ما أجمل الحنين إلى زمن ياسر عرفات زمن الثورة والثوار والبندقية وغصن الزيتون، هذا الزمن الذي نال احترام جميع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، ونال أيضاً الرضا العربي والدولي وكل أحرار العالم، وأوصل عرفات الرسالة التي عجز الكثيرين عن ايصالها إلى العالم بأن فلسطين أـرض محتلة وأنه من حق الشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال بالبندقية وفى المقابل حمل غصن الزيتون باليد الأخرى، وأن شعب فلسطين عاشق للحرية والعودة إلى وطنة المحتل، فكان ياسر عرفات ايقونة الثورة الفلسطينية وشعله انطلاقتها بعد أن أرادوا للفلسطيني أن يبقى لاجئا في المنفي حتى الممات، فجاء ياسر عرفات يحمل هموم كل فلسطيني حاملا البندقية الثائرة في يده وزملائه الثوار من أجل طرد الاحتلال، حالما بالعودة الى الوطن ونيل الحرية والاستقلال، واحتضن كل الشباب الثائر في الشتات وخلق منهم جيشا وطنيا فدائيا من الطراز الأول في المقاومة والجهاد، وخاض المعارك تلو الأخرى مع الاحتلال في كافة المواقع وعلى كل الجبهات من خلال تبني استراتيجيات المواجهة مع الاحتلال التي لم تشهدها المنطقة من قبل، واستطاع في فترة زمنية قياسية أن يقلب الطاولة على كل المتآمرين على القضية الفلسطينية ويفرض واقعا جديداً بمعادلة جديدة بأن فلسطين لن يحررها سوى أبناء فلسطين أنفسهم.
ما أجمل الحنين إلى زمن ياسر عرفات زمن الكوفية والبدلة العسكرية التي لم تفارق جسد ياسر عرفات حتى مماته، فالعالم عرف القضية الفلسطينية من كوفية أبو عمار التي كانت عنوان كل فلسطيني أينما وجد، فكان الزعيم أبو عمار دون منازع أو منافس الاختصار الرمزي للقضية الفلسطينية، فلم يكن عرفات أسما عاديا في تاريخ النضال الفلسطيني، فهو زعيم الشعب الفلسطيني ورمزاً من رموز الشعب العربي والعالم أجمع، بل ثائراً عربياً ودولياً، ارتبط اسمه بكل ثوار العالم الذين وقفوا ثائرين في وجه المحتل لأوطانهم، فكان ابو عمار الأيقونة النضالية العالمية للأحرار في كل بقاع الأرض الذي استطاع بسياسته وحنكته وحكمته وصبره أن يوصل الرسالة الوطنية الفلسطينية للعالم بأسره، وأنه رجل السلام والحرب، باختصار كان أبو عمار الرقم الصعب عالمياً وإقليمياً ومحلياً في كل المعادلات الوطنية والنضالية والانسانية التي لا يمكن تجاوزها ولا تقبل المساومة أو القسمة.
ما أجمل الحنين إلى زمن ياسر عرفات زمن الوحدة الوطنية والقرار المستقل، حيث استطاع ابو عمار بعقليه قائد حكيم ذو كاريزما قيادية أن يجمع الكل الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية القاسم المشترك لكل القوي والحركات التحررية الفلسطينية، ووحدها تحت علم فلسطين بألوانه الأربعة، مؤمنا بأهمية الحفاظ على القرار الوطني المستقل، رافضا الخضوع للاشتراطات العربية من أجل الاحتواء أو التدخل في الشئون العربية أو الوقوف إلى جانب دولة على حساب دولة أخرى، فكانت علاقاته مع جميع الدول العربية على مسافة واحدة، في المقابل رافضا التدخل العربي في الشئون الفلسطينية أو التأثير على القرار الوطني الفلسطيني، وكان أبو عمار عنوان الشعب الفلسطيني لدي كل العرب لا يمكن تجاوزه بل كان حاضرا في جميع القمم العربية ومشاورات العرب في القضايا العربية.
ما أجمل الحنين إلى زمن الخطابات الثورية لياسر عرفات التي طالما تجيش الشعب الفلسطيني وترفع معنوياته، وكانت تحمل كل المعاني الوطنية بامتياز، وتحاكي الناس بأسلوب شعبي وطني وبلغتهم، تلك الخطابات الوطنية التي لم تخلو من التأكيد على تحرير فلسطين والقدس ورفع العلم الفلسطيني على أسوارها، ونيل الشهادة من أجلها، وأن النصر حليف الفلسطينيين والاحتلال الى زوال، فلم يترك أبو عمار منبرا دولياً أو عربياً إلا وفرض شخصيته المعهودة وحضوره على الجميع بخطاباته السياسية التي لم تفارقها بلاغة الحرية في زمن الثورة وحتى السلام، وحتى خطاباته المحلية للشعب في المناسبات الوطنية كانت بلغة وطنية تستقطب وتستعطف القلوب ويرددها الناس باستمرار حتي يومنا هذا.
ما أجمل ماضي ياسر عرفات وفتح دفاتره القديمة ومراجعتها لما تحمله من ذكريات جميلة لوطن مسلوب بما يمثل أصل الحكاية الوطنية الفلسطينية التي لن ينساها الشعب، ويبقي الشعور بالحنين لذلك الزمن هو سيد الموقف في ظل سوء الواقع الحالي للشعب الفلسطيني وما وصلنا إليه من فرقة وانقسام وضياع للوطن وضعف لمنظمة التحرير، فحالنا من بعد رحيلك يا أبو عمار يصعب على الكافر قبل المسلم وأصبحنا لعبه في يد العرب تحرك متي تشاء، فقد اشتقتنا وحنينا إلى زمنك يا الختيار، فهل من عودة الى زمن الياسر أبو عمار ليصلح حالنا إلى الأفضل، وستبقي ذكري استشهادك فينا ما حيينا وعلى دربك سائرون حتى الحرية والاستقلال.
بقلم/ د. رمزي النجار