أيام ياسر عرفات

بقلم: أشرف صالح

كنت طالبا في المدرسة ولا يخطر ببالي أنني سأعمل في السياسة , وأكتب في السياسة , أوحتى أعمل في مجال الإعلام , حين أتى ياسر عرفات الى غزة عام 1994م  , ولا كنت أعلم أنني سأكب يوما مقالا في ذكرى رحيلة , ولا حتى كنت أعلم لماذا جاء ياسر عرفات الى غزة , فكل ما سمعته حينها من أبي وأمي بأنه سيكون لنا شرطة فلسطينية تحكمنا , وأننا سنتجول في بلدتنا بحرية دون قيود أومنع تجوال , وغيرها من الكلمات التي كانت تعبر عن فرحة أبي وأمي والجيران  لقدوم ياسر عرفات الى غزة , حينها بدأت تتكون شخصيتي بمزيج من حب المعرفة , وتغيير الواقع الذي نقلني من الإنتفاضة الأولى الى عصر جديد , وفرحة الناس والخروج الجماهيري الضخم لإستقبال ياسر عرفات .

كنت من رواد الإحتفالات في إستقبال السلطة وخاصة في وقت المدرسة  , فكنت لا أدخل البيت إلا في موعد الطعام , وتعلق قلبي في هذا المشهد الجديد والذي لم أراه من قبل , كما تعلقت قلوب الناس جميعا في هذا المشهد .

لكن هناك حدث مميز لا زلت أتذكره حتى الآن , كان هناك بعض الأشخاص من أبناء بلدتنا يوصفون وجود السلطة في غزة بالخيانه , ويهتفون ضددها ويقولون "غزة أريحا فضيحة" , فعلمت أنهم من معارضين أوسلوا , وبعد أقل من عام رأيت هؤلاء المعارضين يرتدون البدلة العسكرية والنجوم فوق أكتافهم , فكان هذا أول درس تعلمته في السياسة . وكانت بدايتي مع حب السياسة والإنتماء الى حزب سياسي .

أيام ياسر عرفات

في ذكرى الرحيل يعجز قلمي وتعجز كل الأقلام في وصف ياسر عرفات , ولكننا سنكون شهاد على زمن عرفات وما وصلنا اليه من زمن , فحين جاء ياسر عرفات من حندق الحرب الى أرض الوطن , مر بمحطات كثيرة تعلمنا منها دروس ودروس , فكانت الإنتخابات في عام 1996م محرمة , وفي عام 2006 حلال حلال , وكانت المفاوضات مع اليهود خيانة , واليوم المفاوضات مع اليهود في غزة مصلحة وطنية , وكان التنسيق الأمني في الضفة خيانة , واليوم التفاهم الأمني في غزة مصلحة وطنية , وكانت رواتب السلطة مشبوهة , واليوم رواتب غزة حقوق مشروعة , وكانت الدولة على حدود 1967م تنازل عن الأرض , واليوم الدولة على حدود 1967م وثيقة رسمية خرجت من غزة , وكانت المواكب منبوذة , واليوم المواكب تتجول في طرقات غزة ليلا نهارا .

أيام ياسر عرفات

كان الشاب الفلسطيني له كرامة , كان المواطن الفلسطيني له إحترام في الدول العربية , كان الطفل الفلسطيني له مستقبل , كانت المرأة الفلسطينية تجلس في بيت زوجها , ليس مطلقة ولا أرملة ولا عانس , كان إبن غزة يزور إبن الضفة عبر الممر الآمن , وكان العامل الفلسطيني يخرج صباحا الى العمل عبر إيرز , كان طالب الجامعة ينتظر التخرج بفارغ الصبر لأنه سيحصل على وظيفة , كانت الطائرات تزين مطار غزة الدولي , كانت أوراق الميناء جاهزة تنتظر التوقيع , كان السولار يملأ المحطات والدولار يملأ الجيوب دون حزبية وتفرقة بين الناس , وكان مقابل عمل وليس مقابل دماء , كان الشيخ صادقا والمسجد للجميع , كان الطفل سعيدا والمرأة كريمة والشاب خلوقا .

في ذكرى رحيل ياسر عرفات لا أستطيع أن أسرد التاريخ كله , فالتاريخ كتاب مفتوح ومتاح للجميع , وليتعلم من يتعلم ويفهم من يفهم , ولكنني خرجت بخلاصة جيدة ومفيدة , وهي أن تاريخ ومراحل ياسر عرفات مليئة بالدروس تستحق أن تكون منهج للتعليم , ولو تعلمنا منها جيدا لما كنا في هذا الحال الذي يصعب على الكافر .

بقلم/ أشرف صالح