في إعتقادي أن العمل السياسي يحتاح مراجعة كل خمس سنوات ، وإجراء بعض التعديلات يحتاج مدة سنتين، وإختبار القدرة للإستمرار يحتاج مدة سنة لتقرر بعد كل هذه السنوات الإستمرار في هذا النهج أو تغير الفريق كي لا تصبح بطارية حزب.
أما أن تستمر في طريقك دون مراجعة فأنت طالب فاشل في أحد الكتاتيب الحزبية ولا تحمل فكرا سياسيا بل تواصل عادتك في إرتياد مقهى أو ناد لقتل الوقت ولست في عمل سياسي حقيقي، فالعمل السياسي الحقيقي يكره الروتين، أما العمل الهروبي من مسؤوليات هي الأهم، أولها الأسرة والبيت، لن يجعل منك قائدا سياسيا ناجحا، بل أنت تتحول لمريض نفسي يحتاج الإستمرار في زيارة المصحة التي تصورتها داخل حزبك.
يغلب على العمل السياسي طابع الكذب والإجرام وممارسة السلطة القمعية العنيفة أو الناعمة حيث يستمر السياسيون في بداياتهم في ممارسة لعبة القط والفأر والجدل البيزنطي وإحتساء القهوة والشاي وتدخين التبغ وإستغابة بعضهم حتى تنضج تجربتهم ليصبحوا كذابين بإمتياز دون شعور، وتتشبع لديهم مدارات التآمر على بعضهم فيصبحون متآمرين من الطراز الأول دون إحساس بذلك لأن العمل السياسي هو القدرة على الكذب والتآمر والتزوير وهذه كلها في مرحلة التعلم والتدريب.
في نهاية مرحلة التعلم والتدريب في الكتاتيب الحزبية تترفع للصفوف الأعلى وكذبا أكبر حجما و تآمرا أكثر خطورة، وهكذا يتم الترفع لدرجات أكثر خبرة وأسوأ تحولا عن القيم والمبادئ والأخلاق.
من تآمر أكثر يصبح حزبيا أكبر، و من إرتكب جرائم الأزاحة والإستئصال والتآمر يصبح مسؤولا يحظى بالمواقع الرسمية تتدرج من وكيل وزارة فما فوق وتتطور المسيرة، فمن إبتز وتحرش وسكر وعربد يصبح وزيرا ومن فعل كل ما سبق وعرف كيف يقتنص المال ويعقد الصفقات يصبح القائد الرمز لتغني له الجماهير.
السياسيون على مر التاريخ متشابهون في تدرج خبراتهم القمعية والإجرامية وما يختلف بين الأجيال هو شكل الأدوات وبعض الحيل لكن في طموحاتهم المتدرجة هم متشابهون أيضا هذا ما رصدته اللفائف والمخطوطات والروايات منذ الخليقة حتى اليوم.
السياسيون، هم إنتهازيون لأبعد الحدود وأنانيون، هكذا بيئتهم ومجالات نشاطهم وثقافتهم وحيلهم عبر الأزمان هي متشابهة تكاد تكون سيرتهم واحدة والأفكار التي تتولد لديهم مكررة بحكم بيئتهم ومستلزماتها وما تغير في عصرنا الحديث هي بعض وسائل التواصل وسرعة الأثر والتأثير.
السياسيون أغبياء ثقافيا وإجتماعيا في الغالب الأعم، بمعنى أن القيم والأخلاق تتآكل لديهم مع مرور الوقت والإندماج في أدوار المرض السلطوي والشهرة، ولذلك لا يتورعون عن إرتكاب الحماقات والمجازفات والمقامرة أحيانا حتى بمصيرهم وهم من أوصلوا العالم للحروب وإنتهاكات الحقوق حيث هكذا تصبح صفاتهم الشخصية في حالة إنحراف عن السلوك الإنساني للوصول بكل الطرق لسدة الحكم والتأثير ولا يغادرون حبهم للأعتبار والتطبيل والتفخيم الذي فقده غالبيتهم من عدم تحقيق النجاح في مهنتهم الأصلية وجوعهم للإعتبار ولفت النظر كالناجحين.
السياسيون في طور التكوين تتسع لديهم الرؤية الجنسية المرتبطة يالتسلط والقدرة على المؤامرة وتمرير المتناقضات فيميلون بجنوح نحو الرغبة الجنسية ليس لقدرتهم أو رغبتهم الجنسية التي قد تكون أدنى مرتبة وجنوحا من الناس العاديين، لكن لخبرتهم في التحايل والتآمر وتمتعهم بالسلطة وعدم الخوف من الفضيحة والعقاب تنمو لديهم قدرات خارقة على السعي للنساء للمتعة وممارسة الممنوع فتسهل لهم الطرق وتجلب لهم النساء.
السياسيون في مراتب أعلى من العمل السياسي يمارسون بحكم القوة والسلطة كل ما يخطر ولا يخطر على البال من جرائم ولصوصية وغسل وتهريب وجمع المال.
يتدرج السياسيون منذ البدء في عمليات التمويه والخداع وما إن يتقن السياسي الشيء ونقيضه يصبح قادرا على العمل السياسي الذي يغذيه بعض المثقفين والكتاب والمستشارين وبعض القراءة للنظريات الاجتماعية والسياسية من مرضى سبقوهم كتبوا أو تحدثوا عن تجاربهم.
هناك مواصفات ومتطلبات للمسؤولين السياسيين في عصرنا :
أن تكون كاذبا ومزورا للحقائق تصبح وزيرا للإعلام.
أن تكون قاتلا ومتآمرا تصبح وزيرا للداخلية.
أن تكون لصا وغاسلا للأموال وتتاجر في الممنوع بشرط أن تسرق ميزانية حزبك في بداياتك لتصبح بعدها وزيرا للمالية.
أن تكون فاشلا في دراستك وليس لديك علم بالتاريخ والثقافة ولغتك الوحيدة ضعيفة تصبح وزيرا للثقافة
أن تكون سمسارا في بداياتك وتلعب الثلاث ورقات تصبح رئيسا للوزراء
أن تكون غبيا وجاهلا علميا في وتجلس في حزبك خمسين سنة دون اعتراض على شيء بالتقادم تصبح أمينا عاما للحزب.
أن تدربك وزارة الخارجية الامريكية أو سابقا الخارجية البريطانية أو حتى خارجية ميكرونيزية تصبح وزيرا للتخطيط
أن تكون أفكارك وتدينك حيص بيص تصبح وزيرا للأوقاف.
أن تكون مجندا لجهاز استخبارات دولي تصبح وزيرا للتعليم
أن تكون مجندا لمؤسسة دولية لتدمير حضارة بلدك تصبح وزيرا للسياحة
وأخيرا أن يكون لك علاقة ببيع العلف والشعير تصبح وزيرا للإقتصاد.
بقلم/ د. طلال الشريف