ياسر عرفات لماذا تركت القوم وحيدا ؟

بقلم: رامي الغف

يموت الخالدون بكل فج، ويستعصي على الموت الخلود.

ها هو قلمي مرة أخرى يشق دروبه عبر سطور الصفحات، مهرولاً أمام فؤادي الذي يكابد أمراً مهولاً، وسويداء القلب اكتوت بنار شب لظاها، ودموع جرت دماً، مطرقة خجلاً وهي تنازع مع الروح حزناً مع هتاف من بقايا امة تنتحب لوعة، برحيل رمز فلسطين وفينقها وسيدها وقائدها ورئيسها الشهيد الكبير ياسر عرفات، ذلك الرحيل الذي ابكى عيون الوحي وملائكة السماء وزمزم والصفا، اخط بقلمي هذا حروف عبرتي وكلمات مهجتي، وسطور مقلتي، وصفحات صرختي، وأنا اخط بهذا اليراع المفجوع وقد ماج حبر الكتابة دما ارتمى على سطور الزمان، واحرق حشاشات الفؤاد بالحسرات واللوعة، مغالباً ضجج الورى وهاملات العيون التي تحدو ركبها آهات وأقدار، تنعى رحيل حبيبي وقائدي ومعلمي الغالي ياسر عرفات "ابو عمار".

منذ ان بدأ يعي الحياة حمل هموم ومتاعب شعبه وقضيته، ووضع كل ما يملك من وقته وعلمه وعمله وروحه ودمه في خدمة فلسطين وشعبها الحر العظيم، من اجل بناء وطن فلسطيني حر انساني ديمقراطي يحترم الانسان ويقدس الحياة، وفعلا تقدم لمواجهة الصعاب والظلام والطغيان ومن خلفهم لا يبالي وقع على الموت ام الموت وقع عليه، ففي كلتا الحالتين هو المنتصر وهو الفائز وهكذا كان لصدقه ونزاهته واخلاصه وشجاعته وتحديه وعمله وإقدامه، الذي لا يعرف اللين ولا المساومة ولا الخوف ولا المجاملة ولا الإستكانه، الدور الاول والرئيسي في تحرير الوطن الفلسطيني من الإحتلال الصهيوني، وبعد انتهاء الجهاد الاصغر بدا في الجهاد الاكبر في بناء مؤسسات الوطن، وعمل جاهدا على إسعاد شعبه، فكان اول خطوة يخطوها هي وحدة فلسطين والفلسطينيين، فانطلق من كل الوطن الفلسطيني بكل محافظاته ومدنه وقراه ومخيماته، وألتقى مع الجماهير الفلسطينية بمختلف ألوانهم الحزبية والفصائلية واعراقهم وأديانهم وطوائفهم ومناطقهم وارائهم ومعتقداتهم.
فكان الشهيد الرمز ياسر عرفات حريصا كل الحرص على حقوق المسلمين والمسيحيون والسامريون والدروز الأرمن والأقباط والبهائيون والتركمان والجاليات الإفريقية والمغربية والجماعات الأحمدية والقاديانية والسريان والشركس والبشانقة والموارنة والأكراد، وهذه الحقيقة ادركها اعداء فلسطين والفلسطينيين، وخاصة الإحتلال الصهيوني ومن والاه، فكانوا يعتقدون ان فلسطين ستنقسم الى كيانات وكنتونات وجماعات وتجمعات وعصابات، وان الشعب الفلسطيني سيتفرق الى طوائف واعراق ومذاهب وعشائر، وبالتالي ستصبح فلسطين ضيعة من ضياعنا، الا ان خطة الشهيد الحكيم عرفات، ومنهاجه وبرنامجه وصدقه ونزاهته وعمله، خيب احلامهم المريضة وأمانيهم الضالة البائسة، لهذا قرروا ذبح عقل الشعب الفلسطيني من خلال ذبحهم للشهيد الخالد ياسر عرفات، وانها الوسيلة الوحيدة لتحقيق اهدافهم ومراميهم ومآربهم الدنيئة في وقف مسيرة فلسطين الجديدة ومنعه من بناء وطن حر ديمقراطي تعددي وتحقيق احلامهم وامانيهم، لهذا سعوا بكل امكانياتهم وقدراتهم من اجل قتل الشهيد القائد ياسر عرفات، وفعلا حققوا هدفهم، ولا شك ان استشهاد الشهيد الحكيم ابو عمار في مثل هذا الظرف اثر تاثير كبير على مسيرة الشعب الفلسطيني.

