغيرة والمتحركة وغير الثابتة وفيما عدا مجلس التعاون الخليجي فان أيا من تلك الأشكال لم يكتب له الحياة ومع ذلك دبت رياح الخلاف والاختلاف حتى في مؤسسة مجلس التعاون الخليجي بشكل جذري حتى لم يعد احد يأتي على ذكره.

حال العرب اليوم لا يسر احد على الإطلاق سوى أعداء الأمة المفترضة من ناهبي خيراتها ووكلائهم فالعراق لم تعد عراقا بل أعراق وسوريا باتت مسرحا لكل مارق على وجه الأرض يقتل العرب بمال العرب وسيوف العرب وليبيا تذكرت أقاليمها الثلاث فجأة وصارت نعمة البترول نقمة وعادت العشائر لتصبح دول ولبنان باتت تفكر بزراعة الحشيش بعد ان كانت تنتج الثقافة بكل ألوانها ولم تعد اليمن تعرف السعادة حتى باسمها ومصر تلهث باحثة عن لقمة خبز وبات العرب يفتحون أبوابهم للإسرائيليين أكثر مما يفتحونها للفلسطينيين الذين قدموا إثباتا اخرق أنهم ليسوا اقل من أهلهم بصناعة الاختلاف عبر انقسام لا احد يدري لماذا يتواصل ولا لمصلحة من ولا حتى ما هي الأسباب الحقيقية لذلك ومن هو صاحب المصلحة الأولى والأخيرة, وكحال كل العرب وجدت دولة الاحتلال في الفلسطينيين أنفسهم مرتعا لتلعب بهم كيفما تشاء دون ان يندى جبين احد.

اليوم يعزف نشيد الموت للعرب المسمى هتكفا في بلاد العرب أوطاني وتجوب وزيرة ثقافة عبرنة الأرض العربية مدن العرب وتحتفي بانتصارها معهم وكذا يفعل وزراء عرب من البحرين والسلطنة يجوبون الأرض بحثا عن مخارج علنية لدولة الاحتلال ويستقبل قابوس نتنياهو وزوجته ووزراؤه علنا وعلى رؤوس الأشهاد في سلطنة عمان ولم يعد احد ينكر علاقته بدولة الاحتلال ليست الاقتصادية ولا الإنسانية ولا السياسية بل والأمنية في المقدمة وباتت بلاد فارس عدو العرب والعبرانيين حلفائهم علنا والذي لا يحالف إسرائيل يقتتل أو يقاتل غيره ويهرب العربي من العربي الى الغربي ويتعاون مسلحي الأطراف في سوريا مع دولة الاحتلال بلا أدنى مواربة بل ويسهلون لها مهماتها في بلادهم وتشكلت أحلاف ضد قطر ومع قطر ضد تركيا ومع تركيا وضد إيران ومع إيران والناظم المشترك بين الجميع ان لا احد مع العرب والكل ضد العرب ومرة أخرى وبوعي أقول العرب المفترضين فلو كانوا حقيقيين لما كان هذا حالهم.

ان الأخطر في أوضاع العرب اليوم هو الوضع الفلسطيني المنقسم على ذاته والذي تدير أطرافه حوارا مع العدو بعيدا عن بعضهم البعض فحماس تسعى في غزة الى الوصول لتهدئة تصل بها الى رفع الحصار عنها وتخفيف المعاناة عن أهلها والغريب ان الفصائل هناك مجتمعة تشارك بالأمر فلا احد يدري خارج غزة بوجع أهلها سوى من يعيش الوجع وتضع قطر وتركيا أصابعهم في الحل فيدفعون الرواتب ويؤسسون لمشاريع ويجري الحديث عن توسيع القطاع ولم يعد سرا ما اشر تاليه مرارا من فكرة إقامة مدن صناعية في سيناء لنقل سكان غزة إليها وقد نجد ترحيلا من ضفة الحكم الذاتي الى دولة غزة التي سترث شعار الحل القائم على دولتين لشعبين أحداهما يهودية كما تريدها دولة الاحتلال تحمل اسم دولة إسرائيل والأخرى إسلامية في غزة تحمل اسم دولة فلسطين فهل ستصل بنا الأمور الى ما حذرنا منه مرارا دولة فلسطينية في غزة وكانتونات يهودية وفلسطينية في الضفة الغربية التي سيجري تقاسمها بيننا وبين المستوطنين وهل سنجد في الضفة الغربية دولة عبرية جديدة مفترضة اسمها دولة يهودا بل وحتى دولة السامرة وهكذا الى ان تصبح قضية فلسطين قضية الفرد أو قضية حارته أو عشيرته أو حزبه أو جهته أو جيبه لا أكثر ولا اقل.

تماما كما بدأت خلافات العرب على أقطارهم تعود اليوم هذه الخلافات لتنخر الأقطار نفسها فتظهر الإمارات بالحرب أو بغير الحرب تارة باسم الطائفة أو العرق أو المال أو الحزب أو الجهة لكن الحقيقة الثابتة الوحيدة ان العروبة ما عادت لا فكرا ولا واقع وان بلاد العرب أوطاني صارت أغنية من حق كل أمم الأرض وأجناسها إلا العرب الذين فقدوا حق ان يصدحوا بأصواتهم بهذا النشيد.

بقلم/ عدنان الصباح