ما ان اعلن عن وقف اطلاق النار بين حماس واسرائيل في جولة التصعيد الاخيرة والتي حققت المقاومة فيها اهداف كانت بحاجة لتحقيقها على مستوي الردع المطلوب ومستوي التفاف الجماهير الفلسطينية حولها الا انها وخسرت فيها قدرتها على تحقيق الوحدة السياسية , حتي بدأت عاصفة في شوارع تل ابيب وفي شوارع مستوطنات حواف غزة وانقسم الشارع الاسرائيلي بين مؤيد ومعارض , قد تسقط العاصفة حكومة نتنياهو من راسها الى اسفلها ان لم يتمكن نتنياهو من الابقاء على ائتلافه الحكومي متماسكا , لم يقبل المستوطنون وقف اطلاق النار الذي قبله نتنياهو رغم عن انف الكابينت الذي اجتمع لست ساعات وخرج بخلاصة ان اسرائيل سوف تستجيب للوساطة المصرية التي جاءت هذه المرة من اعلي سقف سياسي مصري وبالتالي تقبل بوفق اطلاق النار والتهدئة في تفاهمات تقول ان التهدئة في الميدان هو الذي يثبتها وبالفعل وقفت كل العمليات العسكرية من الطرفين , لكن لن تكون هذه التهدئة بلا تثبيت وبلا اتفاق موقع لان الوسطاء الدوليين والاقليمين بدأوا يدركوا ان تهدئة يحكمها الميدان ستكون تهدئة هشة وسيتم خرقها بعد فترة وجيزة لذلك تحاول كل الاطراف الان التوصل لاتفاق تهدئة موقعة بين الاطراف سواء قبلت منظمة التحرير ام لم تقبل .
استقال ليبرمان ليس لأنه كوزير للحرب ليس لأنه خسر هذه الجولة مع المقاومة الفلسطينية بل لأنه شعر ان كل خططه التي قدمها لا تعني شيء لنتنياهو الذي يهيمن على القرار في اسرائيل وخاصة قرارا الحرب والسلام فلم يعد لأي عضو "بالكابينيت" الاسرائيلي أي راي امام راي نتنياهو وهذا يفسر على ان نتنياهو يريد ليبرمان مجرد سكرتير امني في مكتبه لا يحق له التصرف واتخاذ أي قرار دون موافقة رئيس الحكومة ويشمل هذا ايضا تقديم الخطط العسكرية . كان نتنياهو قد دفع باقتراح بقانون صوتت عليه الكنيست يسمح له ولوزير الحرب بإعلان الحرب أو أي عملية عسكرية دون الحاجة لموافقة الحكومة ودون الحاجة لموافقة باقي أعضاء الكابينيت, هذا ينطبق على ايقاف الحرب ايضا والقبول بالتسوية السياسية او التهيئة لأية تسوية سياسية قادمة , لعل نتنياهو استخدم هذا القانون ليقرر وحده وقف اطلاق النار والقبول بالتهدئة . هذا ما اثار عاصفة بين نتنياهو وليبرمان لانهم اتفقا على توجيه ضربات لغزة واتفقا على الحرب اذا ما تطلب الامر ولم يتفقا على التهدئة بالمقابل ولعل الاجواء التي اثارت العاصفة في اسرائيل ليس الحرب على غزة كخيار اول بل طريقة التعامل مع حماس دون حرب كخيار ثان.
السؤال الرئيس في هذا التحليل هل حماس السبب في العاصفة الحالية داخل اسرائيل ؟ نقول بكل وضوح نعم ان حماس العنوان الاكبر المسبب للعاصفة التي ثارت نتيجة الاختلاف على طريقة التعامل مع الحركة بين رئيس الوزراء من ناحية وباقي اعضاء الكابينت من ناحية اخري لكن الاخطر ان نتنياهو وليبرما بينهما اختلاف ليس على المبدأ بل في طريقة معالجة تهديدات حماس القادمة من غزة . وهذا ما يفسر اتخاذ نتنياهو قرار بوقف القتال والعودة لتهدئة تسمح بمزيد من الاتفاقات المرحلية لتدجين الحركة وادخالها العملية السياسية تدريجا وبالتالي جلبها الى طاولة المفاوضات سواء عن طريق طرف ثالث او بمفاوضات مباشرة , ولعل هناك خطة في راس نتنياهو جاهزة للإتيان بحماس وتحقيق ما يريد نتنياهو تحقيقه دون حرب وخاصة ان هناك متبرعين اقليمين يعملوا جنبا الى جنب مع نتنياهو واستعدوا تماما لدفع الفواتير اللازمة لهذه الخطة . نتنياهو يعتبر ايضا ان خطته قد تتحقق دون الحاجة لمزيد من الانتقاد لإسرائيل وخسارتها كثيرا سواء في الافراد او المعدات او خسارتها علاقاتها مع العالم العربي التي بدأ يحقق فيها نتنياهو انجازات كبيرة قد تضيع اذا ما وافق ليبرمان على خطته العسكرية .
النقطة الهامة في هذا الموضوع ان نتنياهو لا يريد ان يفكك المحور الاقليمي الجديد الذي قبل اسرائيل عضوا مهما فيه ولا يريد شعوب العالم العربي ان تنزل الى الشوارع وتلعن امريكا واسرائيل واليوم التالي تعطل برامج الاعلان عن العلاقات الرسمية بين اسرائيل وعدد من الدول العربية وهنا يفشل مسلسل التطبيع الذي يعتبره اكبر انجاز لإسرائيل على مدار التاريخ , هذا الانجاز ترعاه الولايات المتحدة الامريكية وتبرمج له منذ تولي ترامب ادارة البيت الابيض والبدء في تنفيذ صفقته الغير معلنة . مؤخراً خرج غرنبلات بتصريح مهم يجب علينا قراءته جيداً قيما يتعلق بالتطبيع مع العالم العربي وقال "ان احدي العقبات الرئيسية امام اطلاق العنان للطاقات الكامنة في المنطقة في جميع المجالات هي عدم وجود علاقات رسيمة وخارجية بين اسرائيل وجيرانها" وقال "حان الوقت من اجل العمل من اجل السلام والاقتصاد في الشرق الاوسط" وقال "ان السياسات المناهضة للتطبيع التي تتبعها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية امر يضر بالجميع " لم يأتي هذا التصريح متزامنا مع قبول نتنياهو وقف اطلاق النار لان نتنياهو يعرف ان الاستمرار بالحرب يفسد كل مخططات الولايات المتحدة في المنطقة ولا يستطيع هو نفسه الذهاب في الحرب الى اخر الطريق . نعم يستطيع نتنياهو ان يخسر ليبرمان وبينت وغيرهم من دعاة العمل العسكري لحل مشكلة غزة بالحرب كخيار وحيد وعلي استعداد الدعوة لانتخابات مبكرة يضن فيها الفوز من جديد على ان يخسر اهم خطة في تاريخ اسرائيل والولايات المتحدة وهي خطة السلام مع العرب اولاً ومن ثم الفلسطينيين لتتحقق صفقة ترامب الكبرى والتي اطلق عليها " صفقة القرن ".
بقلم/ د. هاني العقاد