لا شك ان استشهاد الشهيد ياسر عرفات في ظروف غير طبيعية واوضاع غير ثابتة اثر تأثير كبير على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني وعلى اوضاع فلسطين وعلى وحدة الوطن الفلسطيني وشعبه، على ما وصلنا اليه من حالة مؤسفة ومؤلمة عاجزين على مواجهتها وهو الإنقسام البغيض الذي قسم شطري الوطن الوحد، ودمر النسيج الإجتماعي الفلسطيني، ولا توجد رؤية موحدة ولا خطة مدروسة تراهم جميعا وقلوبهم شتى، فكل جهة لها خطتها الخاصة بها تتعارض مع خطط الجهات الاخرى والضحية في هذه الفوضى هو الشعب الفلسطيني، الذي يحترق في نيران الإحتلال الصهيوني والإنقسام الأسود والعنف والفساد الاداري والمالي وسوء الخدمات والجهل والمرض والحرمان والتشرد، في الوقت نفسه نرى بعض المسئولين يعيشون حياة الترف والبذخ والتبذير والاسراف والرفاهية.

اليوم نؤبن الشهيد ياسر عرفات ونقف إجلالاً وإكراماً وتقديراً، لنجدد العهد والبيعة مع شهيد الوطن الفلسطيني " ابو عمار " ومع نهجه نهج البطولة والفداء والإقدام والاعتدال والتسامح والأصاله والكرم، ونهج الجهاد والنضال والمقاومة والوطنية، نهج الحرية والاستقلال والنظام والعدالة، ونستذكر في الوقت نفسه رمزاً كبيراً من رموز هذا الوطن العظيم بتضحياته وتاريخه بمشروعه وتطلعاته بآماله بكل ما حققه لنا من انجازات ومعطيات كما ونحن في هذا الموقف نستذكر جملة من الاضاءات والمفردات الاساسية في فكر ونهج الشهيد ابو عمار، واولى هذه القضايا.

وحين نفكر بالوصول الى الحقيقة لا غير وبكل تجرد فلا بد لنا من تحديد المراد من هذه الحقيقة واذا كانت تقودنا لانصاف قائد فذ ورجل مهمات وصعاب بحجم عزيز فلسطين عند ذاك نحتاج الى ان نقارن ونستخلص الدروس لتخليد ذاك المقام الشامخ، وهنا لابد ان نتسأل من اين نبدا مع عزيز وحكيم فلسطين الخالد ياسر عرفات، الذي افتقدنا وقفاته البطولية ونظرته الشاملة الحريصة على انقاذ الوطن والعباد، من شرك الانانية وحبائل من ارادوا الشر لهذا الوطن، وهذا الشعب فمن منا لم يعش المرحلة التي تلت رحيل الإحتلال الصهيوني الذي كان جاثما فوق اراضينا وقبلها، ومن منا لم يشعر بفراغ رحيل هذا الرجل في مرحلة مصيرية كبيرة من تاريخ فلسطين، بكل احداثها وتفاصيلها ومفاصلها، ومن منا لم يدرك اهمية وجود قادة كبار بمستوى عال من المسؤولية تجاه قضايانا، فنحن متفقون اذا على محورية الرئيس الخالد ياسر عرفات، انذاك والذي لم يكن يمثل عنوانه هذا فحسب بل تعداه لزعامة مشروع استرداد الشعب الفلسطيني لحقوقهم، غير اني ارى ان العنوان اوسع من ذلك فالدور الذي لعبه الشهيد القائد ياسر عرفات، كان دورا وطنيا فلسطينا بإمتياز، لكل المكونات ويشهد به اعداءه ومن عملوا للوقوف بوجهه حسدا وبغضا قبل اصدقائه ومحبيه.

