في إحدى مساجد غزة وبعد صلاة الجمعة الماضية سمعت الدعوة لمسيرات العودة , حيث كنت أصلي هناك , فقال المنادي للمسيرة "أيها الناس ندعوكم للخروج والمشاركة بمسيرات العودة والتي تحمل عنوان , التطيع خيانة , والدعوة عامة للمسيرة بإستثناء المطبعين فلا وجود لهم بيننا في المسيرة" , فقلت لنفسي ماذا يقصد هذا الرجل ؟ فهل يوجد مطبعين عرب في المسجد ؟ ربما يقصد الوفد المصري المتواجد في غزة كون مصر تطبع مع إسرائيل ؟ لا لا أظن ذلك , لأن حماس وبعد الإنشقاق عن الإخوان أصبحت كالخاتم بيد المصريين , ولا يجرؤ أحد منهم على المساس بهيبة مصر , إذا من يقصد هذا الرجل فلا يوجد غيرنا كفلسطينيين في المسجد , وبعد دقيقة من التفكير أدركت جيدا أنه يقصد أبناء السلطة وحركة فتح المتواجدين في المسجد , ويتجاوز عددهم أكثر من نصف المصليين , فقد حاول المنادي أن يربط بين التطبيع مع إسرائيل وبين خصومه السياسيين من أبناء السلطة , رغم أنهم كانوا يصلون معه في المسجد "والكتف على الكتف" , فهذا ما صنعه الإنقسام والذي هو أخطر علينا من تطبيع العرب مع إسرائيل , حيث أنه توغل في حياتنا الإجتماعية وجعلنا ننهش لحم بعضنا البعض .
بعد زيارة نتنياهو للسلطان قابوس , وبعد زيارة الوفد الرياضي الإسرائيلي للإمارات للمشاركة في بطولة عربية وإقامة الإحتفالات , بدأنا نحن كفلسطينيين أن نهاجم العرب كمطبعين , وكأن التطبيع بدأ كظاهرة جديدة بين إسرائيل والعرب , وكأننا نحن ملائكة معصومون من الخطأ , فكانت عواطفنا الجياشة تقودنا الى معتقد خطير وهو أن الأخطاء والمؤامرات تصدر لنا من الخارج فقط , ونحن في الداخل على ما يرام , ونعمل على أكمل وجه وليس منقسمين , فأصبحنا نعلق أخطائنا على شماعة اللآخرين .
الخلاصة المنطقية للموضوع .
لو سألنا كفلسطينيين جميع الدول العربية , لماذا تطبعون مع إسرائيل , فمن حقهم أن يسألوننا أيضا , لماذا أنتم منقسمون , ولو بحثنا عن مببرات العرب لتطبيع مع إسرائيل لوجدناها كثيرة , ولو بحثنا عن مبررات الإنقسام فلم نجد أي مبرر واحد على الإطلاق , ولو وضعنا الموضوع في سياق المنطق والحسابات وأخرجناه من العواطف , فالعرب سيقولون لنا لماذا لا نطبع مع إسرائيل فليس هناك وجود لجندي إسرائيلي على أرض الدول العربية , طبعا بإستثناء الجولان ومزارع شبعا , والتي هي الآن من المفترض أن تكون تحت الحماية الإيرانية والمفترض أن تقوم بتحريرها بحكم الحسابات السياسية الجديدة , فكل الدول العربية الآن تنعم بالإستقلال بالتزامن مع خارطة سياسية جديدة تجردت من واقع الخلافة الإسلامية الجامعة للمسلمين والعرب , وتجردت أيضا من فكرة القومية العربية والتي كان يقودها جمال عبد الناصر , داعما ومساندا للقضية الفلسطينية .
الآن أصبح العرب لكل حساباته الخاصة , بعيدا عن الدين الواحد وبعيدا عن الوطن الواحد والحدود المشتركة , والفلسفة الدارجة للحكم والأرضية الخصبة له هي "دولة المؤسسات" الدولة المدنية والتي تغض النظر عن الدين والعرق والجنسية , فأصبحت إسرائيل داخل هذه المنظومة في الحكم لدى الدول العربية , فلا نستثني من هذا الموضوع سوا تفاعل وتعاطف الشعوب العربية كشعوب تجاه القضية الفلسطينية , والتي لا تخرج من سياق مظاهرات هنا وهناك , وهذا في حال عدم قمعها من النظام الحاكم .
أبدو للبعض في هذا المقال وكأنني مدافعا عن التطبيع العربي مع إسرائيل , وبالطبع هذا ليس دفاعا , إنما عرض صريح للواقع وتفرقة بين الحسابات والشعارات , فنحن في غزة نسمع الشعارات في الصباح والمساء , وحياتنا بعيدا جدا عن الحسابات الدقيقة , ولو فتحنا مجال الحسابات على قاعدة جلد الذات , لوجدنا أننا أول من يستحق الجلد بتهمة الإنقسام , وقبل أن نحاسب العرب يجب أن نحاسب أنفسنا .
بقلم/ أشرف صالح