ليست الأولى ولا الأخيرة لكنها بالتأكيد علامة فارقة، عملية استخباراتية عادية يقوم بها جنود إسرائيليون لغتهم الأصلية هي العربية(مستعربون) لتحقيق أهداف لا يستطيع تنفيذها عميل محلي، يمضي الجنود بسيارتهم المدنية يخفون أسلحتهم وأدواتهم ويقصدون مهمتهم بسرية تامة ويعودون دون أن يثيروا أي انتباه، لكن حذر كتائب القسام، وقدر الله، مكّن إحدى المجموعات القسامية من كشف هذه الدورية الإسرائيلية، ولعل أوراق السائق أو لهجة المتحدث أثارت الشكوك فاستدعي القائد المباشر لاتخاذ إجراء ما واعتقال أفرادها، وحين تأكد وقوع المجموعة واستحالة خلاصهم صدر أمر من قيادة الجيش الإسرائيلي بالاشتباك مع الفلسطينيين دون أدنى اهتمام بحياة الجنود حتى لا تكشف العملية وتنال المقاومة أسرى جدد من جنود الجيش الإسرائيلي، أما ما أجبر الجنود على اتباع أوامر قادتهم فهو المصير الذي ينتظرهم بقصف مؤكد من طائرة إف 16 إسرائيلية.
دفعت هذه الخسارة مجلس الوزراء المصغر إلى الإعلان عن عملية محدودة في قطاع غزة؛ هدفها المعلن هو ردع المقاومة وتحجيمها وإخفاء أي أثر يؤدي لفضح هدف الدورية، وبدى بأن بنك الأهداف الإسرائيلية المزعوم قد أفلس حتى لم تجد الطائرات سوى مبنى فضائية الأقصى باعتبارها المنبر الإعلامي لحركة حماس، على عكس المقاومة الفلسطينية التي نظمت غرفة عمليات ومتابعة مكونة من 13 فصيل سياسي وعسكري على أرض غزة، وبدأت بإمطار مستوطنات غلاف غزة بالصواريخ حتى أغلقت المدارس وهرب سكانها إلى الملاجئ وتوالت الإعلانات عن الخسائر المادية والجرحى، أظهرت إسرائيل حرصها على عدم إراقة الكثير من دماء المدنيين عبر تحذير موظفي الفضائية وجيرانها قبل القصف، كما أظهرت المقاومة حرصها على دماء شعبها والحفاظ على التهدئة بعد إظهار قوتها وقدرتها على الرد، بعدم الانجرار وراء معركة تكون فيها خسارة عظيمة في أرواح المدنيين حينما استُهدف الباص شبه خالٍ من الجنود بصاروخ كورنيت فاجأ اسرائيل.
وللمعركة جانب آخر، قاتل الإسرائيليون على الجبهة الفلسطينية ببعض قوتهم، لكنهم كانوا يضعون كامل قوتهم في معركة التطبيع العربي، فإن معركة غزة يمكن أن يحسمها الجيش الإسرائيلي في أي وقت وفق رؤيتهم الضيقة، لكن الفرصة التي أتاحتها السعودية عبر لقاء ولي العهد مع ممثلي عدد من المنظمات المسيحية واليهودية المتطرفة عبر لقاء نظمه صحفي صهيوني يسكن في القدس، نوقش فيه جريمة خاشقجي والوساطات الممكنة فيها وخارطة الشرق الأوسط الجديد بوجود اللاعب قلب الهجوم الجديد (إسرائيل) مرورا بالتنازل عن القدس وفلسطين، وتم الإعلان عنه كلقاء دعوي حول حوار الأديان؛ وسلطان عمان الذي استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي وعقيلته وحاشية تضم رجال الموساد الذين عملوا لإنجاز هذا اللقاء شهورا وشهور، وكان بعض حصيلته أن وزير الشؤون الخارجية العماني يعترف بإسرائيل كلاعب أساسي في المنطقة، وعلى العرب أن يقدموه حتى يقرعوا أبواب المستقبل بثقة وقوة، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا ما تعرضه عليهم مقابل صندوق تبرعات لتنمية الضفة الغربية، وترك أوهامهم بالقدس عاصمة أبدية للدولة، وأما البحرين فانتفخت وأخرجت صوتا عبر وزير خارجيتها يطري على اللاعب الجديد (نتنياهو) بسبب صراحته وواقعيته.
كانت إسرائيل تقف صامدة وسط غابة من الأعداء الذين يودون تدميرها، ولقد كان تغيير هذا الواقع أمرا عسيرا بوجود قيادات خجولة، لكن حكام الخليج الحاليين أكثر جرأة على الله وعلى شعوبهم، وتهمهم مصالحهم الشخصية وبقاؤهم في مناصبهم بعز عزيز أو بذل ذليل، وهي فرصة لا تفوت لهذا الكيان الغاصب لهذه الأرض، لكنهم ورغم دموع الفرح التي ذرفتها وزيرة الرياضة في الإمارات وهي تستمع للنشيد الوطني الإسرائيلي، ومشاركة فريق الجمباز في قطر بعلمه ونشيدهم الوطني، إلا أن متحدثا باسم الشعوب العربية أجمع صرح من مدينة أباشي الرومانية أمام منافسه الإسرائيلي قائلا: " لن أواجه قاتل أخوتي في مجرد لعبة، الأصح أن أواجهه على أرض القدس" – التونسي محمد حميدة(10 سنوات): ممثل بلاده في كأس العالم للشطرنج.
لا زالت إيران تشكل الهاجس المرعب لدولة الاحتلال، وهي تسعى لتنفيذ ضربة رادعة توقف تهديداتها المستمرة بمحوها عن الخارطة، وتحتاج إلى نقاط مراقبة ومحطات رادار قريبة من أراضيها، ولربما تسعى لأن تضرب إيران بجيش سعودي أو بحريني كما تفعل الدول الكبرى، وتقف متفرجة من بعيد، ولئن التقت مصالح الحكومات والأنظمة يبقى عداء الشعوب متأصلا لا يمحوه مصلحة سياسية ولا خطة استراتيجية ما دامت القدس وفلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
أسامة نجاتي سدر