فالشهيد العزيز الحكيم عرفات، والذي يستحق هذا اللقب عن جدارة واستحقاق وبكل مراحل قيادته لرئاسة منظمة التحرير الفلسطينية الخيمة الجامعه للكل الفلسطيني وقيادته لدولة فلسطين، ونظر للامور من زاويتين مهمتين اولهما المصلحة العليا للوطن الفلسطيني، والتي لن تتحقق بهضم حقوق الاقليات والمكونات، فضلا عن ضمان حقوق الاكثرية التي صودرت عبر مراحل التاريخ الفلسطيني المختلفة، اما الثانية فانه كان ينظر لحركة التاريخ والتقلبات والمنعطفات التي يمكن ان تعصف بكل شيء، والمتتبع لحركته يفهم هذا الامر بشكل واضح وجلي، وقد واجه ابو عمار، بفعل مواقفه البطولية الكبيرة صعوبات جمة منها عدم استيعاب البعض لابعاد نظرته ومشروعه الذي لم يكن مشروعا شخصيا نابعا من تحقيق مصلحة فئوية او بحث عن مجد دنيوي، لذلك فاتصالاته بقادة الفصائل والأحزاب والحركات السياسية والوطنية سواءا الفلسطينية أو العربية أو الدولية، كانت كلها تصب في تحديد المصلحة الوطنية العليا للشعب والقضية الفلسطينية، والسير باتجاهها رغم تشخيصه لها، لئلا يقال انه كان يسير بنهج التفرد والهيمنة على القرار الوطني الفلسطيني، ولعلنا نتذكر جميعا موقفه الحازم من عملية التفاوض مع الجانب الصهيوني، وطريقة نقاشاته ومباحثاته المنسجمة مع طموحات الشعب ورؤية الكل الفلسطيني، رغم معارضة مباشرة من امريكا وغير مباشرة من حلفائها الحكام العرب في المنطقة.

اما ما يؤشر نظرته العميقة في طريقة التعامل مع ملفات مهمة كاستعادة السيادة الوطنية واعادة الأراضي المحتلة والى ممارسة الشعب لدوره المحوري والذي سلب منه بسبب حماقات بعض الأنظمة العربية آنذاك، وإتضح ذلك جليا من خلال الزيارات الى الولايات المتحدة وبعض بلدان اوربا وعواصم البلدان العربية، وقد شنت بعض الاطراف الجاهلة والخبيثة حملاتها المغرضة لافشال زيارته الى امريكا فجاءت النشرات الخبرية وعناوين الصحف والمقالات مشنعة ومستنكرة لهذه الزيارة، وتحت عناوين مختلفة كلها تريد التشويش وعدم تحقيقها لاهدافها المرسومة لها وهي حث المجتمع الامريكي والرأي العام هناك على ضرورة ان يتعاملوا مع فلسطين ورئسها على انهم ند، فصمم ابو عمار على ان فلسطين هي دولة لها الحق بالسيادة على اراضيها وأجوائها ومواردها، وهذا ما تحقق فعلا بعد مراحل كان للشهيد ابو عمار الدور الكبير في رسمها وجعلها محل تطبيق ولتنفي مزاعم البعض بتبعية فلسطين للدولة الفلانية وللنظام العلاني.

ان الشهيد ياسر عرفات كان شخصية شاملة باهتماماته وهو الفدائي والعسكري والسياسي والقائد والرئيس والفقيه والعالم والمفسر والمؤرخ، وهو المعلم والخبير والمحلل للكثير من الأحداث التاريخية والوقائع الوطنية والمعارف الانسانية، الى جانب ذلك هو القائد الحنون البارع، وذلك الخبير العسكري والدبلوماسي الناجح، الذي طالما وقف وادار حروباً مع اخوته ورفاقه وأصحابه في حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ضد الغزو الصهيوني انذاك، بالإشتراك مع اشقاءه العرب في مواجهة النظام الأمبريالي الصهيوأمريكي، فكان الاب الحنون الذي تربى واستقبل الجميع في عرينه في لبنان وتونس واليمن وليبيا والعراق والجزائر ومصر والاردن، وعند عودته لأرض الوطن احتضن جميع ابناء شعبه بدون استثناء، وقد لاحظتموه كثيراً عند عودته كلما رأى هذه المشاعر الطيبة منهم كلما اجهش بالبكاء وقال تلك المقولة الشهيرة ((سيرفع يوما شبل من اشبال بلادي او زهرة من زهرات بلادي علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس، شاء من شاء وابى من ابى)).

