زهايمر...!

بقلم: توفيق الحاج

شاهدت قبل سنوات فيلم(بلاك) للاسطورة الهندية (اميتاب باشان ) وبالمناسبة هناك في الهند من يعبدون نجوم السينما كما يعبدون البقر ويعتبرونهم الهة !

اميتاب في هذا الفيلم يؤدي دور معلم ينتهي به المطاف مصابا بمرض الزهايمر .. ومن فرط اتقانه للدور شعرت بالكأبة والخوف الى درجة لو خيرت بين الزهايمر و السرطان لاخترت الاخير !

لا انسى منظره وهو مشدود بالقيود الحديدية الى سريره في المشفى.. واعتقد انه عايش كثيرا من الحالات ليصل الى قمة التقمص! ولا أنسى وجوها ذاهلة لمهزهمرين عايشتهما ومنهم صديق بحثت عنه50 عاما حتى وجدته لكنه للاسف لم يعرفني ونفس الامر تكرر مع خالي وزوجته اللذين استغربا وجود هذا الغريب!

الزهايمر ليس غريبا عنا .. فقد كنا نعرفه في طفولتنا بمسمى اخر هو (الخرف) وكنا نصيح وراء عجوزتسير على غير هدى في الحارة هيييييه ام العبد مخرفنه ..ويأتي بعض الرجال والنساء ويأخذونها قسرا الى كوخها

يا الهي ... عندما يتحول الواحد منا في اواخر عمره الى لاب توب مفرمت وقد مسح فيه كل شيء

لا أفراح ولا احزان ولا لحظات عزيزة او مواقف صعبة ولا ذكريات حلوة ولا صوت جمال عبد الناصر ولا وعيد الشيخ كشك ولا أغدا القاك لام كلثوم ولا بحلم بيك لحليم ..!

الكاتب الساخر مثلي يصبح مادة للتندر والسخرية وفي بعض الحالات شعورا بالاشفاق !. عندما يطلب مني احدهم ان يسمع بعضا من قصيدتي (خذي عني..) فلا يجد الا دمعتين متحجرتين !

الكاتب الساخر مثلي الذي نسي كل شيء .. ينساه من حوله.. يصبح عبئا على أهل بيته يزجرونه ..يهينونه ..وقد يضربونه..! ويهجره الاصحاب والاحباب واتحاد الكتاب يعودونه بسرعة تأدية واجب وهم ينتظرون موعد رحيله الاخير حتى يكملون مهمة اداء الواجب .. فيصدحون نفاقا بكلمات التأبين والتقدير التي كان يتمنى أن يسمعها في حياته وينتهي المولد وهم يتنفسون الصعداء بينما هويخرج لهم لسانه ساخرا!

فكرت في هذا الموت الهادئ بلا وجع ... فوجدته نعمة و نقمة !

نعمة ..انه ينسيك اسماء وملامح ساسة وقتلة انتهازيين ذبحوا الوطن عيني عينك وهم يذرفون الدموع ولولة عليه .. ينسيك اصدقاء واحبة احببتهم بكل صدق .. اعطيتهم ولم تبخل .. وفي لحظة تخلوا عنك لفقرك وهربوا كالفئران من دربك .. ينسيك حزنا عمر في قلبك اشجارا .. ينسيك ماعليك من فواتير متراكمة لجوال وبال تل وشركة الكهربا وحضارة وشكوى المدام من الغسالة و الغلاء وطلبات الاولاد التي لانهاية لها ! فأنت سلمت تدري او لاتدري سيان الجمل بما حمل للورثة وانت على قيد الحياه ! فلا تعي حتى معنى شتيمة موجهة اليك من ابنك الاكبر اوضحكة مجلجلة من حفيدك الاصغر!

ونقمة ... انك لا تتذكر أول حب حقيقي عشته... ولا اغنية ترنمت بها لحبيبتك في ليلة قمرية.. لاتتذكر حتى اسمك وماذا تحب او تكره... ولاتتذ كر أحبة قلة بقوا على وفائهم لك .. ولا تتذكر شيئا من اشعارك او قفشاتك الساخرة التي اعتقلت بسببها وحشرت مع المتلوطين وتجار المخدرات!

حسبي الله على كل حاكم مفتر و ظالم ... وكلت امري فيهم لمنتقم جبار !

اللهم اني عبدك ..ابن عبدك الامي ..وابن أمتك الصابرة .. أمنت بك ولازلت عن حب .. لاطمعا في جنة ولا خوفا من نار ...!

اللهم اني راض بما تقسم لي من قدري .. فلا تجعل واسطة بيني وبينك... في زمن يتاجر بك وبدينك الكذابون والدجالون و اللصوص والبائعون !

اللهم اني وكلتك أمري ، اعيش واغادر وانت عني راض.. فاقض يارب في ما أنت قاض..

بقلم/ توفيق الحاج