هناك وجهات نظر كثيرة وآراء عديدة منها ما يؤكد ومنها ما ينفي ومنها ما يشكك بأن حل القضية الفلسطينية بيد الولايات المتحدة الأمريكية، ودون الخوض بهذا الجدل وبعيدا عن إثبات صحة كل رأي من عدمه، إلا أن الثابت الوحيد هو أن أمريكا كدولة عظمى لها تأثير كبير ليس فقط في القضية الفلسطينية بل أيضا في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، بعيدا عن قبولنا من عدمه لشكل ولطبيعة الحل الذي لأمريكا أن تطرحه وتدعمه في هذه السياق.
تؤشر "صفقة القرن" على حجم التأثير الصهيوني والصهيونية المسيحية على صنع السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، ودفعنا نحن الفلسطينيون ثمناً كبيراً كنتاج لهذه السياسات وما زلنا ندفع الثمن، لأن لغة المصالح هي التي تلعب الدور الأساسي في تحشيد صُناع القرار في أمريكا، أفرادا ومؤسسات، خلف سياسة أو هدف معين، ونحن الفلسطينيون والعرب والجاليات الإسلامية في أمريكا لا زلنا ولغاية الآن، ورغم المحاولات والتجارب العديدة، لا نتقن هذه اللغة، ولم نتقن فن صناعة مجموعات الضغط والتأثير، ولا نملك خطة عمل واضحة لذلك، مما يُخَسرنا الكثير في مراكز صنع القرار في أمريكا.
تُدلل نتائج انتخابات الكونغرس الأخيرة على أن الرابح الوحيد منها هي دولة الاحتلال. هذه النتائج عززت من سلطة الرئيس الحالي على مفاصل الحكم والقرار وبخاصة على القضاء، حيث يحق للرئيس أن يُعين القضاة الفدراليين، وهذا فيه استكمال لسيطرة الحركة الصهيونية وداعميها على الركائز الثلاث للحكم وهي السلطة التنفيذية (الرئاسة)، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، وفي حال استكانتنا لهذا الوضع سنخسر المزيد على الصعيد السياسي، فالحركة الصهيونية ستواصل عملها على تمرير سياساتها دون أي معيقات بِحُكم عدم وجود أصوات رافضة لها أو معترضة عليها.
إن دخول نواب جدد إلى الكونغرس الأمريكي أمثال رشيدة طليب، ذات الأصل الفلسطيني، قد لا يُغير شيئا من هذا الواقع ولكنه يحمل دلالات مهمة على أن التغيير يمكن أن يكون لصالح القضية الفلسطينية إذا ما عملنا ضمن برنامج واضح وعملي في تأهيل ودعم مُرشحين يمكن ان يقفوا إلى جانبنا أو على أقل تقدير أن لا يقفوا ضدنا، وهذا بحاجة إلى تنسيق جهود الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية إضافة إلى العمل مع المجموعات الداعمة لنا والمجموعات الأمريكية التي ترى بأن تأثير الصهيونية على القرار الأمريكي لا يخدم الوضع الداخلي والخارجي للولايات المتحدة الأمركية ويزيد من عداء الشعوب لها.
ما يعنينا الآن هو كيف لنا أن نؤهل أنفسنا لنكون مؤثرين في السياسات الأمريكية تجاه قضايانا، في ظل وجود شخصيات ومؤسسات وجاليات لديها الخبرة والتجربة والإرادة للعب هذا الدور وما ينقصها، من وجهة نظري، هو خطة عمل وتحالفات داخلية وجهد منظم ومُنَسق، ومقدرات مالية تُستثمر في خدمة الهدف الأساسي المتمثل في الوقوف في وجهة سياسات الحركة الصهيونية الهادفة إلى إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني .
نحن بحاجة إلى تكاتف الجهود بين جميع المكونات والقطاعات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الفلسطينية من أجل الوقوف في وجهة ما يُحاك ضد قضيتنا الوطنية، فبالإضافة إلى ما يُمكن عمله داخل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تنظيم وتنسيق العمل ومجموعات الضغط، هناك قوى في العالم يُمكن لها أن تُساعدنا في التأثير على القرار الأمريكي، وبخاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، وافريقيا، واسيا، ولكن أيضا هذه الأمر بحاجة إلى أن نُرتب نحن أوضاعنا الداخلية التي أساسها إنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية (حكومة إنقاذ وطني)، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في تجديد الشرعيات، والاتفاق على برنامج سياسي وإعادة الحياة إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
بقلم/ منيب المصري