إن الشهيد ابو عمار الذي شق الطريق لنا وحدد اتجاه البوصلة، وكان منهجياً في فكره عندما يفكر، وعندما يعرض ويطرح الافكار، ومنهجيا في البناء، فكل الإنجازات الوطنية التي تحققت في عهده وبناء الوزارات والهيئات والإتحادات والدوائر والمفوضيات والسفارات الوطنية الكبرى التي أسسهها وبقية المؤسسات الإقتصادية والاكاديمية والمالية والأمنية والعسكرية والتعلمية والثقافية والانسانية وغيرها، حاول ان ينطلق من رؤيته المنهجية في هذا البناء المؤسساتي، لكي تتحول الى مؤسسات كبيرة فاعلة ومؤثرة في المجتمع الفلسطيني، وتقدم الخدمات لأبناء شعبه على مختلف الاصعدة، وكان منهجياً في قراره كان يتخذ القرارات بعد دراسة موضوعية، وبعد إلمام بمختلف التجاذبات والإشكاليات، وعرض بعضها على بعض والمشورة ليتخذ قراراً ناضجاً يقف عليه ويدافع عنه وكان منهجياً في اداءه تجده ثابتاً مستقيماً واضحاً فيما طرحه من مفاهيم وما بينه من قضايا اشار اليها في موضوعات لم يتغير يوماً من حال الى حال وانما بقى واضحاً مركزاً على المبادئ والمفاهيم والاوليات التي وضعها منذ اليوم الاول.

ولابد لنا ان نقف عند رؤيته في اعتماد الجماهير الفلسطينية، أساساً جوهرياً ومحورياً في تحركه السياسي والتفاوضي، فالجماهير والقواعد الشعبية وكل الوان الطيف السياسي والوطني يمثل الشي الكبير للشهيد ابو عمار، وهم كانوا الركيزة الاساسية في عملية الاصلاح والتغيير والتقويم والبناء والتعمير والتطوير والنمو والإزدهار والإستقلال، وحسب ما يراه ياسر عرفات، فكان واثقاً بهذه الجماهير وكان له ثقة عاليه بكل أبناء شعبه وخاصة الذين يعيشون داخل اراضي 48، وهذا الذي جعله ينطلق من الشعب، في حماية وتحقيق المشروع الوطني العادل في فلسطين، وهذه خصيصة مهمة تضاف الى الخصيصة الاخرى في التعامل مع الجماهير في المصارحة والمكاشفة.

كان الشهيد عرفات يصارح ويكاشف ابناء شعبه بكل القضايا والتفاصيل وبكل القرارات التي يتخذها، وكان يلازم هذه النقطة ايضاً، وكان البعض يقول ان المواطنين لا يتحملون ان يطلعون على هذه الامور لتبقى في هذه الاروقة الخاصة، ولتبقى هذه المعلومات في الدهاليز المظلمة، حتى ينضج االمواطنون ويتعرفوا بالتدريج، ولكنه كان يرفض ذلك ويقول علينا ان نوضح ونبين ونكاشف ونصارح ابناء شعبنا، ولهم ان يقدروا وان يقيموا أداءنا، وكان يصارحهم في كل شيء وحينما يصارح يبدأ التشويش ويبدأ المرجفون بتحركاتهم بخلق اجواء غامضة ومشوشة، ولكن سرعان ما تزول كل هذه التشويشات، ويبقى الشهيد الحكيم "ابو عمار" خالداً ويبقى نهجه وفكره وعمله واضحاً بين المواطنين وقد دفع ضريبة هذه المصارحة، ولكنه لم يتخلى عنها، وكان يقول دائماً للمسؤولين في الحكومات الفلسطينية صارحوا المواطنين ووضحوا لهم اين الاشكالات وكيف هي الحلول وما هي رؤيتكم وما هي المبررات لتبقى فرصة التقييم للمواطنين، ان يقولوا كلمتهم ان كانوا قاصرين او مقصرين اذا كنتم معذورين او غير معذورين، المصارحة مبدأ مهم أرساه الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات.

