لحظات كائن مطحون في دولة المؤسسات والقانون ( 2 )

بقلم: ماجد عبد العزيز غانم

لحظة مساواة  ولحظة عدالة

أعزائي كما وعدتكم في اللحظة السابقة أن أوافيكم بلحظة جديدة من حياة المدعو كائن والذي يعيش كما سبق وذكرت في دولة المؤسسات والقانون ، ها أنا أعود إليكم بلحظة جديدة من لحظاته والتي لا تختلف كثيرا عن اللحظات السابقة إلا من حيث المكان والزمان ، لكنها على نفس الأرض ألا وهي دولة المؤسسات والقانون ، ولا يفوتني هنا أن أذكركم بأن لحظات هذا الكائن كما ذكرت سابقا لا تمت بصلة لما يحدث على أي ارض في هذا الكون إلا إن كانت هذه الأرض تسمى الأردن .

لحظتنا هذا اليوم كانت في إحدى المحاكم الشرعية والتي أصبح كائننا مضطرا للذهاب إليها كل أسبوعين تقريبا لأمر خاص به  ، حيث وصل المحكمة صباحا وجلس أو على الأصح وقف في قاعة المحكمة منتظرا سماع اسمه من الحاجب ليدخل إلى القاضي ويقضي أمره ، لكنه لاحظ أن وقت الانتظار طال عليه فما كان منه إلا أن وقف قرب باب القاعة خشية عدم سماع اسمه لرداءة مكبر صوت الحاجب ، وكان وقوفه لا يختلف كثيرا عن وقوف غيره من الكائنات التي تشبهه في نفس المحكمة ، حيث يقفون قرب أبواب القاعات بسبب رداءة الصوت أو لعدم وجود مقاعد كافية لجلوسهم .

خلال انتظار هذا الكائن لدوره كان يرى مقاعد قاعة القاضي مشغولة طوال الوقت بالمحاميين الجالسين عليها ، واللذين كانوا ينتظرون قضاياهم ، وبما أن هذا المشهد تكرر أمامه مرارا ضج صدره بتساؤلات عديدة : أين الخصوصية في قاعات المحاكم ! هل يسمح القانون لأي كان بالجلوس في القاعة وحضور جلسات غيره حتى لو كان محاميا ! فهناك الكثير ممن هم مثلي لا يرغبوا بأن يضطلع أحد على طبيعة قضاياهم ، فهي أمر خاص بهم ثم  يتنهد قائلا لنفسه  لا أدري ربما يسمح لهم القانون بذلك ومع ذلك فنني اجزم أن هذا القانون غير عادل أو أعوج على أقل تقدير ، فالمحامي ينتظر على مقعد وثير في حضرة القاضي والكائن مثلي ينتظر واقفا بالخارج أو ربما جالسا على درجات المحكمة  .

طال الانتظار على كائننا بسبب تأخر محامي الخصم عن الحضور إلى المحكمة علما بأنه سبق وتأخر هذا الكائن نصف ساعة فقط عن جلسة سابقة وقام القاضي بتأجيلها لدى وصول المحامي ، عندها استفسر من الموظف المعني أنا موجود منذ فترة والمحامي لم يحضر فلماذا لا تعقد الجلسة بحضوري ! أم أن المحامي له ميزات أخرى لا يستحقها أي كائن مثلي ! ثم السنا خصمان أمام القاضي ويجب المساواة بيننا في التعامل !

لم يسمع كائننا أي تعليق على حديثه من قبل الموظف المعني بل لاحظ أن هذا الموظف يتصل هاتفيا بمحامي الخصم ويستعجله الحضور للمحكمة ، هنا عادت لتصم آذان كائننا كلمات طالما تغنى مطالبا بها ألا وهي العدالة والمساواة لكنه تذكر أين يعيش فكان لا بد له هنا من لحظة تناسي لهذا الواقع المر ، ولم تكن هذه اللحظة  لتكون إلا مع سيجارته فذهب خارجا إلى درجات المحكمة لينفث دخان سيجارته جيدة الصنع ، والتي  صنعت في نفس دولة المؤسسات والقانون وفي مصانع خاصة ومرخصة قانونيا باسم أحد أكثر الشخصيات المطيعة للقانون والنظام ، والذي يقال أنه حصل قبل فترة على وساما رفيعا  لطاعته  والتزامه بكل القوانين والأنظمة على ارض دولة المؤسسات والقانون .

وعلى درج المحكمة كانت لحظة عدالة أخرى بانتظار هذا الكائن حيث حضر رجل امن المحكمة وطلب منه الامتناع عن التدخين فهو مخالف للقانون حتى ولو كان على الدرجات ، هنا عاد هذا الكائن لنسيان على أي أرض يعيش كعادته ، وقال لرجل الأمن إذا كان الأمر كذلك فلماذا يدخن بعض موظفي المحكمة في الداخل ؟ أليس الأولى بهم تطبيق القانون قبل أي كائن آخر ! ثم استرسل قائلا الم تشاهد رئيس المحكمة وهو قاضي وملتحي ويلبس العمة والجبة ويجلس في مكتبه الذي هو قاعة محكمة حاملا سيجارته  الطويلة ! أليس من العدالة منع الجميع من التدخين ! ولم يسمع كائننا أي تعليق على حديثه سوى جملة واحدة  ( بقولك التدخين ممنوع ) .

مطيع جدا لرجل الأمن أصبح هذا الكائن فقد أطفأ  سيجارته ولكنه أطرق رأسه متأملا بقاياها متسائلا  لربما سيجارة رئيس المحكمة هي من إحدى الماركات رديئة الصنع  والتي تأتي من خارج دولتنا بطريقة غير قانونية  وليست مثل سيجارتي جيدة الصنع ! لربما هذا هو سبب منعي من التدخين والسماح لرئيس المحكمة بذلك !!

نعم من الممكن أن يكون هذا هو السبب فسيجارة رئيس المحكمة رخيصة الثمن ورديئة الرائحة مقارنة بسيجارتي ومراعاة لشعور رئيس المحكمة  يتم منعي من التدخين خوفا من وصول رائحة سيجارتي لغرفة الرئيس وجرح مشاعره ،  فليس من المعقول منعي أنا والسماح له هو لمجرد أنني كائن وهو قاضي !!

أليس كذلك أعزائي المعذرة منكم  فقد أكون أطلت عليكم  ولكني لم أكمل بعد فلحظات هذا المطحون لن تنتهي على ما يبدو في دولة المؤسسات والقانون لذلك انتظروني في لحظة طحن قادمة  .

 

ماجد عبد العزيز غانم

عمان /   السبت  17/11/2018