ميزة اخرى ميز بها الشهيد الرمز وهي العمق والواقعية في شهيد فلسطين فلم يكن سطحياً، بل يلقي نظرة عميقة فاحصة في كل عملية قبل ان يتخذ القرار فيها، وايضاً كان موضوعياً، ينظر الى طبيعة الاحتياجات والى طبيعة المتغيرات، وكان شجاعاً في اتخاذ القرار حتى لو كان خلاف الرأي العام، حينا يجد المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب في ذلك لم يكن يجامل احد على حساب المصلحة العامة كان مستعدا ان يضحي بوجوده ويضحي بشخصيته، لكن لم يكن مستعداً ان يضحي في يوم من الايام بمصالح شعبه، ومن خصائصه أيضاً الهم الوطني الذي كان يحمله، كان يقف على مسافة واحدة من الجميع لاحظوا كل خطاباته، لاحظوا فكره، لاحظوا نهجه، لاحظوا علاقاته، لاحظوا مفاهيمه، لاحظوا المشروع الوطني الذي طرحه، كل ذلك كان يضع التصور الكامل الذي يضمن حقوق جميع الفلسطينيين، كان يقف في كافة المحافل العربية والدولية والعالمية، ليدافع قضيته الفلسطينية وعن حقوق جميع أبناء شعبه، وكان يصطف في الدفاع والتبني لهموم الجماهير الفلسطينية اينما تواجدوا من المحيط حتى الخليج، كل الجماهير دون فرق بين هذه التلاوين الطيبة وهكذا كان بمنظومة واسعة من العلاقات الداخلية والاقليمية والدولية في ظروف الحصار في الوقت الذي كانت مصلحة الكثير في الاصطفاف مع بعض الأنظمة العربية، أستطاع ان يقنعهم وينفتح عليهم ويعزز العلاقة معهم ويشرح مظلومية هذا الشعب اليهم ويوضح الحقائق وهذا ما فعله، وان لقاءات الشهيد الخالد عرفات، في زمن المعارضة تفوق لقاءات بعض المسؤولين في موقع الحاكمية اليوم مع الدول العربية الشقيقة ومع المحيط الاقليمي ومع المجتمع الدولي ومع القوى الوطنية الداخلية في فلسطين.

اننا في الذكرى الرابعة عشرة لاستشهاده نواجه تحديات اساسية وكبيرة في الظرف الراهن، في تجربتنا الفلسطينية ولا تستطيع ان تواجه وتتحدى وتعالج هذه الاشكاليات الا من خلال الخطوات التالية :

اولا : العمل على انجاح المشروع الوطني والسياسي في فلسطين وتعزيز اللحمة الوطنية، وتعزيز الشراكة الحقيقة، وتوفير الفرص المتكافئة، وضمان حقوق جميع الجماهير الفلسطينية، ضمن سياده القانون والدستور.
ثانيا : التركيز على محورية ابناء شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيرهم عبر صناديق الاقتراع، فلا يمكن ان نرضى او نخضع أو نرضخ لاي التفاف على الحالة الفلسطينية من هنا أو هناك.
ثالثا : التأكيد على ضرورة ان يأتي الحل حلا وطنيا محليا فلسطينيا داخليا اصيلا مستقلا من قبل جميع القوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية، ونؤكد ايضا ان الحل يجب ان يكون حلا شاملا يرضي جميع الاطراف، ووفق كافة القوانين والدستور، ونعالج هواجس ومخاوف جميع الاطراف ضمن القانون والدستور ايضا.
رابعا : التاكيد ان أي حل للقضية الفلسطينية يجب ان ينطلق من تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينيية اولاً، وليس في تحقيق الفجوة والانقسام فيما بينهم، ولابد لنا ان نتوحد.
خامسا: ان هذه الوحدة هي المفتاح الحقيقي لمعالجة الكثير الكثير من الاشكاليات التي نواجهها اليوم، وان هذا الحل لا يمكن ان يتحقق، وان المعالجة لا يمكن ان تمضي قدما الا حينما تجتمع القوى والفصائل والاحزاب الكبيرة من جميع الاطراف الفلسطينية، لتضع مصالح الوطن الفلسطيني اولا واخيرا، وتنطلق من هذه المصلحة العامة لعقد شراكة وطنية حقيقية بين كل هذه الاطراف والمكونات الفلسطينية، ولابد لهذا الاجتماع بين القوى الكبيرة ان تعمل على توسيع فرص المشاركة لجميع الجماهير الفلسطينية وقواهم الخيرة، ولابد ايضا ان توضع الحلول الواقعية ضمن المباديء والاطر التي اشرنا اليها، ولابد ان يعتمد في عملية الاصلاح الارادة الفلسطينيية الوطنية الحرة المستقلة.
سادسا: الترحيب بكل الجهود الاقليمية والدولية ولاسيما جهود الدول العربية الشقيقة، وجهود الدول الاسلامية العزيزة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشريف، ونرحب بها جميعا على ان تأتي هذه الجهود منسجمة مع هذه الرؤية ومع هذه المباديء، ومحافظة على هذه الاولويات التي طرحناها من اجل تحقيق الاستقرار السياسي والامني في وطننا فلسطين، ومن اجل التنمية والاعمار، وتوفير الخدمات للمواطنين لتعود فلسطين وتأخذ موقعها الطبيعي في المنطقة والعالم.
سابعا: العمل مع القوى الوطنية والاسلامية والسياسية المختلفة في هذا الوطن لانهاء الوجود الصهيوني وتعزيز السيادة الفلسطينية، عبر المقاومة الشعبية السلمية والسياسية والدبلوماسية، وعبر بناء قواتنا العسكرية والامنية والقضائية والمؤسسات والوزارات والسفارات والهيئات الوطنية، بناء قويا محكما من حيث التدريب والتجهيز والسلاح وكل مقومات النجاح، ولا يمكن ان نرتضي الا ببناء المؤسسة الفلسطينيية بناء محكما لتقوم هي بمليء الفراغ وليس ببناء مؤسسات بديلة يمكن ان تعمق من الشرخ الفلسطينيي، ويمكن ان تحرج المشروع الوطني الفلسطيني في مستقبله.
ثامنا: الانفتاح على دول الجوار والاقليم والدول العربية والاسلامية والانفتاح على المجتمع الدولي وخاصة الروسي والفرنسي والصيني والأوروبي، لاننا نؤمن بالمصالح المتبادلة، ونؤمن بالشراكة الاقليمية والدولية، ونرتبط بعلاقة حقيقية مع كل أخوتنا واعزاءنا واشقاءنا وأصدقائنا، ونجدد رغبتنا الملحة في الانفتاح والعمل المشترك، وندعوهم الى المزيد من التعاون والتقرب الى فلسطين وتفهم ظروفها والوقوف الى جانب شعبها، ومهما كان فإن هذه المشاكل ستزول في يوم من الايام وستبقى فلسطين وسيبقى الشعب الفلسطيني، وحري بالجميع ان يلاحظ مصالحه الإستراتيجية لينفتح على هذا الشعب العظيم.
تاسعا: ندعو حكومتنا الموقرة الى تحمل المسؤوليات بشكل اكبر واكبر في توفير الخدمات واستتباب الامن والاستقرار، واستمرار العمل في مشاريع الاعمار والتنمية، ومتابعة التلكؤ الشديد في اداء بعض الوزارات وتخلفهم عن البرامج والسياسات المعدة لهم في تمشية المشاريع وفي انفاق الميزانيات المتعلقة بهم.
عاشرا: دعوه الجماهير الفلسطينية المخلصه والحرة الشريفة وخاصة الذين كانوا سائرين على نهج الشهيد ابو عمار، ان ينهجوا نهجه ويسلكوا مسلكه وهو انكار الذات وتجاهل المصالح والرغبات الخاصة والانطلاق من مصلحة الشعب كل الشعب ومن فائدته ومنفعته وتتمسكون بنهج القائد الرمز عرفات، والعيش كما عاش الشهيد ابو عمار، وهذا هو نهج الشهيد الختيار عرفات، الرئيس والقائد والحاكم يأكل ويلبس ويسكن ابسط ما يأكله يلبسه يسكنه ابسط الناس اذا زادت ثروة المسئول خلال تحمله المسئولية فهو لص فالمسئول الذي يريد ان يطهر وطنه وشعبه من كل السلبيات والمفاسد والموبقات والانحرافات والحروب الطائفية والعنصرية ومن يخلقها ومن ورائها، لذلك طبقوا نهج الشهيد ياسر عرفات، ان كنتم فتحاويون مسلمون سائرون على نهج الختيار فلا تشغلوا انفسكم في امور تافهة لا تمت لفلسطين وقضيتها وثوابتها باي صلة انها من موبقات وادران الجاهلية واتباعها والا فلا فلسطين ولا فلسطينيين.

عهد لك يا شهيد فلسطين ياسر عرفات، سنبقى اوفياء ونواصل هذه المسيرة وندافع عن المنجزات ولا نركع ولا نخضع ولا نتراجع بل سنتقدم يوم بعد يوم متلاحمين.

آخر الكلام/
أقولها بحسرة وألم، وداعاً يا قائدي ويا معلمي، وداعاً ايها الإنسان الفدائي والقائد الرائع، وداعاً أيها النجم الساطع، وداعاً أيها النقي الناصع، فإن روحك الطاهرة لن تغادر قلوبنا، لأنها ملأتها شغفاً وحباً لأرض وشعب فلسطين، الواحد الموحد.

 

بقلم/ رامي الغف*
*الإعلامي والباحث السياسي